كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول الموت مفرق الجماعات وهادم اللذات، في الفترة الأخيرة غيب عنا الموت الشاعر صالح بن حمود الديحاني (رحمه الله)، ولد شاعرنا في عام 1391ه في منطقة القصيم ونشأ وترعرع فيها، وله من الأولاد: ماجد (يكنى به)، عبدالعزيز، أسامة، عمل في القطاع الحكومي وكان على رأس العمل حتى غيبة الموت، كان رحمه الله صاحب علاقات عديدة مع جميع طبقات المجتمع ويمتاز بالطيبة والكرم، وبسبب علاقاته نجد له الكثير من المساجلات مع الكثير من الشعراء منهم: ضيدان المريخي، عبدالعزيز الفراج، هلال المطيري، وغيرهم، شاعرنا طرق أغلب أغراض الشعر من مدح، غزل، رثاء... إلخ، امتاز شعره في جمعه لجمال التصوير ودقة التعبير وجزالة المعنى وقوة التركيب ونجد أن تجربته الشعرية تأثرت تأثرا كبيرا في البيئة المحيطة به فحين تقرأ أبياته تجد أنها تعكس شخصيته وتجربته بين مر الحياة وحلاوتها، وسأجعل شعره يعرفه لكم ويقربكم من حياته لأنه وليد إحساسه رحمه لله، وسأستعرض بعض الأبيات من بعض قصائده، له في المدح أبيات جميلة منها: النادر اللي بالضعافه ما ندر يشرب بحور المرجله شرب مرقه مفني سمان الحيل في وسط القدر ما بدرق لا شاف ظيفه بدرقه وله أيضاً في المدح: أشهد إن سلمان ليثٍ معقبله شبل لو تفجر من غضبه العروق النادحه ولو مدحته قالوا الناس يمدح من قبل الأوادم مادحينه وربي مادحه حين نقرأ الأبيات السابقة تتضح لنا مقدرته الشعرية واختياره للقوافي الصعبة وإجادته لها، وله في الحكمة من عرض قصيدة يقول: أنا خشير الوفاء والطيب ليّه خشير ما هي لنفسي إلى جر الكلام الكلام أعرف سلوم العرب من يوم عمري صغير وأترك دروبٍ يجيني من وراها ملام وله أبيات من عرض قصيدة جمع فيها العتاب الجميل للصديق والحكمة قال فيها: يا عيد وش قلت لي يوم الزعل والغضب أخطيتها وأنت دايم يالسنافي تصيب ولاهي عوايدك تخطي يا رفيع النسب خل الخطايا لغيرك وأنت خلك صحيب أنته رفيقي إلا من الزمان أنقلب عساك سالم وأنا ظني عسى ما يخيب والعود الأزرق إلا حطوه فوق الحطب قامت تمايل به الأرياح ويفوح طيب حتى قال في آخر القصيدة بيت من أبيات الحكمة جميل الوصف والمعنى قال: أنا أفعل الطيب ويعوّد عليه عتب مدري من الناس ولا من رداة النصيب وترك أبو ماجد نظم الشعر لفترة زمنية طويلة لظروف خاصة به رحمه الله وعاد بقصيدة جميلة نذكر منها قوله: لوم القصيد وشرهته واتكاله علي انا والشعر يحتاج تجديد غفلت عنه سنين ماني بداله اصارع الدنيا واجر التناهيد وهناك أبيات معبرة عن بعض مما يجول بخاطره قال فيها: لو قلت أبسلم ماهي دايم سلامات الموت عند الولي رب البريه ولو كل من خاف في هالوقت مامات ما شفت حيٍ بكى فقدان حيه أما حياةٍ على عز ومسرات ولا مماتٍ عن وجيهٍ رديه نجد في الأبيات السابقة تعبير قريب من النفس وجزالة شعرية كما في أغلب قصائده، وله في الغزل أبيات منها: طويلة قوام يغار من طولها القصر رفيعة مقام أحتار في وصفها التشبيه أشوفه ولا لي منه حيله ولا بصر ذبحني وهو عندي قريّب ولا أدري ليه وله أيضاً: ما همني لا خوف لا بعد لا قرب عن صاحبي مير البلا وين دربه راح وترك زمل الغلا كلها جرب مدري جفاء والا ابعد الوقت سربه هذي سنه وانا من الشرق للغرب انشد ولا عينت دار ذكر به دموع عيني فوق خدي لها درب الحزن ساقه والفراق نحدر به وله قصيدة ابتهالية إيمانية جميلة منها قوله رحمه الله: يا الله يا منشي المزون المراديف يا ربي اللي كل الأمه تخافه يا واحدٍ ترجيك خلقك ملاهيف وأمرك قضيته بين نونه وكافه وله في الفخر قوله: اليا عسفت المفرده طاوع الحرف وكتبت عشر ابيات ماهي زياده ونحّتها من صخر ياعبيد في ظرف ساعه ماجف الباركر من مداده وصرفتها من ناتج الموهبه صرف وعلقتها في ذهن غيري قلاده وله أيضاً في الفخر قوله: إلى رقيت أعلى مراقيب القصايد ما أنحدرت ولاجبت (حي الله) أبي كلمة يا مال العافيه لني إلى مني بغيت أكتب تحديت وقدرت إني ما أسمّع مرهف الإحساس وزن وقافيه حين نقرأ جميع ما ذكر من أبيات في الأعلى يتضح لنا حجم ما فقدنا من إبداع، شاعر قلما نجد مثله في زمن طغى فيه الغث على السمين، لا نجده يتصنع بكتابة القصيدة ولا يعسف الكلمات بل تنساب الأحرف والقوافي ويرسمها كما يشاء، أصيب في آخر حياته بمرض خطير ويزداد المرض خطورة مع مرور الأيام وعلم عن خطورة ما به من مرض ونصحه الأطباء بالراحة، وأتذكر في آخر مكالمة لي معه كان يتكلم بإيمان ويقين تام بالقدر والمكتوب ولا يريد أن يحسسك بخطورة حالته، فكتب آخر أبيات وكأنه يودع أحبابه وجميع من يسأل عنه وقال: إلى متى ودموع عيني تذارف أكفها عن وجنة الخد وتسيل ليّه ثمان شهور صابر وعارف مير أعذروني ياهل الجيش والخيل يا اصحابنا الغالين ولا المعارف أدعوا لأبو ماجد على هجعة الليل دخل آخر أيامه مستشفى الملك سعود في محافظة عنيزة ولم يلبث طويلاً به، وتوفي يوم الخميس الموافق 12/ 12/ 1431ه، رحل وترك لنا أرثا شعريا كبيرا، وأدعو أقرباءه وأصحابه لجمع قصائده في ديوان مكتوب لحفظ قصائده من الضياع، رحم الله أبو ماجد وجمعنا به وبكم في جنة عرضها السماوات والأرض. محمد بن إبراهيم الدواس - القصيم - رياض الخبراء