سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء نقطة تحول تاريخية وعلامة فارقة في مفاهيم التطوير القضائي الهيكلة القضائية الجديدة: تمسك بالأصول وتطوير في التطبيق
بصدور المراسيم الملكية بتاريخ 18/1/1435 الموافق 22/11/2013 بالموافقة على نظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعات أمام ديوان المظالم، كجزء متمم لصدور كل من نظام القضاء ونظام ديوان المظالم عام 1428/2007 يمكن القول باكتمال الهيكلة القضائية الجديدة، وأن مسيرة التنمية السعودية قد دخلت مرحلة جديدة تؤكد فيها القيادة التي يقف على رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله وأمد في عمره ومتّعه بالصحة والعافية - أن مسيرة الإصلاح والتطوير هي مسيرة مستمرة لما فيه خير العباد والبلاد، وليعبر ذلك عن مبدأ راسخ تنتهجه الحكومة السعودية وهو المحافظة على الثوابت ومواكبة المتغيرات، وهو مبدأ يعطي المملكة القدرة على التعامل مع مستجدات العصر الحديث وبناء مؤسساتها الدستورية بكافة سلطاتها التشريعية والقضائية والتنفيذية انطلاقا من مبدأ ثابت وقاعدة مستمرة فحواهما الارتباط بالثوابت والقيم والأصول المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة التي تمثل دستور البلاد وأساس تعاملاتها الحياتية المعاصرة، وفي نفس الوقت البعد عن الجمود وتقديم ما يتماشى مع النقلات النوعية والحضارية التي مرت وتمر بها المملكة العربية السعودية والتي كان لها إفرازاتها على كافة أنشطة الحياة بمختلف مناشطها. الهيكلة ركزت على إعادة صياغة درجات التقاضي وإحداث تحول نوعي كبير في تاريخ القضاء السعودي كما جاء صدور المراسيم الملكية ليعبر عن الاهتمام الذي توليه المملكة كدولة عصرية حديثة لأهم سلطاتها، وأكثرها حساسية، وأولاها بالاهتمام والمتابعة والتقييم المستمر، وهي السلطة القضائية، وأتى كذلك ليتماشى مع الأسس والمبادئ التي أرساها النظام الأساسي للحكم والتي في مقدمتها مبدأ استقلال القضاء الذي يقوم على أن القضاء سلطة مستقلة وانه لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية، ومبدأ أن حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة، ومبدأ وحدة السلطة القضائية المتمثل بمحاكم القضاء العام وديوان المظالم، وجواز تخصيص القاضي بأنواع معينة من القضايا (الاختصاص الولائي) أو بالقضاء في نطاق جغرافي معين (الاختصاص المكاني)، كما أن تشكيل محاكم متخصصة جاء ليعبر عن تفهم وإدراك للتطورات التي شهدتها كافة التعاملات والعلاقات والروابط بين أفراد المجتمع. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الأنظمة قد مرت قبل صدورها بدراسات معمقة ومركزة ومتعدده ومتأنية على مستويات مختلفة، وكان الهدف من ذلك أن تأتي الصيغ المقرّة ملبية لحاجات العباد والبلاد ومتماشية مع التطورات التي أصابت بنية المجتمع وآفاق نموه، فبالإضافة إلى الدراسات التي أجراها حولها كل من أصحاب المعالي والفضيلة ومنهم أعضاء في هيئة كبار العلماء، تمت دراسة الأنظمة من قبل اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري، ولجنة الأنظمة الأساسية في الديوان الملكي، وكذلك دُرست في مجلس الشورى، ودرُست أيضا من قبل لجان عليا شكلت لهذا الغرض في أجهزة مجلس الوزراء الثلاثة وهي الديوان الملكي وهيئة الخبراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء، كما تمت دراستها من قبل وزارة العدل، والمجلس الأعلى للقضاء، وديوان المظالم، وهيئة التحقيق والادعاء العام، وهيئة الرقابة والتحقيق، وكذلك شاركت في دراستهما وزارات مثل وزارتي الخدمة المدنية والمالية، وكل ذلك كان من اجل الخروج بصيغة تلبي الاحتياجات القائمة وتتماشى مع ضرورات العصر والواقع المعاش، ولما لتلك الأنظمة من تأثير على كافة النشاطات والتعاملات بشكل عام. وبدون الدخول في جدل نظامي قد يطول شرحه يمكن القول ان الهيكلة القضائية أتت لتحسم وضعا كانت الولاية القضائية فيه مشتتة بين وحدات إدارية لا يمكن إسباغ الصفة القضائية عليها بما تقوم عليه تلك الصفة من حياد واستقلال، واعني هنا اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي التي قامت بجهود كبيرة وجبّارة في مزاولة أعمالها، وكذلك أتى صدور نظام ديوان المظالم ليحافظ على تفرغ الديوان للقيام بواجبه الأساسي كجهة قضاء إداري، وليزيل عن كاهل الديوان أية أعباء أسندت إليه بشكل لا يتفق مع وظيفته، واعني هنا القضاء التجاري والقضاء الجزائي اللذين سيكونان اختصاصاً أصيلا للقضاء العام، وكذلك أتى صدور نظام المرافعات أمام ديوان المظالم مبينا قواعد المرافعات والإجراءات التي ستتبع أمام المحاكم الإدارية، لتحل محل قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم التي صدرت عام 1409ه . كما تجدر الإشارة إلى أن مجمل ما حملته هذه الأنظمة هو هيكلة الجهاز القضائي دون المساس بمرجعية النظام نفسه الذي ما زال يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة، وذلك عبر إدخال نمط جديد من المحاكم المتخصصة في القضاء العام، أخذا بمفهوم التخصص النوعي في نظر القضايا، عبر إنشاء محاكم متخصصة عامة وتجارية وأحوال شخصية وعمالية وجزائية، وإجازة أن يقترح المجلس الأعلى للقضاء عند الاقتضاء على الملك إنشاء محاكم متخصصة أخرى، وإنشاء درجة استئنافية جديدة يلجأ لها المتقاضون كدرجة أعلى من محاكم الدرجة الأولى، والنقطة الأبرز والاهم في تقديري هي نقل الاختصاص القضائي الذي تباشره اللجنة الدائمة بالمجلس الأعلى للقضاء إلى المحكمة العليا التي تم إنشاؤها كمحكمة تتولى ضمن اختصاصاتها مراقبة التطبيق السليم لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة السارية بشكل يشابه محكمة النقض في التنظيمات القضائية المقارنة. هيكلة الجهاز القضائي التي ركزت على إعادة صياغة درجات التقاضي وفعَّلت إيجابية التخصص النوعي احدثت تحولا نوعيا كبيرا في تاريخ القضاء السعودي، حيث أحدثت محاكم استئناف في القضاء العام والقضاء الإداري، ومحكمة عليا للقضاء العام، ومحكمة إدارية عليا للقضاء الإداري الذي استقل استقلالاً كاملاً عن القضاء العام، وأنشأ كذلك مجلسين قضائيين لكل من القضاء العام والقضاء الإداري وذلك من منطلق أخذ المملكة بمفهوم استقلال القضاء الإداري عن القضاء العام كفكرة تاريخية ذات امتداد إسلامي لها ما يسندها في تنظير العديد من المختصين. وقد قُسّمت درجات التقاضي في كلا القضائين العام والإداري إلى ثلاث درجات، الأولى هي محاكم الدرجة الأولى، والثانية هي محاكم الاستئناف التي تنظر القضية مجددا في حال عدم القناعة بالحكم الابتدائي، والثالثة هي المحكمة العليا التي تقع على رأس الهرم القضائي بصفتها محكمة قواعد - شريعة ونظام - تقوم بدور الرقابة على صحة تطبيق قواعد الشرع والنظام، وتعمل على توحيد الاجتهاد القضائي، وهي تعادل محكمة النقض في الأنظمة القضائية العربية المقارنة ولا يطعن أمامها في الأحكام المستأنفة إلا وفق ضوابط معينة حددها النظامان، ومن المعلوم أن الدرجة الثالثة تعد من طرق الطعن غير العادي كما هو مستقر عليه قضاء، حيث لا تنظر محكمة النقض في موضوع أي دعوى مطعون في الحكم الصادر فيها، لكنها تنظر في ما إذا كان هناك خطأ في تطبيق القانون تسبب في صدور الحكم المطعون فيه. واتى صدور الأنظمة العدلية الثلاثة ليؤسس مباشرة المحكمة العليا لكامل اختصاصاتها المسماة في نظام القضاء، والتوسع في إنشاء المحاكم المتخصصة التي يُعَوَّل عليها في تسريع إجراءات التقاضي من خلال التخصص النوعي في نظر القضايا، كما سيتم إثر صدور نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية البدء في المرحلة الانتقالية الثانية لانطلاق محاكم الاستئناف وفق صيغتها الإجرائية الجديدة، والفترة الانتقالية لكل من المحاكم الجزائية، والأحوال الشخصية، والتجارية، والعمالية، واختصاص اللجان شبه القضائية المبينة في آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء. الرافد الأهم في تفعيل هذه النقلة الكبيرة هو مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء والذي خصص له ميزانية تبلغ سبعة آلاف مليون ريال، وهذا الدعم السخي يثمن لخادم الحرمين الشريفين ويضاف بإكبار إلى سجله المشرف والذي يحرص من خلال صفحاته البيضاء على أن يكون عهده الميمون امتدادا مباركا لمسيرة القائد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. ومن سمات المرحلة الجديدة التركيز على محاور خطة تحديث وتطوير القضاء، تنصب على التدريب والاطلاع على المزيد والجديد، وإيجاد مكاتب وساطة محكومة بنصوص تنظيمية، ودعم مهنة المحاماة، ونشر المزيد من الثقافة التحكيمية، واختصار الوقت عبر نماذج حاسوبية موحدة، وبرامج خادمة، وتعزيز دور أعوان القضاء، ومن المؤمل أن يكون التركيز في المرحلة الأولى من المشروع على بناء مقرات للمحاكم، وخاصة المحكمة العليا التي يجب أن يكون بناؤها معلما من علامات الاهتمام بالعدل، وهو ديدن جميع الدول التي تحظى محاكمها العليا بمبان تكاد تكون علامات معمارية بارزة، وكذلك توجد حاجة ماسة وعاجلة لان يبدأ ديوان المظالم في إنشاء مقر دائم له وكذلك تأسيس مقرات لفروعه في كافة المناطق بشكل يراعي كونها محاكم إدارية، بدلا من المقرات المستأجرة الموجودة حاليا.