يقف الناقد الدكتور صلاح فضل عند جملة من عوالم الروائي الكبير نجيب محفوظ بعد أن تذوق نصوصه وتعمق فيها ليضع فيها رؤاه وأفكاره والتي سبق أن نشرها في الصحف الكتاب الذي حمل عنوان "عوالم نجيب محفوظ" الصادر عن الدار المصرية اللبنانية. يقول فضل: أسس محفوظ بعبقرية النمل الدؤوب ديوان الرواية العربية وانتزع شرعيتها من يد الجيل السابق عليه بإنتاجه المتواصل ومشروعاته المتراكبة، كان يعرف أنه ابن ثقافة تقدس نشوة الشعر وتعشق وجيز الكلمات ومأثور الحكم وكان هو نفسه يمتلك طاقة شعرية فذة عرف كيف يوزعها بعدل على مواقفه وتقنياته وكلماته، وامتص بجذره الممتد في عروق الأدب شعرية الكتابة وفلسفتها منذ الجاحظ حتى طه حسين، والتمس غذاءه المبكر في أغوار الآثار الفرعونية التي فتنته، فشرع في احتضانها بوعيه الإنساني المعاصر ورؤيته المادية العلمية للتاريخ. يدرك الناقد فضل من يكتب عنه هنا فيتحاور مع منجز روائي ضخم وبديع ويستكنه ما تستبطنه هذه الأعمال الخالدة وينبري يبرز كوكبة من هذه المحاسن برؤية عميقة، ففي البدء كتب فضل عن شعرية التاريخ عبر روايات تاريخية هامة كعبث الأقدار – رادوبيس وكفاح طيبة، ثم يلتفت المؤلف إلى رواية "ملحمة الحرافيش" لقراءتها، ومنها إلى رواية "يوم قتل الزعيم" التي تميزت بطابعها السياسي وبعيدة عن تقليدية القص المعروفة. كما يقف فضل أمام أثر محفوظ الخالد "أولاد حارتنا" التي كسرت النمط الروائي المألوف وتعزف عن متابعة فتات الحياة الكونية وتنحو إلى وضع موجز مكثف لتاريخ الخليقة فنياً يتناص مع الوثائق الدينية العديدة، ليتناول المؤلف "السيرة الذاتية" لقراءتها، متأملا رواية "حديث الصباح والمساء" التي تختلط بين الدراما والرواية وفي ختام الكتاب يستعرض فضل أساليب محفوظ في ابتكار الأسلوب الشفاف الذي لا تشعر بكيانه اللغوي ولا تُصْدم بجسده المجازي.. ليقدم في نهاية الكتاب أن محفوظاً يعد الهرم الثالث في مصر بعد الهرم الأول "شوقي" والهرم الثاني "طه حسين" وذلك لدأب محفوظ ومثابرته بأهمية المشروع الروائي للثقافة العربية.