عندما تتحول القناة التلفزيونية الى ما يشبه الحزب السياسي فانها بذلك تخرج من نطاق الاعلام الى لعبة السياسة ويصعب عليها أن تكون محايدة وأن تلتزم بالموضوعية والمصداقية. هذا ماحصل لقناة الجزيرة التي ترفع شعار الرأي والرأي الآخر وهي لا تلتزم بهذا الشعار الا في مناسبات محدودة ينخدع بها المشاهد ثم يكتشف فيما بعد هذه الخدعة وخاصة حين وقوع أحداث جسام كما هو الحال في أزمة مصر. فى بدايات هذه القناة اعتقد البعض أنها ابتكار جديد في عالم الاعلام وهي في حقيقة الأمر مجرد تقليد واستنساخ لقنوات أجنبية في أمريكا وأوروبا سبقتنا في هذا المجال. الفرق الواضح بينها وبين تلك القنوات أنها ذات معايير مزدوجة وتقع في تناقضات واضحة تغطيها بشيء من الجرأة والاثارة التي تشد المشاهد وتدهشه بسبب أن هذا المشاهد تعود على الأساليب الاعلامية العربية التقليدية. تلك الاضافة (البهارات) التي أبهرت المشاهد (متذوق الطعام) جعلت هذا المشاهد يتردد على هذا المطبخ ويطلب المزيد من الطعام ثم اكتشف متأخرا أن وزنه قد زاد بسبب خلط الأطعمة وأثر ذلك على تركيزه العقلي وتفكيره وأصيب بالكسل الذهني. هذا الكسل الذهني جعل المشاهد لا يفرق بين الرأي والخبر وصارت القناة تستغل هذا التشويش لتصيغ الأخبار بطريقة غير محايدة بل بطريقة تحريضية كما حدث أثناء وبعد الربيع العربي حيث مارست القناة نوعا من الاعلام غير المنضبط الذي لا يتفق مع مبادىء وأخلاقيات المهنة. ومن أهم هذه المبادىء والأخلاقيات أن يكون الانحياز للحقيقة وأن لا تتحول الوسيلة الاعلامية الى طرف في النزاعات السياسية كما فعلت الجزيرة في تغطية أحداث الربيع العربي مما يعني أنها أسيرة للجهة التي تمولها ويصعب حقيقة الانحياز للحقيقة اذا لم تتوفر الاستقلالية ولهذا غاب الرأي الآخر وأصبح مجرد شعار بلا معنى. في أمريكا وأوروبا هناك أيضا قنوات تلفزيونية ووسائل اعلامية وصحافة غير محايدة وأمام ثورة وسائل الاتصال الاجتماعي تكون التحديات مختلفة والمنافسة محتدمة ولن يحسم هذا التنافس عامل التقنية وانما المصداقية والالتزام بأخلاقيات المهنة ومثلما ننتقد الاعلام الغربي الذي ينحاز ضد القضايا العربية خاصة حين يتعلق الأمر باسرائيل فان علينا أيضا أن ننظر في المرآة ونختبر مصداقيتنا. سنظل نبحث عن الرأي الآخر ولن نجده بالتأكيد في برنامج المهاترات (الاتجاه المعاكس) فذلك حفلة صراخ وضجيج يفوز بها من يرفع الصوت أو من ينحاز له حكم اللقاء الذي يشبة لقاءات المصارعة الحرة فهي حقيقة وتمثيل في نفس الوقت، لذا يظل السؤال قائما: أين الرأي الآخر؟