بعد تفجير ماراثون بوسطن كنت أتابع وسائل الإعلام وكيف تتابع الحدث وتعلق عليه؟ وكذلك تصريحات المسؤولين في امريكا وخارج أمريكا. كنت أبحث عن التعليق المهني المحايد الذي يستند الى الحقائق ويتحاشى القفز الى إصدار الأحكام والنتائج. بدأت بالرئيس الأمريكي أوباما وكان تصريحه يتسم بالتعقل حيث وعد بمعرفة من الفاعل وماسبب هذا الفعل الإجرامي. كما طالب أوباما بتحري الحقيقة وعدم التسرع في إصدار الأحكام بدون حقائق، وأن الفاعل سوف يخضع للعداله. وتابعت تصريحات بعض مسؤولي الأمن ووجدت أنهم أيضاً ينتظرون نتائج التحقيق والبحث لمعرفة الحقيقة ولم يصدر منهم أي اتهام. أما بعض وسائل الإعلام فقد كانت تتسابق كأنها في ماراثون ينافس ماراثون بوسطن حيث كانت تهرول في كل اتجاه تحت تأثير انحياز مسبق وكأنها تسعى الى الصاق التهمة بجنسية معينة وتسرع بعضها ليدعي أن أحد المشتبه بهم هو سعودي الجنسية. وقبل ظهور الحقيقة كانت بعض وسائل الإعلام ومنها القنوات التلفزيونية تحاول التواجد في موقع الحدث بشكل متواصل ولكنها تردد في المساء ماتقوله في الصباح فليس لديها معلومات جديدة بل إن المذيع وزميله في المحطة التي كانت الأبرز والأشهر (CNN) لم يجدا مايقولانه للمشاهد سوى وصف السيارات البوليسية السرية المتنوعة الأشكال فإذا مرت سيارة قالا: وهذه سيارة من سيارات البوليس، ثم تعبر سيارة أخرى فيعلقان: وهذه سيارة أخرى. هذا الوصف ذكرني بمعلق رياضي على مباراة في كرة القدم كان يذكر للمشاهد كل مايراه فيقول مثلاً هذه حمامة تحلق في أجواء الملعب، وهذا طفل يضحك. أما المعلق الآخر الذي تذكرته فهو معلق المصارعة الذي كان يشير الى أن إحدى المتفرجات تشبه المطربة فيروز. وحين جاءت لقطة أخرى على هذه المتفرجة قال المعلق: (فيروز تضحك). إن ما أرمي إليه هنا هو أن بعض وسائل الإعلام لا تزال تعيش على مجد قديم وأن الانحياز الإعلامي لا يزال موجوداً حتى في الدول التي تفتخر بحرية الإعلام ومن الملاحظ أن ذلك الإعلام الذي يتمتع بالحرية يمارس هذه الحرية بالاعتداء على أخلاقيات المهنة فيبتعد عن المصداقية والدقة وفي هذا الشأن نجد أن الارهابي لا تذكر ديانته في تلك الوسائل الإعلامية إلا إذا كان مسلماً وفي هذا إساءة للإسلام. يمكن القول إن شرطة بوسطن، وال (FBI) قامت بعد انفجار ماراثون بوسطن بعمل أمني غاية في الإتقان وكانت التصريحات متزنة وهادئة حتى تم التعرف على المتهمين وقتل أحدهما وقبض على الآخر. مقابل هذا العمل المتميز لرجال الأمن كانت بعض وسائل الإعلام تبحث عن نفسها، وتحاول أن تستعيد مجدها لكن التقدير والتصفيق ذهب لرجال الأمن الذين كانوا فعلاً يبحثون عن الجاني الحقيقي وليس الجاني الذي في أذهان بعض وسائل الإعلام. تلك الوسائل كانت تتسابق في ماراثون إعلامي لكنه ماراثون كان يفتقد للتنافس الشريف والروح الرياضية التي تسود عادة في سباق الماراثون الرياضي.