قرأت ماكتبه سمو الامير عبدالله بن فهد الفيصل الفرحان آل سعود-حفظه الله-في العدد(16440) كرسائل قصيرة الى عدد من الجهات وقد تضمن مقال سموه عدداً من الرسائل والمعلومات الهامة التي اتمنى الوقوف عندها كثيرا فهي تتضمن آراء ومقترحات لا نحتاج معها الى استشارات فمقالاته دائما تتسم بالوطنية وبالآراء النادرة التي يكتبها من خلال تجربة محلية او ملاحظات يغفل عنها الكثيرون وهناك قول يقول: (نصف العبقرية ان تتنبه الى ماغفل عنه الناس) وقد توقفت كثيرا عند رسالة كاتب المقال الى وزارة الصحة ووزارة الزراعة وإطلاقه تحذيرا وطنيا هاما حول استيراد القمح المعدل وراثيا وندائه بالعودة الى زراعة القمح وفي رأيي فإن هذا هو ماسنلجأ اليه اخيرا بعد ان نصل الى آخر النفق. امرتهم امري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الصبح الا ضحى الغد وقد توقفت كثيرا وتأملت مليا في قول الكاتب: (انه يجب على وزارة الزراعة المحافظة على ماتبقى من البذور الوطنية وتخزينها في صوامع خاصة ولو تطلب الامر ان تكون تحت الارض يتوفر فيها الامن والامان وهي تجربة نفذتها العديد من الدول قبل ان يشملها التعديل الوراثي) وفي رأيي ان وزارة الزراعة يجب ان تعمد فورا وبدون تأخير الى تنفيذ هذه التوصية فهي الرأي الاصوب للحفاظ على صحتنا وامننا الغذائي في ظل هذا الهجوم الشرس والمحموم من شركات البذور والقمح والتي تسعى بكل قوتها الى خضوع المستهلك لها حتى في البذور التي تحتكرها وتستغلها وتنتج بذورا معدلة وراثيا لايصلح ماتنتجه للزراعة ولابد من الشراء منها لاي زراعة مهما كانت اضافة الى ما في هذه البذور من آفات تحتاج الى اطنان من المبيدات السامة للقضاء عليها وتسميم كل الاراضي الصالحة للزراعة للقضاء عليها. كما قال الكاتب: (انا ارى ان افضل طريقة لتفادي هذا الخطر هي العودة الى زراعة القمح والتي اصبحت خيارا لاغنى عنه في ظل بوادر فشل الاستثمار الخارجي في السودان). وأؤيد وبقوه هذا الرأي فهو السبيل الوحيد لامننا الغذائي، وقد كان القمح ضحية اتهام ظالم وغير منطقي له بأنه يستنزف المياه الجوفية، والمصيبة هو انه بعد رفع الدعم عن القمح اتجهت البوصلة الى ماهو اكثر استنزافا للمياه منه بأكثر من خمس مرات (الاعلاف)، أجزم ان الكثيرين سيتعجلون في الحكم على هذا الرأي دون ان يقرأوا المقال فمعظم مشاكلنا تأتي من العاطفة وعدم الانصات والانسياق وراء الرأي الذي يدعي الوطنية والحفاظ على الامن المائي ولكنني اقول وبقوة وبالخط العريض انه لا سبيل الى ايقاف الاستنزاف لمخزوننا من المياه غير المتجددة الا بالعودة الى زراعة (المحصول المظلوم) القمح وسأسوق عددا من المبررات لذلك. الاستنزاف الذي حصل سابقا اثناء الطفرة الزراعية حين تم تقديم دعم كبير لزراعة القمح ذهب لانتاج كميات تفيض عن الاستهلاك المحلي حيث تم استغلال دعم الدولة للقمح للمتاجرة به حيث ان تكلفة انتاجه لاتقارن ببيعه في السوق العالمية حيث ان الدعم هو ماخفض سعره محليا وكان الخطأ الفادح هو السماح بتصديره دون استرداد الدعم الذي دفع له، وبالتالي فكأننا صدرنا ثروتنا المائية. بعد رفع الدعم عن القمح لم يجد المزارع الذي قام بشراء المزرعة والاقتراض من صندوق التنمية الزراعية امامه سبيلا لاستمرار نشاطه وتفادي انهياره لزراعة الاعلاف حيث يوجد منفذ للمزارع مربح وهو زراعة الاعلاف وبالتالي توجه هؤلاء المزارعون لزراعة الاعلاف رغم ستنزافها الهائل للمياه فهكتار واحد من البرسيم يستهلك حوالي(25000-3000) متر مكعب من المياه مقابل (4000) متر مكعب من المياه يستهلكها القمح وذلك في حالة عدم نزول الامطار ومن هنا فإن ماتستهلكه الاعلاف يفوق بأكثر من خمس مرات مايستهلكه القمح، ومن المنتظر ان يزداد هذا الاستهلاك بعد رفع الدعم كليا عن القمح بعد ثلاث سنوات حيث انه لايزال هناك من يزرع القمح حاليا حيث ان الدعم لم يتم رفعه نهائيا عنه. القمح لايسقى إلا خلال شهرين من السنة (ديسمبر ويناير) وهما اكثر اشهر السنة انخفاضا لدرجات الحرارة، وبالتالي يقل استهلاك النباتات فيهما للمياه وتحتفظ الارض فيهما بالمياه اياما عديدة؛ بعكس الصيف اللاهب الحرارة والذي يزيد فيه فقد المياه فتضيع فيه اكثر من 80% منها. هذا اضافة الى ان القمح قد يستغنى عن السقي بالمياه نهائيا في حالة السنة المطيرة، وفي جنوب المملكة يزرع القمح على مياه الامطار فلماذا يتم رفع الدعم عن من يزرع بمياه الامطار اذا كانت الحجة هي استنزاف المياه، بل وازيدكم من الشعر بيتا وهو اننا في حال تغذية الفاقد من المياه غير المتجددة بمياه الامطار فلن نفقد قطرة ماء وفي حساباتي ان 8% فقط من مياه الأمطار يمكن ان تقلب المعادلة وتوازن بين السحب والاستنزاف ونحن دولة تملك الامكانات المالية والتكنولوجية التي تمكنها من ذلك. استهلاكنا السنوي من القمح حوالي 3 ملايين طن وانتاجنا حاليا حوالي نصف هذه الكمية وبما ان الهكتار ينتج 5 أطنان من القمح وري الهكتار يحتاج الى 4000 متر مكعب فاننا وبحساب بسيط لانحتاج الى اكثر من 2مليار متر مكعب من المياه لريها يمكن تأمين اكثرها من مياه الامطار وهذه المياه لا تزيد على 10% فقط من الاستهلاك السنوي للمياه لدينا والذي يذهب معظمه لزراعة الاعلاف التي بدورها تذهب لاطعام قطعان ابل تهيم في الصحاري سنويا لتشارك في مسابقات مزاين الابل التي ترفع اسعارها وبالتالي ترفع اسعار اللحوم. القمح ينتج الدقيق (طعام الانسان) وينتج الاعلاف (اوراق القمح واغصانه) وتشكل مزارعه بعد الحصاد مراعي صيفية للماشية تلجأ اليها بعد جفاف الربيع وفصله فالقمح ذو فائدة مزدوجة فهو ينتج الاعلاف والدقيق بينما الاعلاف لايستفيد منها الا الماشية فبدلا من أن نستنزف المياه مرتين نستنزفها مرة واحدة. القمح يمكن ان يزرع في مياه مالحة وامامنا دليل عملي فمزارع القصيم التي تمتد على ضفاف وادي الرمة تسقى بمياه مالحة وتنتج انتاجا من اجود انواع القمح على مستوى المملكة، وتدرس جامعة الملك فهد للبترول والمعادن زراعة القمح على المياه المالحة وهو بحث اتمنى ان يرى النور قريبا كما اتمنى ان تقوم وزارة الزراعة ووزارة المياه ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ببحث مشترك حول زراعة القمح حتى لو اضطررنا الى زراعته في الربع الخالي البعيد عن مخزوناتنا المائية. كما اتمنى ان تكون هناك مبادرة وطنية كبرى لدراسة استنزاف مزارع الاعلاف لمياهنا والضرورة الحتمية لسد حاجتنا من القمح دون الخضوع الى ابتزاز الشركات العالمية واحتكارها وتزويدنا بقمح معدل وراثيا (شرى له من حلاله علة) لنعود لنزرع ما نأكل فهي مسألة قومية وطنية كبرى يجب ان يتم التدخل فيها على مستويات عالية.