] يصعب على سكان مدينة جدة (عروس البحر الأحمر) ان يصبح المتسولون فيها أحد معالمها الرئيسية، لكن هذا واقع الحال - الذي آلت إليه المدينة، وسكانها، وزوارها فأصبح المتسولون شباباً، وشيوخاً، ورجالاً، ونساء، وأطفالاً، ومقعدين جزءا أساسيا من معالم العروس....؟ ومهما قيل عن نشاط (المتسولين، والمتسولات) فإنه لا يرقى الى حصر اعدادهم التي تزداد كثافة يوماً عن يوم، ونشاطاً يومياً عن يوم، وانتشاراً يوماً عن يوم.. فها نحن نستقبل موسم الحج لنراهم في كل مكان مما يؤكد حرصهم، وإصرارهم على العمل طوال العام، وعدم اكتفائهم بالعمل في موسمي رمضان والحج (كما جرت العادة) في السنوات السابقة، ويحتمل ان يكون هذا النشاط الدائم سببه (تحسن السوق)، ولذلك يكون من الواجب الاستمرار كما يحتمل ان يكون لكثرة من يمارس التسول دور في هذه الشراسة، والهجمة التسولية حتى لا تضيع فرص الحسنات، والصدقات.. شعار - «اشحت، ولا تخطب».. هذا الشعار رفعه عدد من أئمة المساجد في مدينة جدة بمؤازرة ومشاركة من عدد من المصلين الذين (أقلقهم وأزعجهم) صوت المتسولين عقب صلاة المغرب، او العشاء مباشرة بالقاء خطبهم في محاولة لاقناع الحضور بأحقيتهم للمساعدة، فيطلب الإمام من المتسول ان يكف عن الخطبة، ويذهب بهدوء الى باب المسجد وينتظر من المصلين المساعدة في الوقت الذي يعتقد فيه المتسول اعتقاداً جازماً انه بهذه الطريقة قد فقد شيئاً مهماً فيما لو خطب فخطبته ستدر عليه العطف، وتلفت الانظار اليه، والى من يحمله معه أحياناً، وبالتالي فإن حجم المساعدة سيرتفع، وسيكون مناسباً لطموح المتسول، ومغطياً لتكاليف وصوله الى هذا المسجد او ذاك خاصة اذا عرفنا ان من يأتي الى المساجد يستخدم وسيلة مواصلات اجرها في الذهاب والاياب والانتظار في بعض الأوقات لا يقل عن عشرين ريالاً، والمطلوب عشرة اضعاف هذا المبلغ، ومن هنا يكون الحرص على (الخطبة).. ولفت انتباه جميع المصلين... وشعار (اشحت ولا تخطب) هو شعار جيد لو استمر فإنه سيخفف من هذا (الاقلاق، والازعاج) الذي تشهده المساجد كل يوم، وفي مسلسل شبه دائم على مدار العام، ولا يسعى احد من وراء رفع هذا الشعار الى إلحاق الأذى بالمتسولين المحتاجين بالفعل، لكنه سيحد من هجماتهم المستمرة فإذا كان هناك عدد من المحتاجين جلسوا عند باب المسجد او في خارجه ليعطف عليهم من يريد الأجر، والثواب وينصرف عنهم من كان يعتقد انهم لا يستحقون العطف، ولسنا في حاجة الى تكرار ان تسعين في المائة من هؤلاء المتسولين، والمتسولات هم من دول عربية، وافريقية ومعظمهم من محترفي (مهنة التسول).. وكما يرفع بعض الائمة وبعض المصلين في وجه المتسولين شعار (اشحت ولا تخطب) فإن هؤلاء المتسولين يرفعون شعاراً مضاداً هو اقرب للرد، وأقرب للتحدي وهو (لا يأس مع التسول، ولا تسول مع اليأس).. ويترجمون الخطب واستعراض ظروفهم التي دعتهم الى الوقوف بين المصلين.. «متسولون» مع مرتبة الشرف لو (تفشت) هذه المعلومة خارج حدودنا بشكل واضح لرأينا (آلاف المتسولين) يتجهون نحو مدننا بكل (الوسائل، والطرق، والاساليب).. ومدننا لم تعد تستوعب مزيداً من (الاخوة المتسولين، والأخوات المتسولات) ففيها ما يكفيها ويزيد على حاجتها وبمعنى آخر انها - أي مدننا - قد تجاوزت حدود (الاكتفاء الذاتي) بمراحل.. والمعلومة التي لا يريد لها كل - غيور - على هذه البلاد ان - تتفشى - تقول باختصار (ان معدل دخل المتسول سنوياً يبلغ 80 الف ريال).. والأسوأ من ذلك - في رأينا - ماورد في نهاية المعلومة بان هذا الرقم هو (الحد الأدنى).. والمعلومة التسولية ظهرت في أواخر شهر رمضان الماضي (أي في الموسم الاول للتسول، وأطلقها من يعتقد انهم مختصون في عالم التسول ولو قرأها من يقوم بتشغيل فرق المتسولين فإن هجمات المتسولين والمتسولات ستكون أكثر ضراوة، وأشد قسوة مما هي عليه الآن.. وحين نقول ان هؤلاء المتسولين يحملون مرتبة الشرف فإن سبب ذلك ان خريجي الجامعات لا يحلمون بنصف دخل المتسول الواحد حالياً، وبالطبع فليس من الحكمة توجيه الخريجين الى (سوق التسول) ليحصل الواحد منهم على دخل سنوي يصل الى ثمانين ألف ريال.. وهذه المعلومة الشديدة الاغراء في حالة (تفشيها) في أوساط إدارات تشغيل المتسولين، واستقدامهم من الخارج (ستنشط) أكثر وأكثر وستضع خطة طويلة المدى للاستفادة القصوى من استغلال هذا الدخل السنوي الرهيب (الذي نشك في صحته).. و(الشك) في صحة هذا الدخل السنوي ليس تقليلاً من شأن المتسولين الذين يصلون الليل بالنهار، ولا يكلون، ولا يملون، ولايستمتعون بالاجازات إنما هذا الشك رغبة في (وقف) تكاثرهم، حيث لم يعد السكان قادرين على استيعابهم واحتمال إزعاجهم المتواصل وكذلك (منع) طموحهم من الاسترسال.. معاقون، وأطفال، ونساء ولم يعد منظراً غير مألوف ان ترى عشرات المعاقين والاطفال والنساء عند الاشارات وعلى ارصفة الطرقات وعند أبواب المساجد وفي كل مكان تقريباً (يتربصون) بالمارة ليلاً، ونهاراً يطلبون الصدقة والاحسان، فهذه المناظر اصبحت (مألوفة) ولكنها تزداد وتكثر لدرجة مزعجة فيشعر كثير من المارة ان عليهم تقديم (الصدقة) بالقوة كما يشعرون ان هناك عملية (استغلال) وراء انتشار هؤلاء في كل مكان بل وعملية (توظيف) يلمسونها من خلال اعمال توزيع هؤلاء المتسولين والمتسولات والمعاقين الذين تلزمهم وسائط نقل تقوم بعملية التوزيع اليومية - على مدار العام - وعلى - مدار اليوم - مما يعني ان هناك (جهة تشغيلية) تشرف أولاً على عملية الاستضافة لهذه الأعداد الكبيرة، وتشرف على عمليات التوزيع ثانياً، وتشرف على عمليات السعودة ثالثاً.. كما ان (زيادة أعداد المتسولين، والمتسولات، والمعاقين والمعاقات) وراءها بكل تأكيد عصابات متخصصة في هذا المجال، وبهذا العدد الكبير وهذا الانتشار الضخم وبهذه النوعيات المختلفة من الجنسيات وبهذا (التطويق) المستمر في اختيار أماكن العمل اليومي بصرف النظر عما يسببه ذلك من مضايقة وازعاج للسكان وتشويه لصورة مدينتهم وسكانها بسبب هذه الأعداد - غير المسبوقة - من المتسولين والمعاقين وبسبب تنوع وتعدد جنسياتهم وبسبب اختلاف (مشاربهم، وطموحاتهم) وبسبب إصرارهم على ان يكون التسول مفتوحاً طوال العام، وليس مقصوراً فقط على موسم رمضان، وموسم الحج.. اقتراحات السكان «طريفة، وموضوعية» سؤال طريف طرحه احد المواطنين وهو يلمس هذه الزيادة الكبيرة في أعداد المتسولين، والمتسولات بما يزيد ويفيض عن (حاجة، وقدرة، واستيعاب المدينة، وسكانها) وهو: هل يمكن اعادة تصدير اعداد من هؤلاء المتسولين، والمتسولات الى بلدانهم أو بلدان اخرى (بعد ان أغرقوا المدينة).. والمواطن يريد من وراء اعادة التصدير هذه تطبيق القاعدة التجارية المعروفة عندما تغرق السوق ببضاعة واحدة تفيض عن الحاجة فيتم إعادة تصدير لها لموانئ، ودول تكون قابلة لاستيعابها.. وسؤال طريف آخر طرحه مواطن في نفس الاتجاه وهو لماذا لا تتم عملية فصل بين المتسولين الآسيويين، والمتسولين الافارقة ليظهر كل فريق مواهبه في منطقته، فحيث يميل الآسيويون الى الخطب وكثرة الكلام، وشهادات الديات، والمستشفيات والمستوصفات، بينما يميل الافارقة الى الكلام القليل، والصبر الطويل، وقد بدأت الكفة تشير الى التوازن في مجال استخدام المعاقين والمعاقات رغم ان البداية للأفارقة، اضافة الى لأن الافارقة يمتازون في اصطحاب زوجاتهم للمساجد، والاسواق للمساهمة والمشاركة والمؤازرة.. مواطن ثالث طالب بوضع ملصقات على أبواب المساجد تطلب من المتسولين الآسيويين - على وجه الخصوص - الكف عن إلقاء الخطب أياً كانت الاسباب، والاكتفاء بالجلوس عند باب المسجد وفي مكان لا يسبب ازدحاماً عند خروج المصلين وان يتبنى أئمة المساجد توجيه هذه الفئات بعدم القاء خطبها (أسوة على الأقل بالأفارقة) الذين لا يلقون خطباً يشرحون فيها أحوالهم وظروفهم وأوضاعهم ربما لانهم لا يجيدون العربية، ولو أجادوها لعملوا (العمايل) وربما لأن قناعتهم التسولية تقبل صدقة الريالات على طريقة قليل دائم خير من كثير منقطع..........