كأنما رمضان موسم للتسول، فمع دخول الشهر الكريم تتزايد أعداد المتسولين بشكل غير مألوف في بقية أيام السنة، والدافع وراء ازدياد هذه الظاهرة خلال شهر رمضان بالذات هو ما يعرفه المتسولون جيدا عن مدى اللين والرحمة وتعاطف الناس معهم، بما يحفل به شهر رمضان من روحانيات، تدنو بصاحبها إلى درجة من السمو، بحيث تكون يده أقرب إلى جيبه للإنفاق وسد حاجة المحتاجين أكثر منها في غيره، وهنا يكون المواطن بطيبته سببا مباشرا في تكريس ظاهرة التسول عاما إثر عام، رغم حملات التوعية؟. ويساعد في انتشار ظاهرة التسول أضعافا مضاعفة حرص الكثير من المتسولين، خصوصا كبار السن على الدخول إلى المملكة في هذا الشهر المبارك، وربما بعضهم بطرق غير مشروعة كل ذلك من أجل التسول، يساعدهم على ذلك بعض الذين يتسترون عليهم بنقلهم من المنافذ البرية إلى المدن الكبيرة مقابل حفنة من المال لا تساوي شيئا في سبيل مصلحة الوطن، حتى أنهم يساعدونهم على معرفة الطرق الملتوية للهروب من أعين رجال الأمن، وذلك بإنزالهم قبل نقاط التفتيش أو إلباسهم الزي الوطني حتى يوهموا الجميع بأنهم مواطنون. من أهم الملاحظات التي خرجت بها «عكاظ» في تقصيها للظاهرة، أن بعض المتسولين لا يرضون بالمساعدات العينية، ويطالبون بمبالغ مالية، وأنه ليس من السهل التخلص من المتسول قبل إعطائه ما يريد، فما حجم الظاهرة، وما أساليب المتسولين في استغلال روحانية الشهر الفضيل في التسول، وكيف يمكن الحد من انتشار الظاهرة ومحاصرتها في أضيق نطاق؟. عن مدى انتشار الظاهرة، يؤكد مدير عمليات الجوازات في العاصمة المقدسة ومسؤول الفرق الميدانية النقيب عقاب الربيعي، أن الفرق الميدانية منذ بداية شهر محرم وحتى نهاية رجب الماضي قبضت على أكثر من 677 متسولا من جنسيات مختلفة، تم ترحيلهم إلى بلدانهم. وفي منطقة عسير تم خلال العشرة أعوام الماضية القبض على 23075 متسولا في أبها وخميس مشيط عن طريق مكافحة التسول. واتضح أن نسبة الجنسية اليمنية 95 في المائة من المقبوض عليهم في قضايا التسول، فيما أظهرت دراسة محلية ميدانية حديثة أن نحو 3500 طفل يمني يقبض عليهم شهريا من قبل السلطات المختصة، تم تهريبهم إلى أراضي المملكة بطرق غير شرعية بغرض العمالة والتسول. وذكرت الدراسة التي أجراها الدكتور محمد العجي بتكليف من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض أن نحو 100 ألف طفل متسول يجوبون شوارع المملكة، معظمهم من اليمن وقليل منهم ينتمون إلى البلدان الآسيوية، يأتون من 18 قطرا. وأبانت الدراسة أن الافتقار إلى التعليم يعد من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء عمالة الأطفال في فئات معينة من الشرائح الاجتماعية، وأن هناك عمالة لأطفال أجانب داخل المملكة، خصوصا من الأفريقيين وأغلب عملهم في المنشآت التجارية والزراعية. كما أكدت الدراسة ارتباط هذه الظاهرة بجريمة السرقة، بل إن التسول قد يكون لدى البعض من معتادي السرقات مجرد ستار للوصول إلى أهدافهم والتخطيط لسرقاتهم حيث يتعرف المتسول الذي قد يكون هو السارق أو جسر العصابة للسرقة، إلى مواقع المحتويات المطلوب سرقتها ثم التسلل مرة أخرى لتنفيذ جريمة السرقة، وبذلك لم يعد التسول ظاهرة، فحسب بل مهنة وحرفة يزاولها البعض من المتسولين حسب ما أكدته وزارة الشؤون الاجتماعية. أساليب التسول يتبع هؤلاء المتسولون أساليب مختلفة وغريبة لجلب العطف ولفت الانتباه بهدف الحصول على المساعدات، وأغلبهم يستغل الإعاقات والتشوهات الجسدية، كهذه المتسولة التي كانت بالقرب من إشارة ضوئية في مكةالمكرمة وهي تحمل معها طفلا صغيرا، وآخر تقوده، هذه المرأة تحتل هذا المكان مع طفليها البائسين كما يبدو عليهما، حيث يرافقاها في رحلة التسول بعد أن ترتدي ما يناسب العمل، وتدور حول السيارات المزدحمة دوما، تطلب المساعدة بكلمات تكررها مع كل سيارة مارة معلنة فقرها وعوزها هي وعائلتها البعض عرفها، فلا يبالي بها والآخر يعطيها فئة نقدية صغيرة والبعض يقول أعطيها لأنها تمد يدها ولا يمكن رد يد السائل، وهكذا تحصل على المال على طريقتها الخاصة. وبسؤالها عما يدفعها للتسول، قالت الفقر والحاجة وأطفالي الذين لا معيل لهم وهم ينتظرون ما يسد جوعهم، فمن أين آتي لهم بالمال وأوفر لهم طلباتهم اليومية؟. وعما إذا كان زوجها موجودا، قالت أنا مطلقة ولا أحد لي وأسكن مع جدي لوالدتي، وهو فقير وكبير في السن، ولا يوجد له دخل أو مصدر رزق، لذا أتسول لأحصل على رزقي وأطفالي واصطحب هذين الطفلين كي لا أدعهما عالة على جدي الطاعن في السن أو على الناس. متسولان يتشاجران ووفقا لإدارة التسول في مكةالمكرمة، أن متسولين في العقد الثالث من عمرهما وقفا للتسول في المنطقة المركزية في المسجد الحرام، حدث أن ارتفعت أصواتهما أمام أحد المحسنين، حاول إعطاء أحدهما مالا فتزاحم الآخر معه فوزا بالعطاء، وضرب أحدهما الآخر، وكان مشهدا تفرج عليه الحاضرون وهم من جنسية عربية. أطفال التسول في أحد الكهوف في منطقة عسير قبضت الجوازات قبل أسبوع على ما يزيد على 15 طفلا لا تتجاوز أعمارهم الثلاثة عشر عاما، كما اكتشفت عددا من الأوكار التي كان يأوي إليها المتسللون الصغار أو يساقون إليها قسرا، ويبدو أن هؤلاء مجبورون على القيام بهذه المهمة، إذ تجد معظمهم مرهقا، خصوصا الذين بجوار الإشارات ومحطات الوقود، ما يزيد من شكوك البعض الذين يعتقدون أن هؤلاء الصغار مسخرون من عصابات كبيرة لإجبارهم على التسول، لاسيما أن من يقبض عليه، يؤكد أن أسرته ليست في المملكة ويتم تسفيره. سعدية محمد (متسولة) تم القبض عليها من قبل مكتب المكافحة ثماني مرات في منطقة عسير، وكانت تلك التاسعة، بررت ذلك بأنها محتاجة وأن أباها مسافر إلى منطقة مجاورة، وأن أخاها (15 عاما) يقود عربة صغيرة لتوصيل الخضروات للمتسوقين في أسواق الخضرة في خميس مشيط، لمساعدة الأسرة على توفير لقمة العيش، وأضافت أن أباها لا يرسل لهم أموالا بزعم أنه على خلاف مع أمها، كما زعمت أنها متزوجة وأن زوجها مسافر أيضا ولديها طفل وهي حامل الآن بطفل آخر. التسول شعرا محمد صالح 10 أعوام قدم قصيدة طويلة بعد أن اشترط مقابلها خمسة ريالات، وأمثال هؤلاء الأطفال يتداولون في التسول بعض القصائد والغريب أن أعمارهم تتراوح بين (5 و 10) أعوام فقط، ما يدل على وجود من يحميهم في تلك المناطق الجبلية، وهم بالتأكيد مختفون عن الأنظار، وربما يكونون هم من يعلمونهم هذه الأساليب الجديدة في التسول، ناهيك عن أساليب الهرب والاختباء من دوريات الجوازات التي تكافح وجود المخالفين لأنظمة الإقامة، فيما ينامون في «عبارات» تصريف المياه في عقبة ضلع، في حين يستفحل هذا المشهد خلال هذه الأيام في مرتفعات سودة عسير ومنتزه القرعاء ودلغان والحبلة. وجوه أقوى من السواطير ويلاحظ في منطقة عسير، تزايد أعداد المتسولين أمام أَجهزة الصرف الآلي ومحطات الوقود والمطاعم والأسواق، لاسيما المخصصة منها للنساء، نظرا لتميزهن بالعطف الذي يفسره المتسولون بغير هذا المعنى، ولا يقتصر الأمر على المتسولين من الرجال، بل إن أعدادا من النسوة يتكاثرن حول إشارات المرور مع رهط من الأطفال ويبدو أن التسول ينتهج أسلوب مناطق النفوذ حول مواقع الاشارات وأمام الأسواق والنسوة تختلف ألوانهن ولغاتهن، ما يدعو للتشكك بأن وراء كل مجموعة هناك من يديرها ويوزع مهامها. وباختصار فإن هؤلاء يتسولون بوجوه أقوى من السواطير، فيما ينتشر متسولون من نوع خاص أمام مطاعم (ضلع ومطاعم محافظة الدرب) على امتداد الشوارع، ويتوزع صغارهم على أبواب المطاعم والمساجد. وادعت طفلة قبض عليها ثلاث مرات في أبها أن أباها مسافر إلى جازان، ولديها إخوة لا يعملون، أما أمها، فهي مريضة وقالت إنها تقف عند مسجد وأختها عند آخر، وأنها تكسب من 20 إلى 30 ريالا في الوقت الواحد. باستعراض هذه الحالات، كيف ينظر المختصون لهذه القضية، الاجتماعية والدينية والأمنية، وما الدور الذي تضطلع به مكاتب مكافحة التسول في مختلف المناطق لمحاصرة الظاهرة. يشير عليان خضر العطيات – أخصائي اجتماعي في منطقة تبوك - إلى ازدياد في نسبة حالات التسول داخل المدن الكبيرة في الفترة الأخيرة، خصوصا عند المساجد والأسواق وإشارات المرور، وهذا الأمر له دلالات اجتماعية سلبية تدل على عدم وجود جهات رقابية تمنع وتكافح هذه الظاهرة السلبية، والتي تعطي صورة غير جيدة عن المجتمع، خصوصا في ظل ما تقدمه الحكومة للأسر والعائلات المحتاجة من إعانات، سواء عن طريق الضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية، ففي ظل عجز بعض الجهات المعنية عن إيجاد حل لهذه المعضلة ومحاربة هذه الظاهرة، سوف تبرز صور سلبية عن مجتمعنا المحافظ والمحب دائما للخير والتكافل الاجتماعي، فنأمل من وزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة في مكافحة التسول إبراز دورها الاجتماعي بتكثيف حملاتها داخل المدن في محاربة هذه الظاهرة، وخصوصا في شهر رمضان المبارك، الذي سيشهد ازدياد الظاهرة في كسب وعطف قلوب المواطنين والمقيمين على حد سواء. ويشير مدير عام الشؤون في منطقة المدينةالمنورة حاتم بري، أنه يقع على عاتق المواطنين دور مهم في وجود ظاهرة التسول وفي نفس الوقت مكافحتها، ويتمثل ذلك في عدم التعاطف مع المتسولين كون هذا التعاطف السبب الرئيسي في وجود هذه الظاهرة وتناميها. ومن منظور عضو النادي الأدبي في نجران الدكتور محمد بن ناجي آل سعد، أن التسول من الظواهر المزعجة في مجتمعنا، على وجه الخصوص، ولا شك أنها تحتاج إلى وقفة من الجميع للتصدي لها ومعالجتها كل في موقعه، فالجهات الرسمية عليها الدور الأكبر في محاربة الظاهرة والتصدي لها، بتطبيق الأنظمة بدءا بالحدود وانتهاء بالدوريات في الشوارع والأحياء، ثم هناك دور لا يقل أهمية عن سابقه، وهو دور المجتمع بكل أطيافه وفئاته، هذا الدور الذي ينبغي أن يتصف بالحزم والعقلانية، وعدم الانجراف وراء العاطفة، فنحن بطبعنا شعب عاطفي، يستطيع أي أحد أن يؤثر فيه باستخدام الحيل التي للأسف تنطلي عليه، وبالتالي يقع ضحية للنصب والاحتيال، وعلى المثقفين دور في توعية أفراد المجتمع من خلال الندوات والمحاضرات بأن يتأكد المواطن فعلا من صفة المحتاج للصدقة، ويستعين بالجهات المتخصصة في معرفة ذلك، قبل أن يرمي بنقوده إلى كل من رأى في الطرقات، ثم التحذير للجميع بأن من يعطي متسولا، لا يعرف صدق حالته يكون قد شارك في وجود شخص غير نظامي في البلد، وهذا يعد مخالفا للنظام، وفي نهاية الأمر لا يمكن أن تجد متسولا إذا لم يجد من يعطيه المال. وبين مدير مكتب التسول بالنيابة في مكةالمكرمة فواز العسيري أن العديد من المتسولين يلجأون إلى أسلوب استمالة قلوب المحسنين بالألفاظ المسجوعة والكلام المعبر والمؤثر بعد أن انكشفت جل محاولاتهم السابقة، والتي اعتاد عليها العامة، فأصبحوا يلجأون إلى أساليب جديدة، وهذه الظاهرة الخطيرة تقع مسؤوليتها على المجتمع، ولا بد من تضافر الجميع في القضاء على مثل هذه الظواهر، مؤكدا أن المكتب وضع الخطط الكافية لمكافحة التسول خلال شهر رمضان، وهو من ضمن لجنة مكافحة الظواهر السلبية حول المنطقة المركزية المشكلة من قبل إمارة المنطقة خلال شهر رمضان، مشيرا إلى انخفاض نسبة التسول حيث تم القبض على (227) طفلا متسولا وثلاثة أطفال سعوديين منذ بداية العام، لكن بالنسبة للمتسولين غير السعوديين والمخالفين لنظام العمل والاقامة هناك لجنان أخرى مسؤولة عن متابعتهم مثل الجوازات والشرطة، مشيرا إلى أن الباعة الجائلين والمتسولين السعوديين عادة ما تدرس حالاتهم ووضعهم المادي، حيث يتم تحويلهم إلى الجمعيات الخيرية أو الجهات المعنية برعايتهم، مؤكدا حتمية تكاتف الجهات الأخرى ذات العلاقة، كالشرطة والجوازات في التعاون مع مكتب مكافحة التسول، لافتا أن هناك لجنة لمكافحة الظواهر السلبية حول الحرم المكي الشريف والجوازات مشاركة ضمن هذه اللجنة، إضافة إلى وجود دورياتها المنتشرة لمتابعة ومكافحة هذه الظاهرة، لاسيما خلال شهر رمضان. وأضاف العسيري أن الفرق الميدانية منذ بداية شهر محرم وحتى نهاية شهر رجب الماضي، قبضت على أكثر من (677) حالة من المتسولين من جنسيات مختلفة وتم ترحيلهم. وأوضح مدير مكتب مكافحة التسول في المدينةالمنورة فهد الزغيبي، أنه وبالتعاون مع شرطة ودوريات المدينة يتعقب المكتب هؤلاء المتسولين، فبالنسبة لغير السعوديين يتم تسفيرهم إلى بلدانهم، أما السعوديون فهم قلة، فيتم دراسة حالاتهم، فإذا اتضح حاجتهم يتم مخاطبة الجمعيات الخيرية للنظر في شأنهم. من جانبه أكد الناطق الإعلامي في شرطة منطقة تبوك العميد صالح الحربي أن المسؤول الأول عن التسول هو مكتب مكافحة التسول، مشيرا إلى أنه متى ما طلب منهم المساندة، فإنهم لا يتوانون عن ذلك، لافتا إلى أن شرطة تبوك وبالتعاون مع جهات معنية، بدأت بوضع خطط لتكثيف الحملات الأمنية والميدانية للحد من ظاهرة التسول في شهر رمضان، وتم التنسيق مع الجهات ذات العلاقة للحد من تزايد أعداد المتسولين في المنطقة، وحث الحربي جميع الأهالي في المنطقة بعدم التعامل مع هؤلاء المتسولين والإبلاغ عنهم وعن أماكن تواجدهم، مشيرا إلى أنهم سبب رئيسي في عمليات السلب والنهب والسرقة. وأوضح مدير جوازات منطقة عسير العميد سعد بن أحمد بن زياد، أن المتسولين يشكلون النسبة العظمى من المجهولين، لا سيما أن المنطقة حدودية، مؤكدا تكثيف دوريات الجوازات لمراقبة أسواق الخضار، بعد أن شملتها السعودة للتأكد من تطبيق التعليمات فيها والجولات على الأسواق العامة وضبط ومعاقبة كل مخالف. وأضاف العميد زياد أن البعض يظن أن مسؤولية التعامل مع الوافد تقع على الجوازات فقط، وهذا الأمر غير صحيح، فالتعامل مع المقيم يشترك فيه مع الجوازات مكتب العمل ووزارة التجارة والأمانة والشرطة ولجان مكافحة التسول. وأوضح المتحدث الإعلامي في شرطة المدينةالمنورة المقدم فهد الغنام، أن دوريات الأمن والشرطة مكلفة بتعقب هؤلاء والقبض عليهم، مشيرا إلى أن الوضع أصبح تحت السيطرة بخلاف الأعوام الماضية، حيث كانت العصابات تأتي إلى المدينة، خصوصا في شهر رمضان ويتمركزون في المنطقة المركزية حول المسجد النبوي للتسول، مضيفا أن رجال البحث الجنائي استطاعوا العام الماضي الإطاحة بكثير منهم والقبض عليهم. وأشار مدير عمليات الجوازات في العاصمة المقدسة ومسؤول الفرق الميدانية النقيب عقاب الربيعي إلى أن نسبة المتسولين مجهولي الهوية بلغت وفق الإحصائيات أكثر من 60 في المائة، جميعهم من جنسيات مختلفة، وقال إن هذه النسبة مؤشر إلى أن هناك من يستهدف المواسم لاستغلالها في عمليات التسول، وأدت هذه النسبة إدارة الجوازات في العاصمة المقدسة إلى تكثيف دورياتها لمحاربة الظاهرة، خصوصا أن غالبية من يمارسون هذا النشاط يتبعون إلى عصابات منظمة تهربهم من الخارج إلى داخل المملكة بشتى الوسائل، لافتا إلى أن من أهم العوامل التي تدفع هؤلاء لمزاولة التسول في المراكز التجارية وحول المسجد الحرام والمطاعم وغيرها، هو تعاطف الناس معهم وعدم التبليغ عنهم، موضحا أن هؤلاء المتسولين يتفننون في إبراز إعاقاتهم المصطنعة منها والحقيقية لممارسة التسول واستدرار عطف الناس. الرأي الشرعي يقول المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبد المحسن العبيكان عن الظاهرة: لابد أن يدرك المجتمع أن الصدقة ينبغي أن يبحث فيها عن الفقراء حقيقة عن طريق أئمة المساجد والجمعيات الخيرية، لنجد الفقراء الحقيقيين في بيوتهم الذين يمنعهم الحياء والخوف والخجل، أما الذين يتسولون لا يعرف الصادق من الكاذب، فهناك عصابات ترسل بعض الأطفال والمعوقين والنساء من أجل المتاجرة، وربما يصرفونها في مفاسد وأضرار وخيمة وينبغي أن تكون الصدقة للفقراء الحقيقيين، وهؤلاء المتسولون عصابات وليسوا فقراء، لذا تؤدي إلى الاعتداء وقطع أيدي الأطفال لتسخيرهم لهذا العمل، ويجب أن يقف المجتمع ضد هؤلاء وقفة جادة، حتى لا يصلوا إلى أهدافهم الخبيثة. وأضاف الشيخ العبيكان: أرى أن الوسائل لها حكم المقاصد، وإذا كانت تؤدي الوسائل إلى أمر محرم ينبغي أن تحرم هذه الوسيلة. ويقول الدكتور غازي المطيري رئيس قسم الدعوة في الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة، إن التسول من الأشياء التي يمقتها الشرع والدين وطبيعة النفس الإنسانية، ولا يقدم عليها إلا من هو قد فقد الحياء، أما الإنسان الواعي المتكل على رب العزة والجلال فينأى بنفسه عن مثل هذا العمل المقيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قدم لنا أنموذجا فريدا عندما حث أحد المتسولين على أن يجمع قيمة فأس ومن ثم الاحتطاب وبالتالي ترك مهنة التسول، وأيضا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «إن من يأخذ من الناس كما يأخذ جمرة في يده»، لذلك على كل إنسان يرى أنه فقير أو من أصحاب الظروف الصعبة، أن يتجه لأي عمل شريف يقيه شر الحاجة إلى الناس، إما أعطوه أو منعوه، أما بالنسبة لمن ينصب على الناس ويتخذها مهنة، فإن عقابه كبير إن لم يتب ويترك هذا العمل المزري، حيث يأخذ أموال الناس بغير وجه حق. الشورى يدرس كشف رئيس لجنة الشؤون الأمنية في مجلس الشورى اللواء الدكتور محمد أبو ساق أن لدى مجلس الشورى توجها كبيرا لدراسة قضية المتخلفين بصفة عامة، والتي يدخل من ضمنها قضية العمالة السائبة والتسول والتكسب غير المشروع، وهي حتما قضايا مرتبطة ببعضها البعض، مؤكدا اهتمام لجان وأعضاء مجلس الشورى بهذا الأمر ويدرس بعض الأعضاء حاليا مشروعا أو مقترحا أو تنظيما يسهم في وضع خطة قابلة للتخفيف من العمالة والمتخلفين والمتسولين من خلال حصرهم وتصنيفهم وأماكن تواجدهم، وهي الآن في مرحلة جمع المعلومات وتصنيفها من أجل الخروج بخطة أو توصية، منددا في الوقت نفسه باستغلال عواطف الناس وحبهم للخير الذي يشتد في هذا الشهر بطرق مكذوبة وملتوية ووسائل فيها إساءة لكرامة الإنسان ولصحته واستغلال الضعفاء وصغار السن من أجل جلب شفقة المحسن والمتصدق. وأشار إلى أن هناك حالات تسول في الشوارع بصفة عامة هي حالات منظمة تدل على وجود عصابات متخصصة في التسول وأن وراءها تنظيمات تنمو وتكبر مع الزمن وتعتمد على مصادر دخل سهلة ويخشى أن تستغل وتؤثر في الأوضاع الاجتماعية كما هي مؤثرة في الأوضاع النفسية والأخلاقية والمعنوية للبيئة والمجتمع، كما أن البعض يستغل الدين للمجيء إلى الديار المقدسة لممارسة التسول والتكسب غير المشروع. مكافحة دولية وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الدكتور طلال ضاحي أن ظاهرة التسول قضية تحتاج إلى تعاون الدول الإسلامية مع المملكة، ويرى أن بإمكان اللجان المتخصصة ولجان الصداقة أن تؤدي دورا قد يحد من هذه الظاهرة التي يفترض أن تتعاون الدول الإسلامية مع المملكة في القضاء عليها خصوصا الذين يستغلون عاهاتهم في التسول. وقال رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في المجلس الدكتور طلال بكري إنه مهما توافرت من جهود فلن تثمر ما لم تتعاون الدول مع المملكة في هذا الخصوص، لا سيما أن البعض يستغل قدسية الأراضي المقدسة ويأتي إليها كمعتمر أو حاج وهو في الحقيقة يأتي لخلاف ذلك. وأشار رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان في مجلس الشورى عازب بن سعيد آل مسبل إلى أن هؤلاء يأتون إلى المملكة بتأشيرة عمرة أو حج وهدفهم الأساسي هو التكسب غير المشروع من خلال التسول دون حاجة لأنهم اعتادوا على ذلك مستغلين طيبة المسلمين ومستغلين عاهاتهم، ناهيك عن العصابات التي تستغل مثل هذه الأوقات فتتاجر بالنساء والأطفال والذين يؤتى بهم من خارج المملكة، وللقضاء على هذه الظاهرة التي أثرت كثيرا على الفقراء المساكين المستحقين لا بد من التصدي لها من كافة الدول وليس المملكة وحدها، وأن تنهض الجمعيات الخيرية في متابعة الفقراء والمساكين وتفقد أحوالهم.