لا تزال معظم المحاولات الشعرية للشباب لا تخرج عن الذاتية وأجندة يومية ترافقها حالات نفسية تتلاءم مع المناخ النفسي للشاعر فلا يلمس القارئ شيئاً من الابتكار والتجديد ولا يجد القيمة الجمالية أو التنوع بل لم تفرض انساقاً معينة من التأثير في المجتمع والكشف عن مدى أهميتها وعمقها ونضوج الأسماء التي صنعت مفاهيم هذه التجربة ورسخت وعيها.. حيث تطرح ثمة تساؤلات تتزامن معها يمكن التلميح حولها من بوابة تحقيقنا هذا.. - ما الملامح الجديدة التي تضيفها تجارب الشباب الشعرية؟ - هل ستؤسس تجاربهم الشعرية مشهداً شعرياً جديداً، أو ستظل تجترّ من شعر الرواد؟ - هل غياب النقد والمعايير الموضوعية شكلت هذا التكرس لهذا النوع من الكتابة في هذا المنعطف؟ الدكتور خالد الدخيل الحاصل على دكتوراه في الأدب والنقد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يرى حول تجارب الشباب الشعرية كونها لا تخرج من الإطار الذاتي والأجندة اليومية وما يرافقها من تصاعد نفسي تفرضه المرحلة إلى جانب افتقارها للتجديد وهو أحد الشعراء الشباب يحتد قائلاّ: التعميم بالحكم بهذا الشكل يفتقد للدقة والموضوعية؛ ذلك أن الوصول إلى هذا الحكم يحتاج إلى استقراء لتجارب الشباب الشعرية، ودراستها دراسة فاحصة ثم الحكم عليها، لكني قد أتفق معك أن بعض تجارب الشباب الشعرية يمكن أن توسم بهذه السمة وهذا أمر طبعي وقد حصل في جميع عصور الشعر إذ يوجد فيه من يتعصب للقديم ويتابعه، ويوجد كذلك من يتوق إلى التجديد والخروج من تبعية القدماء. د. عبد الرحمن الخميس: النقد غير قادرٍ على تبسيط رؤيته للشعر، كما ينبغي ويحدد الدكتور الدخيل حول الجديد الذي تضيفه تجارب الشباب للشعر :إن كنت تقصدين ما الذي يضيفه شعري من ملامح فلا أجدني ميالا للحديث عن شعري لأنه كما قيل متى تدخل الشاعر في تقييم شعره فإنه يفسده. لكن يمكن أن أشير إلى أن كثيرا من الشعراء السعوديين أضافوا شيئا جديدا للتجربة الشعرية وقدموا أعمالا جميلة وجديدة كتجربة جاسم الصحيح الشعرية إذ أكاد أجزم أن فيها الجيد والجديد. ولكن القضية التي يجب فعلا أن تناقش هو ماذا قدم النقد والنقاد لإبراز وتقويم هذه التجارب. إن الممارسة النقدية في بلدنا في أغلبها هي ما تقدم من دراسات أكاديمية في الجامعات السعودية وتلك الدراسات تظل حبيسة رفوف مكتبات الجامعة ولا ترى الضوء، علاوة على ذلك اشتراط بعض الأقسام العلمية وفاة الشاعر حتى تتم دراسة شعره!! ويجزم الدكتور الدخيل أن هذه المحاولات في كتابة الشعر ستؤسس لمشهد شعري: - أكاد أجزم - ولا يمكن أن أجزم – أننا لو استقرأنا التجربة الشعرية للشعراء في المملكة العربية السعودية لقدمنا مادة متميزة للنقد الأدبي ولدينا نماذج متميزة للشعراء السعوديين لا يتسع المقام للاستشهاد بها. ولكن كما أشرت سابقا إلى أن العمل النقدي لم يبرز هذه الأعمال حتى يتعرف عليها المجتمع. وأضاف الدخيل متابعاً عن غياب النقد والمعايير الموضوعية هي من تشكل هذا التكرس لهذا النوع من الكتابة في هذا المنعطف :أنا لا أريد أن أخلق أزمة بين المبدعين من النقاد والمبدعين من الشعراء ولكني أريد أن أؤكد أن العمل النقدي - لكي يؤتي أكله ويثمر- لا بد أن يكون منظما ومدركا أهدافه. ولذلك يمكن أن أقول إننا في هذا الجو نعيش في فترة اجتهادات فردية تقوم أساسا على جهود أفراد من النقاد المتميزين الذين لا يستطيعون - بجهد فردي - تقييم تجربة مجتمعية كاملة ؛ ولهذا فإنني أدعو إلى العمل المؤسساتي في النقد الأدبي القائم على وحدات البحث والجهود الجماعية التي ترسم أهدافها بشكل عام حتى نستطيع أن نحكم بدقة على أعمال الشعراء السعوديين. هذا الموضوع يحتاج أن يدرس دراسة وافية في الأقسام العلمية وفي الأندية الأدبية. من جانبه قال خالد الوحيمد وهو كاتب سعودي :حالياً لا أرى جديداً في الشعر سواء الكلاسيكي أو الحداثي وخاصة مشهدنا السعودي. حيث نجد كاتب القصيدة العمودية يؤصل مدرسة الفراهيدي بأسلوب راديكالي أدبي وهذا العمل فيه نوع من الرجعية، فقلة من يقرأ هذا الاتجاه بل كاتب هذه القصيدة وناقدها فقط. لأن حياة المجتمع العربي سابقاً مختلفة عن وقتنا الحاضر، فاليوم قلة من يفهم القصيدة العمودية أو يفكك رموزها. والأمر الآخر نجد في القصيدة العمودية جمود في إيقاعها الموسيقى، أي على مستوى بحرٍ واحد. بعكس قصيدة التفعيلة المعاصرة التي تتنقل بتفاعيل الفراهيدي دون التراكيب العروضية. مؤكداً الوحيمد :هنا أقف مع القارئ، فنجد مجموعة من الشعراء في تراكيب قصائدهم الوجدانية تتشابه وبنفس الأسلوب نأخذ مثالاً للشاعر فاروق جويدة فمعظم قصائده نجد فيها نفس شعر نزار قباني ولا يختلف الأمر مع الشاعرة سعاد الصباح فجل أعمالها مطابق لأسلوب نزار. ولكن لو قلب القارئ دواوين الشعر الحداثية لوجد ديوان خليل حاوي مختلفاً عن كل الشعراء ولا نجد أحداً قلده أو جاء بنفسه الوجداني فكان أسلوبه في غاية الروعة والدهشة في مخاطبة النفس والطبيعة والموت، فقد اغرق شعره بذكر الموت والفناء والانتحار وأخيراً طبق هذا المشهد الكوميدي العنيف أواخر حياته. ومن الناحية الجمالية أجدها في قصيدة أمل دنقل بمعنونها زهور برغم قصرها أجد كل العبارات العاطفية الحزينة فيها وأضف على الأسلوب الحواري الجميل كيف عبرت هذه الزهور عن حالة قطفها وكيف جاءت للشاعر وهي أواخر حياتها لعل أن تنقذ شاعرنا من مرضه الكئيب. أتمنى من كُتاب الشعر أن ينتقوا القصائد النادرة كالذي أشرت إليه. ويرى الوحيمد أن بسبب انطواء النقاد في صومعتهم، لا أرى الجديد في الشعر، وأن أحد الشباب حاول ذلك كإضافة بحر عروضي جديد لاقى التوبيخ. وللأسف هؤلاء النقاد المتحجرون هم من يسمح ويفتي بجواز القصيدة إن كانت من الشعر أو لا. ولا يختلف الأمر مع نقاد قصيدة التفعيلة الالتزام بتفاعيل الشعر التسعة، برغم هناك الكثير من التفاعيل الفرعية التي نجدها في قصيدة النثر وخاصة في قصيدة بياض اليقين التي أقرها واجازها الكثير من النقاد كالأديب الدكتور عبدالعزيز المقالح. والجدير بالذكر أن قصيدة بياض اليقين هي أقدم من القصيدة العمودية فكانت أحاديث الكهنة ووجهاء القوم، فجاءت القصيدة العروضية المغناة على شكل حديث. واليوم بياض اليقين تعود بشكل ديالكتيكي أدبي جديد، وقلة من يكتب هذا الاتجاه المكون من قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة. ويتابع الكاتب خالد الوحيمد: ربما سنشهد في الوقت القريب حركة ديناميكية شعرية على مستوى الحداثة وما لحقها، لأن التغير في المجتمعات يتبعه أيضاً تغير في الأدب والفن. ويبين الوحيمد في ختام حديثه : لاحظت في الآونة الأخيرة التشبث بالقصيدة العمودية بشكل رجعي واضح من نقادها وشعرائها برغم قلة قرائها بل لا أجد لها قراء سوى نقادها وكتابها إذاً هذه المدرسة تدور حول محورها، وتسبب شللية لباقي الأجناس الشعرية. بينما القصيدة الحداثية فقراؤها غير كُتاب ولا نقاد وإنما متذوقون، ولا نخفض عن قصيدة النثر وقصيدة بياض اليقين، فقد أفسحت المجال لمفهوم وتفاصيل اللغة العربية الفصيحة بل أصبحت في أعينهم جميلة خاصة في بعدها عن الألفاظ الغليظة الدارجة ما قبل الإسلام. وسبب إبعادها عن المشهد الشعري يعود بنقصان النظرية النقدية فيها، برغم كانت أيام الجاهلية سجعية ورجزية كانت تُرتل في المعابد فقط، يتضح أنها قصيدة فطرية هذيانية لا تكلف بها ولا صناعة؛ بعكس النظم الغنائية، اذاً قصيدة بياض اليقين هي أم الشعر. وتحدث الدكتور هاجد بن دميثان الحربي وهو أستاذ الأدب السعودي المشارك كلية الآداب. جامعة الملك سعود قائلاً: الشعر السعودي ليس معزولا عن واقع المشهد الأدبي إقليميا وعالميا، والثورة التكنولوجية وتقنية الاتصالات والفضائيات قد جعلت الإنسان أمام حياة جديدة يكتنفها تغير وتطور اتصالي وتقني مذهل، وقد همّشت وهشمت هذه الحياة الجديدة الكثير من أشياء الماضي، والحياة الأدبية قد تأثرت كثيرا بالواقع الجديد، وفن الشعر خصوصا – لشدة حساسيته بواقع حياة المجتمع – لم يعد له تألقه ووهجه السابق ؛ لأنه لايزال يعيش حالة من الصدمة والاندهاش التي أحدثتها المعلومات السيارة والتقنية الاتصالية والفضائية الجديدة، فالفن يحتاج إلى فترة زمنية ليست بالقليلة لاستيعاب مستجدات الحياة وفهم تغيرها وواقع مجتمعاتها. وأوضح الناقد الدكتور هاجد الحربي قائلاً: عند النظر إلى واقع الشعر العربي عامة والسعودي منه – تحديدا – نجد هذه الأمور متمثلة فيه إضافة إلى بعض الخصوصيات والإشكاليات الإيديولوجية والثقافية والأدبية على حد سواء، فالشعر السعودي ليس بمحمود الواقع وغياب سيرورته وأثارته واقع لا ينكره إلا أصحاب الكبرياء الذاتي والثقة العمياء في نفوسهم، وهذا الواقع المتردي ينبع أولا من إشكالية عامة – على النحو السابق ذكره – وثانيا من إشكالية خاصة تتمركز في مسألة التلقي، فشخصية المتلقي تعاني من انشطار ذاتي، إذ يمكن تصنيف المتلقين إلى فئتين رئيسيتين، أولاهما فئة رسمية نخبوية يمثلها الأدباء والأكاديميون المتخصصون، وهذه الفئة تطالب دائما بالشعر الفصيح الملتزم بخصائص وتقاليد اللغة التراثية الفصيحة، أما الفئة الأخرى فهي الفئة الشعبية أو فئة الشارع العام، وهذه الفئة يتمركز فيها الجمهور الغالب وتتمثل فيها ثقافة المجتمع الحقيقية ؛ ولكنها تعاني من تهميش وإقصاء مقصود تمارسه عليها الفئة الأولى، والمبدع – مهما كان تصنيفه – سيظل ضحية هذا الانشطار في التلقي، ولهذا يظل كثير من الشعراء الشباب رهينة الماضي بتمثله نهج القدماء والسير على طريقة السابقين في لغته وأسلوبه بل وحتى في مضامينه الشعرية! غير قادر على استلهام ثقافة واقعه وقضايا مجتمعه في تجربته الشعرية، وفي الوقت الذي خفت فيه صوت الشعر وانطفأ بريقه لا يزال تشخيص المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة لها قضية جدلية أصدق ما يقال عنها إنها الوسيلة المناسبة لشغل أطرافها المتصارعة وسدّ أوقات الفراغ لديهم دون أن يكون لذلك أثر على واقع النهوض بالثقافة والأدب. وفي الوقت الذي نرى فيه مجتمعات أخرى لها حضورها المتميز في الحضارة والتطور أدركت الوعي بأهمية أدبها الشعبي وثقافة مجتمعاتها الحقيقية.. فإننا لا نزال نتفنّن في سن القوانين وطرح الرؤى لمحاربة وإقصاء ذلك في مجتمعاتنا العربية، وكأننا من ينكر بعضه أو يتنكر لصورته في المرايا العاكسة. واستطرد الناقد هاجد الحربي :إن مسألة النهوض بالشعر والفنون الأدبية عامة مسألة تحتاج إلى إعادة النظر وتقويم الواقع الأدبي، ولا ينبغي في ذلك كله إغفال الأدب الشعبي ومحاولة فهمه والعمل على تطويره وسدّ الفجوة بين الفصحى والعامية لانتشال المتلقي الحقيقي من عزلته ودمجه في المشهد الثقافي والساحة الأدبية ولو كان ذلك على حساب تقديم بعض التنازلات، وفهم التطور اللغوي لا يزال يشوبه بعض الغبش وقصور النظرة في عقلية المثقف العربي. أما الدكتور عبد الرحمن بن صالح عبد الرحمن الخميس. وهو الأستاذ المساعد في جامعة القصيم- كلية العلوم والآداب في الرس يبدأ حديثه قائلاً : تمثّل الجديد- الذي بدا ظاهراً في شعر الشباب إلى حدّ ما- في الجرأة على طرق موضوعات لم تطرق قبلُ- بشكل واضح- وذلك عائد إلى ارتفاع سقف حرية الكلمة واتّساع دائرة التعبير المسموح به؛ وقد فتح ذلك باباً لحضور قضايا دينية واجتماعية وسياسية في منتجهم الشعري. وأوضح الدكتور عبدالرحمن الخميس: أنها ستولَد أفكارٌ ومضامين جديدة، وسيكون لها دور فاعل في التعاطي مع قضايا شائكة- كالحوار والمشكلات الاجتماعية- وفي رسم المستقبل المأمول؛ الأمر الذي سيخلق شعراً مختلفاً. أما في الشكل فلا أعتقد أن تلك التجارب قد أضافت ما يستحق الإشارة إليه في الموسيقى الخارجية، لكنها قادرة على ترك لمساتها الخاصة فيما يتعلق بالإيقاع الداخلي والصورة الشعرية. وأستدرك الخميس أظنّ أنّ النقد لم يُعْطِ تلك التجارب فرصتها لتكون..، ولا أذهب بعيداً بقولي: إنه- على تغافله- غير قادرٍ على تبسيط رؤيته للشعر كما ينبغي؛ وبطريقة تفيد، ولا تُسَطِّح. ولهذا سيظلّ منتج الشباب يمتاح من شعر الرواد الذي هو ميدان النقد الوحيد تقريباً؛ مما سيوقعه في كمائن التقليد، ويثنيه عن إيجاد العلاقة الدقيقة بين روحَي: الإبداع والمعاصرة. النقد الحاضر- في النظرة العامة- لمّا يجدْ بعدُ ما يفيد المواهب الواعدة في إنتاج ما يمكن وصفه حقًّا بشعرٍ سعودي معاصر. خالد الوحيمد: سنشهد في الوقت القريب حركة ديناميكية شعرية على مستوى الحداثة وما لحقها د. خالد الدخيل: أدعو إلى العمل المؤسساتي في النقد الأدبي د. هاجد الحربي: مسألة النهوض بالشعر تحتاج إلى إعادة النظر وتقويم الواقع الأدبي