لا يمكن اعتبار حزب الله إلا شريكاً أساسياً للنظام السوري في قمع الثورة واستهداف المدنيين والأطفال والعزّل، في البداية كان الحزب ينأى بنفسه إعلامياً عن المشهد، لكنه الآن صار يباهي في تشييع الجنود من حزبه الذين يموتون دفاعاً عن النظام السوري، بل ويختم بياناته بقوله: "استشهدوا أثناء قيامهم بأداء واجبهم الجهادي في سوريا"! هكذا بهذه العبارة يتشدّق الحزب ويعتبر أن الذين قضوا إنما هم من الشهداء الذين أدوا واجباً جهادياً. الحزب الذي حقق شعبية شكلية عاطفية شعرية في حرب يوليو تموز 2006 أصبح مبغوضاً مشتوماً من الأمة العربية التي عرفت أن حزب الله ليس إلا ذراعاً إيرانية زرعت في خاصرة الشام لتدمير لبنان وسوريا ولإشعال الحرب الطائفية في الشام لتأتي رياحها على لبنان كما كانت كاسحةً من قبل في العراق، هذا هو حزب الله ببساطة. يقول المفكر والمحلل الكبير برهان غليون عن هذه المسألة: والواقع ليس تورط الحزب المتزايد في حرب الأسد ضد السوريين هو الإشارة الأولى إلى الطابع الطائفي والتبعي لقيادة الحزب. فقد صدم السوريين خطاب السيد حسن نصر الله وهو يودع مسؤول المخابرات السورية عن بسط السيطرة على بلده، رستم غزالي، في 2005، عندما أخذ يهتف، من دون خجل، باسم "سورية الأسد" كما لو أنها بلد من دون شعب. وبالرغم من تكرّر الأدلة على هذا التحالف العميق بين الحزب والنظام السوري الديكتاتوري، كان هناك اتجاه عند السوريين، بما في ذلك المعارضة السياسية، لغض النظر عنها، وتبريرها أحياناً من زاوية أن بقاء الحزب نفسه رهن برضا النظام السوري. كان حزب الله واضحاً في موقفه من الثورة المصرية أو الليبية وذلك لحسابات سياسية، حين ثار المصريون قال الحزب ان الثورة لصالح حرية الإنسان ونموه وازدهاره، وحين بدأت الثورة السورية أعلن الحزب أن هذه الثورة ليس إلا مؤامرة كونية ضد النظام السوري المقاوم الممانع، السؤال الذي نطرحه أمام حزب الله: كم مرة حارب هذا النظام السوري إسرائيل؟ هل قتل النظام من الإسرائيليين 200 ألف كما فعل مع شعبه؟ هل النظام المقاوم هو الذي يوجه سلاحه ضد شعبه؟ أين هي الضربات التي توجه ضد إسرائيل؟ لماذا تخاف إسرائيل على سقوط النظام السوري؟ كلها أسئلة محرجة لحزب الله الحزب العنيف الدموي والإرهابي الذي يشارك في سحق الشعب السوري. قالها برهان غليون: "إن قادة حزب الله قد ارتكبوا بسياستهم الكارثية جرائم لن يغفرها لهم في المستقبل القريب أحد، لا شيعة لبنان الذين سيتحملون وزرها لعقود طويلة، ولا لبنان المهدد بأن يتورط من جديد في حرب طائفية لم يعرف كيف خرج منها بالأمس، ولا المنطقة التي لا يمكن لتورط قوى ذات صبغة مذهبية واضحة في القتال مع ميليشيات الأسد مثل حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية الأخرى". حزب الله أمام فضيحة تاريخية مدوية، إنه يعين الظالم على ظلمه، وحين كنا ننادي الشعوب في سنة 2006 بأن لا تصدق هذا الحزب المغامر اتهمنا بالتصهين، والآن هو حزب الله يكشف نفسه بنفسه، وها هو يودع قتلاه في سوريا يوماً بعد يوم، لقد دخل مع النظام السوري بمعركة الحياة والموت. لقد كانت أمام حزب الله فرصة أخيرة لأن ينجو بنفسه من سقوطه عربياً؛ لو كان قد وقف حزب الله مع حق السوريين في تقرير مصيرهم، ذلك أن الوقوف الفاقع مع النظام السوري ومع آلة القتل هناك ألغت شعبيته العربية، لا أظنّ أن حزب الله ينسى حين كان يحارب إسرائيل في 2006 كيف وقفت بعض الشعوب العربية مع الحزب عاقدة الأمل بأن الحزب هو من سيهزم إسرائيل وهو من سيحرر فلسطين، بل وقرنوا اسم "نصر الله" ب "عبد الناصر" وصارت أحاديث النصر تملأ كل مكان إلى أن جاءت الحالة السورية فأصبح الحزب أمام امتحانات فاشلة ويفشل فيها كثيراً، لهذا لم يكسب الحزب الآن إلا أقلية من الذين ينتمون إلى الطائفة نفسها وهذا يجعله أمام اختبار حقيقي أن يبدي حسن نواياه مع العرب بتأييده للثورة السورية وحق السوريين بتقرير المصير.