سعدت كثيراً عندما أذيع خبر أمر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء. وبهذه المناسبة أتقدم لسموه الكريم بأجمل التهاني والتبريكات على هذه الثقة الملكية الغالية سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يوفقه ويعينه على تحمل أعباء هذه المسؤولية الكبيرة. وما إن سمعت بالخبر حتى تداعت أمام ناظري بعض المواقف الإدارية التي أعرفها عن سموه من خلال عملي سابقاً في معهد الإدارة العامة. لقد كان سموه سباقاً في عمل كل مافي وسعه لمحاربة البيروقراطية وتطوير الإدارة عندما كان أميراً لكل من منطقة حائل، ومنطقة المدينةالمنورة. ففي مراحل مبكرة من تسلمه مسؤولية إمارة منطقة حائل طلب سموه الكريم من معهد الإدارة العامة تنفيذ برامج وحلقات تدريبية في المجالات الإدارية عقدت في ديوان الإمارة وشارك فيها موظفون من الإمارة وفروع الأجهزة الحكومية الأخرى في المنطقة، وكان سموه يحرص كثيراً على الحضور الشخصي لبعض هذه الدورات مشاركاً في فعالياتها ومحفزاً ومشجعاً للمتدربين فيها. وهذه كانت بداية مشجعة وموفقة لنقل التدريب إلى مقر العمل من قبل المعهد في بعض الحالات. ومما يذكر أيضاً في هذا المجال أن سمو الأمير مقرن هو من اقترح أو أشار على المعهد بتحويل القصة المعروفة "إدارة عموم الزير" إلى فيلم تدريبي يعرض على المتدربين في برامج المعهد القيادية والإشرافية كمثال صارخ على عُقْمِ البيروقراطية ومساوئها وترهلها وعدم كفاءتها، وكيف تحول الأمر من مجرد زير ماء سبيل للمحتاجين من العطاشى إلى إدارة توسعت شيئاً فشيئاً فأصبح هناك والي يتولى إدارة عموم الزير ويتبعه العديد من الإدارات، وذلك للتوعية بمخاطر البيروقراطية. ولمن لا يعرف هذه القصة ولم يسمع بها، فهي قصة متخيلة ومتعارف عليها في علم الإدارة يضرب بها المثل على الترهل الإداري، وتعدد الإدارات والأقسام التي لالزوم لها في الهيكل الإداري للمؤسسة أو جهة العمل، وتضخم عدد الموظفين، ووجود البطالة المقنعة. الأمر الذي يعيق الإنتاجية ، ويخفض مستوى الأداء. وعندما تشرفت برئاسة فريق استشاري من بعض الأخوة المختصين في معهد الإدارة العامة آنذاك عندما كان سموه أميراً لمنطقة المدينةالمنورة، قابلنا سموه في الصباح الباكر لليوم الأول من بداية مهمتنا فتحدث معنا بصراحة وشفافية حول مايراه من قصور ومشاكل إدارية يعاني منها ديوان الإمارة وفروع الأجهزة الحكومية الأخرى، ووجهنا بالبدء الفوري بالعمل مشدداً على أنه لا يريد استشارة بمجلدات ينتهي الأمر بها إلى الأدراج، وإنما يريد تشخيصاً وحلولاً وأوجه علاج يقترحها الفريق في عدد محدود من الوريقات تكون أساساً لاتخاذ مايراه سموه من قرارات. وبعد تبلور بعض الأقتراحات لدى الفريق الاستشاري وعرضها على سموه ومناقشته لنا في بعض الجوانب والأبعاد، طلب سموه من مسؤولي الإمارة إبداء مالديهم من ملاحظات أو اعتراضات على ماتم التوصل إليه من مشاريع القرارات خلال اجتماع مشترك عقد برئاسة سموه مع أعضاء الفريق الاستشاري، وذلك قبل التوقيع عليها من قبل سموه الكريم. وإذا ماأضفنا إلى هذه المواقف -والتي هي بلا شك لاتُحصي كل قناعات ومهارات سموه الإدارية- حقيقة إن الأمير مقرن محب للتقنية الحديثة ومجيد للتعامل معها، وأنه لم يكن يكتفي خلال توليه لأمارتي منطقة حائل والمدينةالمنورة بالاتصال الكتابي بالوزراء ورؤساء المصالح الحكومية وإنما يتواصل معهم من خلال الزيارات الشخصية والاتصالات الهاتفية لبحث احتياجات المنطقة التي يتولى مسؤوليتها ولتذليل مايواجه مشاريعها وبرامجها من معوقات، وكلنا ثقة في أن سموه الكريم سيكون الساعد الأيمن لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -يحفظهما الله- للنهوض بالإدارة الحكومية وتفعيلها لتكون أكثر كفاءة في إدارة موارد الدولة وأكثر فاعلية في تحقيق أهداف التنمية وأكثر استجابة لحاجات وتطلعات المواطنين وتحقيقاً لها. وختاماً أسأل الله العلي القدير أن يعين سمو الأمير مقرن في مهمته الجديدة، وأن يوفقه لما فيه الخير والنماء. * مساعد رئيس مجلس الشورى