تغيّرت كثير من حياة الأسر مع موجة تحديث المجتمع وعياً وسلوكاً، وأصبح بعض أرباب الأسر عاجزين عن ضبط حضور وانصراف أبنائهم، فضلاً عن وجبة يتناولونها "على السريع" ويخرجون مع أصدقائهم؛ حتى فقد الوالدان كثيراً من السيطرة على المنزل؛ مما قد يؤدي بكثير من المنازل إلى تفكك، وربما ضعف الرقابة الأسرية إلى أبعاد خطيرة، ومما يزيد من المشكلة هو غياب المتابعة وبالتالي انعدام النقد والتوجيه والإرشاد تجاه سلوكيات خاطئة، وقد يفرز ذلك رغبة بالبحث عمن يلبي احتياجاتهم التي لم تجد لها صوتاً مُجيباً من خارج نطاق الأسرة!. تغير المشهد وأرجع "محمد ربيع الغامدي" -مستشار تربوي- سبب فقدان الرقابة المنزلية إلى استقدام العمالة المنزلية، والفراغ الذي يستغل في النوم، إلى جانب الاستسلام للتقنيات الحديثة، حيث أصبح لكل فرد جوال ينام ويستيقظ على نغماته، وأصبح أقرب المقربين إليه، وهكذا تغيّر المشهد القديم من أسرة تصحو باكراً ويلتم شمل أفرادها على كل وجبة طعام، أو جلسة شاي وقهوة، إلى تفرق في أكثر الأحيان، وقد تجتمع أجسادهم أحياناً دون قلوبهم، داعياً إلى إعداد الناس لمثل هذه المستجدات وتهيئتهم على كيفية التأقلم معها دون إضرار بجوانب أخرى، إلى جانب دراسة الحالة وتقويمها بشكل عادل يأخذ الوضع الراهن ومتطلبات العصر بعين الاعتبار، على أن يكون تصحيح مسار الفرد والأسرة من أولوياته. أسباب عديدة وعدّد "عبدالرحمن القراش" - مستشار أسري وعضو برنامج الأمان الأسري الوطني- أسباب تذمر بعض الأسر من تصرفات أبنائها وخروجهم وعودتهم إلى المنزل متأخرين وعلى أمزجتهم، ويأتي أبرزها الإفراط في الدلال منذ الصغر، وهو ما خلق منهم أبناء فاقدي الإحساس بمشاعر أهاليهم، إلى جانب الخلافات بين الزوجين المستمرة التي جعلت الأبناء يبحثون عن مخرج لهم من واقعهم المرير، إضافة إلى مشاركة بعض الأجداد وتدخلهم المستمر في تربية أحفادهم بما يجعل الوالدين يفقدان السيطرة على أولادهم، ناهيك عن تفضيل أبناء أو بنات دون بقية إخوتهم مما يفرز تفرقة في التعامل، كما أن تأثير وسائل الاعلام على الأبناء قد يجعلهم يحاكون بعض ما يشاهدون، إلى جانب تأثير بعض الأصدقاء وتشجيعهم على العقوق والتسويف، مبيناً أن وسائل التقنية أثرت على بعض الأسر وأفقدت أسلوب الحوار لدى أفرادها وحصل لديهم جفاف عاطفي. وقال إن كل تلك الأسباب تسهم في عصيان الأبناء وعدم التزامهم برغبات أولياء أمورهم، داعياً الوالدين إلى اتخاذ أساليب تربوية لتعديل سلوكيات أبنائهم، ومن أهمها تفعيل مبدأ عدم منحهم كل ما يريدون ويرغبون به، وعدم إعطاء النفس هواها، لا سيما في حالة عدم التزامهم بما يطلب منهم، إلى جانب استخدام أسلوب الترغيب والترهيب في حال لو اقتضى الأمر، منوّهاً بأهمية دور المدرسة أو الجامعة اجتماعياً لمعرفة خلفية تصرفات النشء، ومساعدتهم في حل مشكلاتهم، إضافة إلى إشراك أحد الأقارب ممن يميلون إليه؛ لكي يوجهوهم بشكل سليم، إضافة إلى الإفادة من طاقاتهم، من خلال مشاورتهم في الأمور اليومية المنزلية، وتوزيع المهام بينهم، وإشعارهم بأهميتهم من خلال منحهم الثقة المتزنة التي تعود على الأسرة بالنفع. تغير عادات وذكرت "سلوى العمري" -رئيسة القسم النسائي للتدريب بالجمعية التعاونية للتدريب ومدربة دولية في التخطيط الاستراتيجي- أن المنزل في السابق كان يسوده الهدوء والراحة والطمأنينة والألفة بين أبناء يعيشون تحت سقف واحد متحابين وللوالدين منزلتهما، ولكلٍ مكانته وكلمته، والانضباط يسري لدى كافة الأفراد، أما الآن تغيرت كثير من العادات والتقاليد وأصبحت تتبدل من جيل لآخر، وتقلصت هيبة احترام المنزل والوالدين، ذاكرة أسباب اتساع الفجوة بين الآباء والأبناء تأتي من المجتمع نفسه، حيث أصبح هذ الجيل متفتحاً على كل جديد، والغزو الفكري غيّر كثيراً من مفاهيم الأطفال، وسيطر على مفاهيم النشء، مبينة أن الأسباب تشتمل إهمال الأم لدورها كربة منزل أو بسبب عملها، إلى جانب دور الأب عندما ينهمك في أعماله خارج المنزل وينسى أبناءه، ناهيك عن مسؤولية الأبناء أنفسهم عندما لا يهتمون برضا الوالدين ويصبح كل همهم متابعة الجديد وآخر صيحات العصر. الأب «عاجز» والأم «تدافع» والمنزل تحول إلى «فندق أكل ونوم».. والخوف من رفقاء السوء وقالت إن الفجوة العمرية والفكرية بين الآباء وأطفالهم قد تكون سبباً لانعدام الحوار، حيث إن الأبناء يحتاجون إلى حوار قريب من عقلهم وفكرهم، وتقدير من الآباء لما استجد عليهم في الحياة من تكنولوجيا أصبحت جزءًا من حياتهم؛ لذلك نحتاج إلى إعادة هيكلة العلاقات الداخلية بين الآباء والأبناء، والمبادرة تكون من الآباء؛ لذا ينبغي عليهم أن يتعلموا كيفية تربية أبنائهم في زمن الانفتاح، فإذا تربى الابن منذ صغره على أخلاق ومبادئ لن يتغير في كبره؛ لأن أساسه قوي، منوّهة بدور المؤسسات التربوية في وجود المعلم المُربي الحريص على التربية قبل التعليم، إلى جانب الخال والعم والجار المربي، إلى جانب المسجد، إذ إن كل ما سبق يشترك في التربية. حرمان عاطفي وقالت "عائشة مرشود الحربي" -عضو هيئة التدريس في جامعة طيبة-: "المشكلة تتمثل في الأصل في الحرمان العاطفي، فالابن يحتاج إلى عاطفة وحنان من والديه سوياً وليس الاكتفاء بحنان أمه فقط، فكثير من الآباء يعتقد خطأً أن كمال بره لأبنائه أن يُغدق عليهم غزير ماله فقط، لكن أقول للأب الصرّاف -مجازاً- هل فكرت يوماً ماهي القيم التي زرعتها في نفوس أبنائك؟، وهل تعرف أين يصرفون هذه الأموال؟، وهل لديهم مشكلات يحتاجون إلى من يساعدهم في حلها؟، وما اثر بُعدك الطويل عنهم؟، ألم تفكر يوماً أن البيت حين يُترك بدون رقابة أب قد يتحول إلى مسرحٍ للأبناء مع قرناء السوء"، داعيةً إلى إعادة ضبط "كنترول" التوازن بين الاحتياجات المادية والعاطفية للأبناء؛ حتى لا يطغى جانب على آخر ويؤدي إلى نتائج عكسية. وأضافت أن بعض الآباء والأمهات لا يهتم بزرع قيم عظيمة في نفوس أبنائه، بل يتركهم يقتبسون قِيمهم من غيرهم دون تقنين، بل وبعضهم لا يعطي نفسه دوراً في تصحيح المفاهيم الخاطئة عليهم، ناهيك عن بعض الأمهات اللاتي يتركن أطفالهن في أحضان الخادمات. فقدان السيطرة ولفتت "هيفاء الجهني" -كاتبة- أن مفهوم كثير من الأسر قد تغيّر حديثاً؛ إذ فقدت كثير منها السيطرة على برنامج أفرادها؛ بسبب فرط الدلال، وعدم إحكام الوالدين السيطرة على المنزل، وهناك في المقابل أُسر فقدت الأمان نتيجة عنف وتسلط وغلظة، منوّهة بوجود فجوة كبيرة بين الآباء والأبناء مع غياب الوسطية وعدم معرفة الأبناء حقوق آبائهم وتولدت مشكلة العقوق والتمرد، موضحة أن المجتمع مازال يحمل على عاتقه الدفاع عن تلك القيم والأخلاقيات ممثلة بشريحة عريضة من هذا الكيان الضخم على الرغم من كل التحديات القائمة. التفحيط بداية الانحراف مع رفقاء السوء دخول الصغار إلى المقاهي دليل على غياب الرقابة الأسرية