فطر الإنسان على احترام والديه وتقديرهما والعناية بهما، وجاء القرآن الكريم الذي عني بإتمام مكارم الأخلاق ليركِّز على هذه القيم فأمر المسلم بتقدير والديه وطاعتهما، حتى لو كانا غير مسلمين، ونهى عن عقوق الوالدين وأمر ببرهما ووصلهما. لكن المشاهد للواقع المحلي ينفطر قلبه جراء ما يشاهده بعينيه من تفشي مظاهر العقوق في المجتمع بصورة ملحوظة، فما هي أسباب هذه الظاهرة؟ وما هي أسباب العلاج؟ الرسالة وضعت هذه الأسئلة على طاولة بعض المهتمين فأفادوا بالتالي: الدلال الزائد بداية يوضح المستشار الأسري الشيخ غازي الشمري أن تمرد الأبناء على الآباء ظاهرة موجودة في مجتمعاتنا منذ القدم، وقال: هناك كلمة جميلة للخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز قال فيها (الهداية من الله والتربية من الآباء) ونحن الآن في زمان فتن وزمان قل فيه الاحترام والتقدير، وعندما أوصى الله الأبناء بالآباء خيراً فإن ذلك كان لعلمه أنهم قد يتجاهلون آباءهم. أما الآباء فإن فطرة الرحمة موجودة في قلوبهم وأضاف الشمري قائلاً: من واقع عملي كمستشار في التكافل الأسري في المنطقة الشرقية فقد جاء بعض الآباء يشتكون من أبنائهم فأحدهم يقول إن ابنه كسر له قدمه، وضربه ضرباً مبرحاً لأنه لم ينفذ له بعض رغباته، وبالتالي أرى أن أسباب هذا التمرد تعود إلى التدليل الزائد من الآباء للأبناء، كما أن هناك نقطة مهمة جداً وحساسة في هذه القضية وهي عدم توفير الصداقة الصالحة للأبناء، إضافة إلى إهمال الأبناء وعدم أخذهم إلى مجالس الكبار، ولو جلس هؤلاء الشباب مع الكبار لاستفادوا فائدة عظيمة وتعلموا منهم لان (المجالس مدارس) كما يقولون. وقد كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: كان والدي يأخذني إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيه أبو بكر وعثمان وعلي وكبار الصحابة. ويواصل الشمري بالقول: أفرد الإمام البخاري رضي الله تعالى عنه باباً في أخذ الصغار إلى مجالس الكبار وهنالك أمر آخر وهو إعطاء الأبناء الثقة والاحترام والتقدير والحب والحنان، هذه الأسباب بإذن الله عز وجل مع الدعاء لهم كفيلة بان تساهم في صلاحهم، ولا بد لي من التذكير بقوله صلى الله عليه وسلم: “بروا آباءكم تبركم أبناؤكم” فإذا رأى الأبناء أن الأب يبر أباه بالكلمة والاحترام والتقدير، وبالدعاء والصدقة إن كان ميتاً فإن هذا ينعكس في نفوسهم فيتأثرون به. من صور العقوق من جانب آخر يصف الدكتور يوسف الأحمد تمرد الأبناء على الآباء بأنه عقوق قائلاً: لا شك أن عقوق الوالدين من أعظم الذنوب عند الله، وكثير من الناس يظنون أن عقوق الوالدين هو الضرب والصراخ عليهما ورميهما في ملجئ أو في دار العجزة ونحو ذالك من الصور التي تذكر في بعض وسائل الإعلام وتذكر في القصص، وهذا التصور وإن كان صحيحاً في جزئية منه إلا أن صور العقوق كثيرة ومتعددة، فمجرد أن يقول الابن لوالده أف أو يبدي تضجره فهذا من أنواع العقوق التي نهى عنها الله تعالى بقوله: “فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما) و(أف) هي أقل درجات الانزعاج وإظهار الضجر، فقد يأمر الأب ابنه بشيء فيغير الابن نبرة كلامه ويظهر انزعاجه مما أمره به والده أو والدته فتكون (أف) أو نحوها من تغيير نبرة الصوت أو رفعه أو عبوس الوجه الذي يدل على عدم رضاء الابن برأي أبيه وغيره من الطرق التي مآلها إلى هذا المعنى الذي ذكره الله جل وعلا في كتابه العزيز واعتبره من المحرمات وهو من صور العقوق والعياذ بالله. وأوضح الدكتور الأحمد أن الشرع يأمر بإظهار البر والإحسان للوالدين، وقال: العقوق من أكبر الكبائر في الإسلام واعتبره الشرع من السبع الموبقات، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله علية وسلم قال (لا يدخل الجنة قاطع) وأعلى درجات قطيعة الرحم هي قطيعة الوالدين، لأن البعض قد يهجر والديه أو تكون العلاقة بينهما فيها نوع من الهجر بين الأب وابنه، لاسيما إن كانت بينهم قضية مالية أو أن الأب لم يعدل مع الأبناء فيأتي الابن فيعق والدة أو يهجره أو لا يكلمه، وقد تصل الأمور بينهما إلى المحاكم، كل هذا من صور العقوق، وبعض الناس يقول والدي ظلمني، فحتى لو حدث ذلك فإنه لا يعني أحقية الابن بأن يعاقب والده على ما قام به من الأعمال فهذا بينه وبين الله جل وعلا، فيجب على الشاب أن يظهر لأبويه الإحسان والبر مهما فعلا به، حتى لو أمراه بمعصية الله جل وعلا وترك طاعة الرحمن ولو وصل الأمر إلى أن أمره بالكفر والشرك بالله، قال تعالى: “وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا”. واختتم الأحمد بالقول: دعاء الآباء للأبناء من أهم أسباب صلاحهم وقد أمرنا الشرع في مثل هذه الحالات بالالتجاء إلى الله في إصلاح الأبناء لأن الإنسان قد يتعب في تربية ابنه ويبذل جهد ورغم ذلك يكون مصيره الفشل والانحراف، قال تعالى: “والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما”. العادات الوافدة من جانبه يقول الأستاذ مساعد بالجامعة الإسلامية الدكتور حسين بن هادي العواجي: المتأمل في أحوال الأبناء مع آبائهم في وقتنا الحاضر يري عجباً وأصبح عقوق الأبناء للوالدين ظاهرة منتشرة بشكل كبير خاصة في مرحلة المراهقة حيث غاب في كثير من منازلنا احترام الأبناء للآباء وعدم إعارة اهتمام لغضبهما أو رضاهما ومع تدفق الثقافات والعادات الوافدة ازدادت معاناة الآباء من ظاهرة التمرد التي تعني الرفض والعصيان وعدم الالتزام بأوامر الآباء، والتمرد في أوساط الأبناء وخاصة المراهقين منهم مسالة خطيرة على الفرد نفسه وعلى الأسرة والمجتمع، وتبدأ شرارة التمرد في البيئة الأسرية أولاً وذلك برفض أوامر الوالدين وعدم الانصياع لهما. فمن الأبناء من يسيء الأدب مع والديه إما بالتصرف الخاطئ أو النظرة الحادة أو العقوق الظاهر والبعض يهجر والديه بالكلام والبعد عنهم، وهناك أبناء يصرخون في وجوه آبائهم، وهناك من يضرب والديه، بل وصل الأمر إلى أقصى درجات العقوق وذلك بأن يقتل الابن أباه أو أمه. أسباب وعلاج وأوضح العواجي أسباب عقوق الأبناء في عدة عوامل بقوله: هناك أسباب كثيرة منها أسلوب التربية الخاطئ منذ الطفولة، والشدة المتناهية على الأبناء أو الدلال الزائد، وممارسة بعض الآباء للدكتاتورية والتسلط في التعامل مع الأبناء ومصادرة آرائهم وإرادتهم والتشديد عليهم. ومنها كذلك غياب الحوار الأسري بين الآباء والأبناء. وكذلك ثقة بعض الآباء العمياء من الآباء لأبنائهم وعدم مراقبتهم ومتابعتهم، وعدم التركيز على معرفة أصدقاء الأبناء ورفقائهم الذين يكون لهم دور كبير في تشكيل فكر الأبناء مما ينعكس على أخلاقهم وتصرفاتهم. وكذلك كثرة نشوب المشاكل الأسرية بين الزوجين أمام الأبناء وانتشار ظاهرة العنف لدى بعض الأسر ضد أبنائها والتفكك الأسري بسبب الطلاق وغياب الأب عن المنزل لفترات طويلة أو انشغاله بالأسفار. ولا ننسى أخيراً أثر المسلسلات الأجنبية والفضائيات التي لها دور كبير في انتشار ظاهرة العقوق وزرع بذور التمرد في الأبناء. ويجمل العواجي طرق علاج العقوق في ما يلي: التربية السليمة للطفل وتبدأ باختيار الزوجة الصالحة التي تربي أبناءها على الأخلاق الفاضلة واختيار الاسم الجميل للطفل. ووجود قدوة حسنة في محيط الطفل الأسري يتبادل معه الآراء. وأن تكون العلاقة بين الأبناء والآباء مبنية على الصراحة والوضوح منذ الصغر وإعطاء الأبناء فرصة للاعتماد على أنفسهم، والاهتمام بالميول الشخصية للمراهق وتعزيز الثقة فيه وامتصاص ما بداخله من رغبات وشحنات وإعطائه الأهمية كانسان يستحق الحب.