المشاركون في الندوة أ. د. سليمان بن عبدالله العقيل رئيس قسم الدراسات الاجتماعية - جامعة الملك سعود أ. د. عمر بن عبدالرحمن المفدا أستاذ علم النفس - جامعة الملك سعود د. عبداللطيف بن سعيد الغامدي رئيس قسم العلوم الشرعية بكلية الملك فهد الأمنية د. صالح بن رميح الرميح قسم الدراسات الاجتماعية - جامعة الملك سعود عقوق الوالدين حالة شاذة جداً، لكن التغيرات الاجتماعية أخلت بطبيعة العلاقة التي تربط بين الأبناء وآبائهم حيث إن مخرجاتها باتت تتكاثر، فعندما نقارن بين الماضي والحاضر نجد أن هناك تفاوتاً بين الأجيال حيث إنهم في الماضي يعيشون في مسكن واحد على عكس ما هو حاصل في وقتنا الحاضر إذ إن العيش يشبه الانفصال لكن السؤال المهم كيف يجرؤ بعض الأبناء على الهجر التام لآبائهم وأمهاتهم وكيف يجرؤون على رميهم في أماكن لا تليق بهم إما في دور الرعاية للمسنين دون علمهم أو في أماكن أخرى للتخلص منهم؟ وما الأمر الذي سيحدث للجيل الحاضر؟.. فكل الخوف أن يصبح الأبناء الذين يمارسون العقوق أو الجفوة أو أي شيء من هذا القبيل يمثلون نماذج لأبنائهم وبالتالي الظاهرة تصبح ليس فقط ظاهرة تغيرات اجتماعية وإنما تصبح نموذجاً يشاهدونه نموذجاً عاقاً وبالتالي يصبح العقوق سمة بارزة في هذا المجتمع فهل نصل إلى هذه الدرجة؟ الندوة تحاور الضيوف المنتدين عبرثلاثة محاور. «الرياض»: محورنا الأول هو التغيّرات الاجتماعية وعلاقتها بعقوق الوالدين، هل هذه التغيّرات هي السبب الرئيس في عقوق الوالدين؟ - د. عمر المفدا: طبعاً المجتمع السعودي كغيره من المجتمعات الأخرى يمر بتغيرات كثيرة جداً وانفتاح على ثقافات متعددة، ومما ساعد على ذلك هو وسائل الاتصال الحديثة المتعددة، وفي الوقت نفسه التركيبة المدينة، فكانت هذه التركيبة مجتمعاً صغيراً ملموماً واختلفت عما عليه الآن مجتمع واسع، حيث أن الأب يسكن في جهة والأبناء في جهة أخرى. وقبل أن أدخل في هذه القضية أود أن أركز على ناحية وهي أنه لا ينبغي لي أن أصور بأن عقوق الوالدين هو السمة السائدة أو أنه هو الصفة الغالبة، وأيضاً ينبغي أن ننظر نظرة واقعية ونظرة واقعية حقيقية بأن الجانب الجيد والعلاقات الجيدة ما بين الأبناء والآباء والبر الموجود هو الأول، وينبغي ألاّ يُفم من هذه الندوة أو هذا الطرح بأننا نصوّر الوضع على أنه صورة متشائمة وسيئة، إذ لا تزال ولله الحمد البيوت مليئة بالآباء والأبناء، وإنما عقوق الوالدين هي حالة شاذة، أو ليست هي الأصل. لذلك أقول إن التغيّرات الاجتماعية أخلت بطبيعة العلاقة التي تربط بين الأبناء وآبائهم، وعندما نقارن بين الماضي والحاضر نجد أن هناك تواصلاً ما بين الأجيال وغالباً ما كانوا يعيشون في مساكن واحدة وهم الأخوة مع والديهما ومع الوقت نفسه كانت البيئة صغيرة جداً، فأي علاقة سوء ما بين الآباء وأولادهم هي مسألة مكشوفة، لهذا يتحرز الشخص من فعل هذا، فحسن علاقة الشخص بوالديه إما أن يكون سببه الترابط والتواصل معهما أو يفعل هذا البر نتيجة للضغط الاجتماعي لأنه مكشوف أمام الآخرين. أما الآن فالمسألة في عملية التنشئة التي فيها انفصال نفسي على الرغم من قضاء الشخص فترة خمسة وعشرين عاماً مع والديه لأن كلاً منهم يعيش في عالم مختلف، حيث نجد أن الأبناء مع أصدقائهم وأقرانهم والأب مع زملائه وأصحابه، إذن يوجد هناك انفصال فكل هذا يؤثر على الرابط النفسي الذي يربط ما بين الآباء وأبنائهم وقد لا يظهر أثره إلا عندما يصل الوالدن إلى السن التي يحتاجان وقتها إلى الرعاية، وربما الرجل في الخمسينات من عمره قد يلجأ إلى زملائه أثناء حاجته لشيء معين ولا يلجأ إلى أبنائه في بعض الأمور، ولكن عندما يصل إلى سن الشيخوخة ويتقدم به العمر فإنه سيجد نفسه في حاجة إلى أبنائه وخلال ذلك تكون العلاقة العاطفية بينه وبين أولاده ضعيفة ومن هنا سينعكس ذلك على بر هؤلاء الأبناء لآبائهم. والجانب الآخر فيما يتعلق بالعلاقة ما بين التغيرات الاجتماعية التي حصلت نجد أن عملية البر بالوالدين أصبحت عملية صعبة بسبب تعقّد الحياة، حيث نجد صعوبة عند البعض في أخذ أحد والديه إلى المستشفى خاصة مع تعقدات المدينة والمواعيد وعملية النقل وغير ذلك. عكس ذلك عندما تكون البيئة بسيطة، وهذه الأمور ليست عذراً أو سبباً في عقوق الوالدين وإنما من الأمور التي قد تساهم في عملية العقوق، ولعلنا نعود إلى هذه النقطة في قضية الحلول التي يمكن أن تقوم بها مؤسسات المجتمع للتخليص من هذه النقطة فيما يتعلق بتعقّد تقديم خدمات لكبار السن. - د. سليمان العقيل: بداية نبدأ بالعلاقة ما بين التغيّر الاجتماعي وعقوق الوالدين، وهناك عدد كبير جداً من المفاهيم أو تعريفات التغيّر الاجتماعي، ولكن الذي أميل له هو ذلك التعريف الشامل والكامل والواسع الذي يعطي صورة شاملة عن التغيّر، وهو (ذلك التحوّل الذي يقع في التنظيم الاجتماعي في بنائه ووظائفه في فترة زمنية معينة..) وتشمل بالطبع أموراً كثيرة منها البناء الطبقي والبناء الأسري والبناء الاجتماعي والأذواق والمشكلات والمعايير وغيرها.. ويُعرَّف التغيّر الاجتماعي على أنه (الدال على وجود الموجود) فإذا شيء لم يتغيّر فهو غير موجود، وبالطبع نحن نتكلم عن أشياء موجودة ولا نتكلم عن الذات الإلهية، لأن الله سبحانه وتعالى موجود، ولكن عندما نتكلم عن التغير الاجتماعي نقول إنه تغيّر في البناء والوظيفة، وأيضاً عندما نتكلم عن عقوق الوالدين فإنه يدخل من هذا الجانب، بأن هناك تغيّراً حدث في المجتمع السعودي في بنائه ووظائفه، وكان المجتمع السعودي في بنائه بسيطاً، والوظائف التي يؤديها المجتمع والفرد للمجتمع ضعيفة وبسيطة، وبالتالي لا يُرى ولا يُلمح بأن هناك عقوقاً للوالدين في المجتمع لأن بناءه بسيط وتنظيمه بسيط، وحينما تغير المجتمع نجد أن حياة المجتمع قد تعقدت، وبدأ البناء كبيراً والوظائف متعددة. ولننظر من زاوية أخرى حيث نجد أن العلاقة بين الفرد وبين أسرته أما والده هي رؤية مصلحية بحتة، إذ أن هناك مصالح مشتركة قوية تجمع بين الأب وابنه، مصالح اقتصادية مشتركة بين الاثنين وهناك مصالح نفسية يعتمد الأب فيها على ابنه، وأيضاً هناك مصالح اجتماعية، فهذه المصالح هي التي جعلت الوالد وولده يتعاضدان ولم يكن هناك عقوق، فعندما سُحبت هذه الوظائف من الوالد لتعطى لمؤسسات أخرى، ونجد أن التعليم لا يقوم به الوالد والاقتصاد أيضاً لا يقوم به ولا الوظيفة، فكل شيء يقوم به الإنسان هو من المجتمع ولم يعد للوالد دور فيه سوى أنه والد فقط، ومن هذه الرؤية البحتة بدأت مشكلات العلاقة السلبية بين الوالد وولده. وهذا يعني أن المجتمع قد انتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى. وهناك من يقول إنها علاقة مصلحية بحتة بين الناس، وإذا لم تكن ثمة علاقة عاطفية بين الأب وابنه فقد يحصل العقوق، وإذا كانت هناك مشكلات بين الزوج وزوجته فيحصل نوع من العقوق، وإذا كان ثمة موقف سلبي من الوالد لابنه أو بالعكس فإنه على المدى البعيد سوف يحصل عقوق تجاه الوالد. ولذلك نقول إن هناك مجموعة من القضايا التي سببت هذا الخلل، والقضية الأولى هي المدخلات الثقافية التي نذكر منها الانترنت والفضائيات والسفر وما يُعرض على الفرد في حياته اليومية بشكل دائم وغير منقطع، ويتعلم الفرد أشياء كثيرة لم تكن موجودة في ثقافته الشخصية أو الثقافة المحلية. والقضية الثانية هي مصادر التوجيه، حيث إنه في فترة زمنية سابقة كانت مصادر التوجيه هي الوالد فقط وبعد ذلك، الدائرة الضيقة مثل الجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة وهكذا، فمصدر التوجيه واحد، وكل عناصر المجتمع التي تقوم بالتوجيه تتفق على قضية واحدة سواء أكان الوالد أم إمام المسجد أم الجار أم العم أم القريب والبعيد. أما في العصر الحاضر بعد التغيرات الاجتماعية أصبحت مصادر التوجيه متعددة، منها المدرسة والنادي والتلفاز والراديو، والفضائيات والانترنت وخلاف ذلك، فهذه المصادر كلها للتوجيه سواء أكانت توجيهاً سلبياً أم إيجابياً، وبكل تأكيد نحن خلال حياتنا اليومية نبتسم للسلبيات والإيجابيات وتكتنز في عقلنا الباطن دون وعي، وأحياناً تخرج دون إرادة منا، والأصل أن هناك مصادر للتوجيه لم تكن حسنة. وهناك أيضاً قضية ثالثة وهي التربية المجتمعية وكما ذكرنا، زنه في فترة زمنية معينة كان التوجيه المجتمعي كله على قضية واحدة، وهي الاهتمام بالوالد والقريب حتى أن البعض كان يرمي نفسه في النار فداء لوالده سواء أكان على خطأ أم على صحية، وهذا يعني أن كل مصادر التربية المجتمعية توجه إلى هذه القضية. والآن الأمر اختلف سواء من التعاليم الدينية أو التعاليم المجتمعية، وأيضاً قضية التنشئة الاجتماعية منذ الصغر، حيث في السابق كانت التنشئة الاجتماعية تؤكد على المعاني الجميلة للحياة الاجتماعية البسيطة وغير المعقدة، وبعد التغيرات الاجتماعية دخل الكثير من المدخلات التي فتتت هذا التوجيه القويم الموجه للحياة الاجتماعية بحيث إن هناك مجالاً للعقل ومجالاً للسلبية والمصلحية ومجالاً لكل من أراد أن يتأثر أو يؤثر في هذا وذاك. - د. صالح الرميح: حول ما طرحه الزملاء فيما يخص التحولات أو التغيرات الاجتماعية وأثرها على المسن، قد أتداخل معهم وأضيف أو أكرر ما تم ذكره، وهذه ولله الحمد لم تكن ظاهرة أو أنها مشكلة اجتماعية، وبالتالي المؤسسات الاجتماعية والمجتمع مدعوون إلى معالجتها وفهم أسبابها وكيفية علاجها، لكنها بدأت تظهر وهذا شيء طبيعي في أي مجتمع مثل المجتمع السعودي الذي مر بتحولات حضارية وتغيرات اجتماعية واقتصادية سريعة جعلت الحياة تقفز قفزة نوعية، خاصة أننا عايشنا حياة أبنائنا والحياة الحضرية، وما تطلبته من انشغال وبالتالي كأننا نلمس أن هناك انشغالاً عن الآباء أو عقوقاً، ونحن نرى أنها ما زالت حالات فردية، وهذا شيء طبيعي في الحياة ولا يجب أن نتوقع أننا في مجتمع خير خالص. وأيضاً هذه التغيرات بدأنا نحس بها خاصة مع انشغال الأبناء في الحياة مما يجعل البعض أن ينظر إلى هذه الحالة على أنها عقوق، ولو أخذنا كل حالة على حدة لوجدنا أن هناك ظروفاً اجتماعية معينة كانت هي السبب وراء هذا العقوق أو تؤدي إليه، وأقول إن ارتباطنا مع الماضي القريب جعلنا أن نكون حساسين تجاه أي تغيير في سلوك الأبناء، وأي خطأ من قبل الأبناء يحكم عليه بشكل حاد على أنه عقوق، وبالتالي نجد كل الأقارب يطالبون ويلومون الشخص وقد تأتي بنتائج سلبية، وأيضاً عندما نتطلع إلى الحياة في الماضي نجد أن الأسرة كانت متكاتفة وصوت الوالدين كان مسموعاً إلى ما شاء الله، حيث إن الكل يعمل لهدف واحد. لكن في الوقت الحاضر قد سادت الأسرة الصغيرة، ولو أخذنا مدينة الرياض مثالاً والتي تشكل ربع المجتمع السعودي لوجدنا أن 70٪ من حجم الأسر هي أسر صغيرة، فواقع المسن في المدينة أصبح بحاجة إلى أشياء كثيرة لأن الحياة فرضت هذا الواقع وبالتالي لا يوجد الوقت الذي يجلس فيه الأبناء مع المسن. حيث نجد أن المسن في المدن أصبح له واقع يختلف عن غيره من الفئات العمرية الأخرى، وعلى سبيل المثال نجد المسن في مدينة الرياض المترامية الأطراف فرض عليه الواقع أن يعيش في مسكن محدود خاصة عندما نرى شرائح المجتمع التي أغلبها يندرج في الطبقة الوسطى وبالتالي حتى المسكن يكون محدوداً ونجد الابن يعمل منذ الصباح ولا يوجد الوقت الكافي لديه للجلوس مع والده، والزوجة تكون معلمة وعندما تعود إلى بيتها أيضاً تقوم بالعمل ولا يوجد لديها الوقت الكافي لرعاية المسن، والأبناء يخضعون لجدول معين فيما يتعلق بالدراسة وكتابة الواجبات المدرسية وقد ينشغل الوالدان في تعليم الأبناء، وفي المساء تحضير العشاء والنوم مبكراً، ونجد في نفس الوقت أن المسن بحاجة إلى من يتحدث معه وأن يواصل أقرباءه، ونجد بعض الأبناء من يسكن في الشمال ومن يسكن في الجنوب، وبالتالي لا يوجد اتصال مع المسنين أو لا يوجد مكان للالتقاء بأقرانه، وهنا أصبحت هناك دعوة للمجتمع للنظر في هذه القضية. - د. عمر المفدا: أود أن أفرق ما بين أمرين في قضية عقوق الوالدين، الأمر الأول هو عدم القيام بالواجبات تجاه الوالد أو الوالدة، الأمر الثاني هو اساءة الولد لوالديه، وكلا النوعين موجود. وقضية الافتقاد للرابط النفسي بين الأجيال هي التي سينشأ عنها عدم الارتباط أثناء بلوغ الابن، وهذا الأمر له أسباب متعددة، وعندما يتم التخلي عن تكوين الرابط النفسي مع الابن في صغره وشبابه، فسيجني هذه الثمار الوالدان عندما يكبر الابن، والآن نجد الآباء متوسطي الأعمار حريصين على الاستقلال عن أبنائهم، وعلى سبيل المثال قد لا يحبذ الأب جلوس أبنائه معه عندما يأتيه صديق له، بل يفضل الأب الاجتماع في استراحة مع صديقه على الاجتماع معه بحضور أبنائه، لذلك أؤكد بأن الآباء يتحملون جزءاً من المسؤولية نتيجة لهذه التصرفات، فأؤكد على الجانب النفسي أكثر من التأكيد على النظرة المادية وهي قضية وجود المصالح المشتركة. - د. سليمان العقيل: لم نبدأ بتعريف العقوق وما المقصود منه، حيث إن انتقال المجتمع السعودي من مجتمع قرية بتراثه وعاداته وتقاليده إلى مجتمع مدينة وفجأة، إذ مجتمع القرية مفهوم العقوق فيه يختلف تماماً عن مفهوم العقوق في المدينة، ونقول إنه في المدينة لا يوجد هناك عقوق وانما واقع اجتماعي مفروض عليهم، وليس هناك تعريف محدد عن العقوق أو خلافه، خاصة أن ثقافتنا لا تزال موصولة بثقافة شعبية سابقة أو دينية سابقة بمعزل عن واقع المدينة، حيث يرى الكثير من الناس أن العقوق هو عدم قيام الابن بتقبيل الوالد ثلاث مرات في اليوم، وهذا الأمر يعتبر عند البعض عقوقاً، وأيضاً بعض الناس يرى من يقتل أو يضرب والده عقوقاً، ولذلك من هذا الاختلاف بين المفهومين يجب علينا تحديد معنى العقوق وتعريفه، وأيضاً البحث في مسببات العقوق سواء عدم تقبيل الرأس أو القتل، وجدنا لها مدخلات كثيرة جداً، من ضمنها التنشئة الاجتماعية وكذلك عدم الاهتمام بالوالدين وخلاف ذلك. - د. صالح الرميح: لا يزال مجتمعنا ولله الحمد متماسكاً وقوياً ويمارس نوعاً من الضغط المباشر وغير المباشر على الأبناء، وعلى سبيل المثال، كنا في زيارة لمنطقة من المناطق وكانت دُور المسنين تشكو من عدم وجود المسنين فيها، ورأى الكل بأنه لا يمكن افراغ هذه المنطقة من العقوق، وتم التعاون مع إمارة المنطقة لتحديد حالات معينة، وتم الوصول إليها والحصول على حالات مهملة من قبل الأبناء، وبعد إصدار الأمر واحضار هؤلاء المسنين إلى هذه الدُور حضر الأبناء بعد يومين واخذوا بالبكاء وطلبوا أخذ آبائهم حسب الشروط التي تمليها الدُور عليهم، والسبب في ذلك هو أن الأبناء وقعوا تحت ضغط المجتمع القوي، وبالتالي اصطحب الأبناء، معهم، آباءهم، ولكن تحت رقابة ومتابعة من دور المسنين، وهذا يعطينا أن المجتمع لا يزال فيه خير كثير ولو كانت هناك جفوة أو انشغال عن الوالدين. الرياض: يقال إن للعقوق نماذج كثيرة، هناك مَنْ يهتم بنفسه واستراحته ويتناسى والديه، وآخر فضل أوامر الزوجة على حاجة والديه الملحة إلى الرعاية، وغير ذلك، هل يمكن الاستشهاد ببعض النماذج لحالات العقوق؟ - د. عمر المفدا: قبل ذكر النماذج أود أن أذكر تخوّفي، إذ لا يزال الجيل الحاضر وهو جيل الآباء الحاليين هو الجيل الذي نشأ في فترة تماسك الأسر، وكانت البيئة بسيطة جداً، وكل الخوف الآن أن يصبح الأبناء الذين يمارسون العقوق أو الجفوة أو أي شيء من هذا القبيل، يمثلون نماذج لأبنائهم، وبالتالي الظاهرة تصبح ليس فقط ظاهرة تغيرات اجتماعية، وإنما أصبح الآن النموذج الذي يشاهدونه نموذجاً عاماً، وبالتالي يصبح العقوق سمة، وعندها سنكون مثل الدول الغربية التي تتميز بسمة أساسية فيها وهي العقوق، ويندر فيها أن نجد شخصاً يتولى رعاية والديه رعاية كاملة. وهناك مجموعة من النماذج والأمثلة التي هي من واقع البيئة الاجتماعية التي نسمع عنها، ونسمع عن حالات قد تركها أهلها خاصة فيما يتعلق بالنساء، ونسمع كثيراً عن أبناء يأتون بأمهاتهم إلى المستشفيات ثم يتركونهن وحيدات ويهربون، وهذه الحالات تكررت كثيراً في أكثر من مستشفى، ثم يقوم البعض بتوصيل الآباء إلى دار المسنين على أنها زيارة لقريب ثم يفرون هاربين وتاركين وراءهم آباءهم، وهناك من هم في فترة الشباب والمراهقة يمارسون التغذيب بحق والديهم ومرت علينا حالة وهي ضرب الأم من قبل ولدها لأنها لا تعطيه مصروفاً، ورأينا الأم تشتكي لنا عماً تفعله مع ابنها العاق، وشالقصص في هذا المجال متنوعة، وهناك حالات أكثر شيوعاً من غيرها ومن أهمها التقصير في الخدمات، وهي سد الحاجة النفسية والحاجات الفعلية للوالدين، فمثلاً الأب والأم يحتاجان درجة أكثر شيوعاً ألا وهي قضية التقصير في الوصل الذي يعتبر الأساس في صلة الرحم، إذ نجد بعض الآباء يشتكي من مرور الأيام والأشهر دون رؤية ابنه الذي لا يُقدِّر حاجة أبيه إليه. - د. سليمان العقيل: أود أن أؤكد على قضية مهمة جداً وهي أن ظواهر عقوق الوالدين في مجتمعنا ليست بمعنى العقوق الفعلي، خاصة أنها في مجتمعنا تبدأ من عدم تقبيل الرأس أو عدم وجود الاحترام الشديد، وبعدها يبدأ نوع من الجفوة بين الأب والابن، وتتطور العملية من هنا. إذ كنت في تونس وزرت دور المسنين هناك حيث الزيارة كانت بقصد القضة الاجتماعية هذه، ورأيت المسنين في الدور وكان عددهم قليلاً وتذكر الدور «أن عدد المسنين لديها قليل، والسبب في ذلك الوازع الديني الذي يحفظ حقوق الوالدين، وهذه الحقوق هي التي تجبر الأبناء وتلزمهم برعاية آبائهم، ليكون ذلك مكسباً لهم في الآخرة ونوعاً من رد الجميل». هذا الوضع إذا كان موجوداً في تونس، فما بالكم عندنا؟ فالحمد لله في مجتمعنا لم نصل إلى حد الظاهر على الإطلاق، وإنما هي نماذج من مشكلات اجتماعية موجودة في طبيعة المدينة، أما الأسباب التي إذا قلنا عنها تجاوزاً إنها عقوق فهي تتمحور حول تسلط الزوجة على أحد الوالدين أو كلاهما، أو أن يكون الوالدان كبيري السن ويحاجان إلى رعاية خاصة ولا يستطيع أحد من أبنائهما رعايتهما، وبالتالي الابن مشغول كل وقته عن والديه، أما أن يكون سبب ذلك الضائقة المالية، حيث دخل الابن قليل ولا يستطيع أن يرعى والديه إلى جانب زوجته وأولاده، أو أن تكون هناك مشكلات ما بين الزوجة ووالدي الزوج، أو ربما تكون من الأسباب تفضيل الآباء لبعض الأبناء على بعضهم. فالأسباب جميعها قد تكون مادية أو تربوية. ومن القصص هناك رجل مسن أصابه الخرف ووضعه الابن في الملحق تلبية لرغبة زوجته، وعاش الأب في حالة تشبه السجن، وبعد وفاته أتى الابن برافعة «ونش» لإزالة الملحق، لكن اعترض ابن الابن على قرار والده وقال له لا تزيله لأننا سنضعك فيه عندما تكبر، وهنا بعض النماذج.. ولكن نحن نذكرها لقلتها ولم تصل والحمد لله لحد الظاهرة، خاصة أن الناس يخافون الله تعالى والوازع الديني قوي بالإضافة إلى الضابط الاجتماعي لدينا إذ هناك نوع من التهذيب الاجتماعي في تربية الناس. - د. صالح الرميح: أود أن أذكر بعض الأسباب التي جعلت المناخ يساهم في بروز ظاهرة عقوق الوالدين، وقبل كل شيء أشكر الإعلام المقروء والمرئي والمسموع على تلمس الظواهر السلبية في المجتمع، ويجعل الناس تتداول بعض الحالات الفردية وبالتالي تعظمها وبيان خطورتها، ومن الأمور الخطرة نجد أن الأمل يشرطون على من يأتي لخطبة ابنتهم بيتاً وعندما يستقر الزوجان في بيت مستقل يؤدي ذلك في الغالب إلى انشغال الزوجين وانقطاعهما عن الأهل، وأيضاً من الأشياء التي تساهم في عملية العقوق هي عقوق الآباء بالأبناء من حيث سوء المعاملة وسوء التربية والاجحاف بهم مما يؤثر ذلك على الابن في المستقبل، وبالتالي لا يكون هناك تواصل مع الوالدين، وأيضاً ظاهرة الفراغ الكبير في حياة الوالدين الذي قد يبلغ ست ساعات يومياً يؤدي إلى ملل الآباء منه وشعورهم بعدم اهتمام الأبناء بهم، وهناك ظواهر أخرى ساهمت في وجود هذه الجفوة، منها بروز ظاهرة السائق والخادمة، إذ توكل خدمة الآباء إلى الخادمة والسائق وبالتالي يضعف هذا الأمر التواصل المستمر بين الأبناء والآباء، بينما نرى في الماضي الابن هو الذي يقوم برعاية والديه مباشرة وبشكل متواصل، ومن الأسباب أيضاً صعوبة الحياة وعدم توفر فرص العمل مما يجعل الابن يذهب إلى مدينة ثانية ركضاً وراء العمل، مما فرض ذلك نوعاً من التباعد. ومن نماذج العقوق بالأمهات فهذه كثيرة جدا، حيث نجد الكثير من الأمهات الأرامل وهذه ظاهرة ملموسة في مجتمعنا العربي السعودي، ومن العقوق بحق الوالدة هو قطع التواصل منها، بسبب انشغالهم بالحياة حيث لا يعتني أي واحد من أبنائها في زيارتها ولا يصرفون عليها، لذلك من المهم جداً أن نتلمس الأسباب المؤدية إلى مثل هذه الحالة لهذه المسنة. «الرياض»: عدم طاعة واستجابة الأبناء لنداءات آبائهم بالرجوع في أمر ما، واضح في مواقف بعض الشباب، خاصة ما نطلق عليهم بالإرهابيين، هل يؤدي ذلك إلى العقوق.. ثم ما تعريف العقوق في الشريعة الإسلامية؟ - د. عبداللطيف الغامدي: لا شك أن بر الوالدين وشكرهما قد ذكره الحق سبحانه وتعالى بعد التوحيد وبعد شكره، وقال تعالى: {وقضى ربُّك ألاّ تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً} وقال الحق تعالى: {أن أشكر لي ولوالديك}، وهنا ارتباط كما ذكر بعض الصحابة بأن من أطاع الله سبحانه وتعالى ولم يطع والديه فإنه في هذه الحال لا يقبل الله منه ذلك، فطاعة الله سبحانه وتعالى ثم طاعة الوالدين لأنهما سبب الإيجاد، ولا شك أنه يجب على الوالدين بداية أن يكونا حريصين على تربية الأنباء، لأن عدم الحرص هو الذي يؤدي إلى العقوق، فأحد السلف قال إنه اشتكى إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عقوق ابنه، فاستدعى الابن وأخبره بما ذكره أبوه، فقال يا أمير المؤمنين إن أبي قد تزوج من امرأة ليس فيها من الصفات الحميدة ثم اختار لي اسماً ليس حسناً «جُعَلْ» ولم يعلمني، فقال عمر رضي الله عنه قم يا هذا لقد عققت ابنك قبل أن يعقك. إذن تربية الأبناء تبدأ بحسن اختيار الأم، وحيث قال أحد السلف لأبنائه قد احسنت إليكم كباراً وصغاراً وقبل أن تولدوا، ومعنى قبل أن تولدوا هو اختياره الأم التي ما لا يعيرون بها، فاختيار كل من الزوجين للآخر هو اختيار جانب الصلاح وهو مهم في تربية الأبناء، وهذا هو واجب على الآباء في هذا العصر العاصف بالمتغيرات، لأنه في الوقت السابق كان أهل القرية والحي والأقارب جميعهم يساعدون في التربية، لكن في الوقت الحاضر يجب علينا أن نعض بالنواجذ بالنسبة لتربية الأبناء، والتوجيه يكون بالحسنى وليس بالضرب، والذي يفشل في تربية أبنائه من باب أولى أن يفشل بدعوة الناس، فالأبناء يحتاجون لمن يحثهم على الصلاة والعبادة بالحسنى والترغيب والتعويد، ويقول صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر»، ولا يكون الضرب إلا بعد أن يأمرهم أكثر من أربعة آلاف وخسمائة مرة خلال الثلاث سنوات، لأن والدهم يدعوهم عند كل فرض أن يصلوا، وأن يصطحبهم إلى المسجد، فمن هنا نجد حسن التربية، وأيضاً نجد ذلك المردود الذي يتم حصده من هذه التربية. لكن الإهمال يبدأ من توكيل تربية الأطفال الى الخادمات ومن سلبيات ذلك بدايةً ركاكة اللغة لأن الطفل يبدأ يتكلم لغة عربية مكسرة مثلما تنطقها الخادمات، والأم تكون مشغولة في العمل وغير ذلك، فكل وقت الطفل يكون مع الخادمة بعيداً عن أمه، وهذا أمر خطير وله أثره السلبي على تنشئته، ونصر على تربية الأم لأبنائها لأنها المدرسة الحقيقية، فوجود الأب والأم إلى جانب الطفل مهم على الرغم من ادعاءات الأب وأحياناً الأم بعدم وجود الفراغ للقيام بذلك، إذ لابد أن يجد الآباء الوقت للجلوس مع الأبناء وذلك لزيادة المودة والألفة والمحبة بينهم وبين أبنائهم، ولذلك نجد أن الذي يحدث في بعض الأحيان هو تخلي الآباء والأمهات عن مباشرة تربية الأبناء، وقد يكون الأب تاجراً ومشغولاً في تجارته أو موظفاً، ولكن أكثر وقته قد يقضيه في الاستراحات برفقة زملائه فيهمل بيته، فالمرأة وظيفتها داخل بيتها وتستطيع السيطرة على الأبناء إلى سن السابعة، لكن بعد ذلك يكون الأب هو المسؤول، لأن الطفل يبدأ في الخروج خارج البيت، لكن نجد بعض الآباء يهمل أطفاله ويقضي وقته في الاستراحات، ولذلك يقول الأئمة في تربية الطفل أتركه سبعاً وأدبه سبعاً وصاحبه سبعاً ثم أترك حبله على الغارب مع المراقبة التي فيها نوع من الحكمة، لأن بعض الآباء يتصرف تصرفاً أحمق مع أطفال، وعندما يكون الأب قريباً من أبنائه فإنهم سيستجيبون له، وأيضاً لا ننسى الدعاء لأبنائنا، فيذكر أحد المدرسين أن لديهم طلاباً إخوة مجتهدين جميعهم في دراستهم فقررت الإدارة المدرسية معرفة السر وراء اجتهادهم، وتفاجأت الإدارة أن والدهم رجل بسيط جداً، ولكنه كثير الدعاء لهم خاصة في سجوده. إذن نحن لا نستطيع أن نراقب أبناءنا بشكل مستمر، إنما عندما يكون هناك توجيه سليم ودعاء لهم بالصلاح، فإنهم سيكونون صالحين بإذن الله تعالى، لأن المراقبة لا يمكن أن تنجح بشكل جيد دون التربية الصالحة وعلاقة الرحمة والمودة والمحبة، والرجل الحصيف هو الذي يستطيع أن ينجح داخل بيته، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول»، لأن الإسلام حريص على ما يسمى بالالتفاف المعنوي أكثر من التفافه المادي، فالوالد مسؤول أمام الله عن أبنائه، ولو أن كل إنسان قام بهذه المهمة لما أصبحنا نعاني ما نعانيه من التفلت عند بعض الشباب، ف «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» فالرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيته، ولو قام كل منا بدوره في التربية لضبط سلوك الأبناء جميعاً، والمجتمع مكوّن من لبنات وهذه اللبنات هي الأسر، والأسرة في الإسلام جعلها الله سبحانه وتعالى من أقدس الروابط بين الزوجين، والإسلام شدد على الأسرة وأهميتها في المجتمع لأنها اللبنة الأساسية فيه، خلاف الغرب الذي فيه تفلت واضح داخل الأسرة، بينما الإسلام يركز على القدوة، والطفل إذا فقد القدوة سواء من أبيه أو استاذه في المدرسة، فإنه سيفقد التربية الصالحة، ولذلك نقول إنه لا بد من وجود القدوة الصالحة للطفل حتى تستقيم السلوكيات. - د. عمر المفدا: قلت مرة في إحدى المحاضرات العامة وكان ذلك قبل خمس عشرة سنة إنه لا يجوز إيكال التنشئة إلى أفراد آخرين غير الوالدين، وأتكلم عن الخادمة بالذات، وخاصة التنشئة في السنوات الأولى التي ربما عند البعض قد تُحتقر ولا يرون لها أهمية نفسية على الرغم من أهميتها للطفل، فالجيل الذي تربى على يد الخادمات لم يظهر بعد، وعندما يصل هؤلاء الأطفال إلى سن الخامسة عشرة فسنري نوعاً آخر، ويبدو الآن أننا نرى آثار ذلك، من مشكلات نفسية ومعاناة وتبلد في الأحساس وربما عدم إطاعة الأهل، وذلك بسبب إهمال الرابط النفسي للطفل والذي يتكون منذ السنوات الأولى، وربما لو وجد الطفل هذه الخادمة في بلوغه لبرها لأنه مرتبط بها من الناحية النفسية، خاصة أن الذي يقدم للطفل ماءه وأكله هو الخدامة والتي تقوم أيضاً بتغيير ملابسه وغير ذلك، فهذا كله يولد الرابط النفسي. - د. عبداللطيف الغامدي: بالنسبة لتعريف العقوق من وجهة الشريعة الإسلامية، هو الجحود بحق الوالدين، فالعقوق يأتي من جحود النعمة، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً}، ولا شك أن عقوق الوالدين من أكبر الجرائم، ومن العقوبات التي يعجل الله سبحانه وتعالى بها للعبد في الدنيا من ضمنها عقوق الوالدين، والرسول الكريم يقول: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم» وإذا كان الأب عاقاً لوالديه فهو من باب أولى أن يعقه كل النسل، بالإضافة إلى ذلك أن عقوق الوالدين والإساءة إليهما يعتبر من صفات الكفار، فقطيعة الرحم صفة من صفات الكفار، والكثير من الدراسات تؤكد أن الطفل في الحضانة عندما تتغير الوجوه أمامه تسبب له مشكلة، لأن الطفل يحتاج إلى وجه واحد فقط وهو وجه الأم، ولأن الطفل في هذه المرحلة بحاجة إلى التكوين النفسي، ولهذا في الوقت الحالي نجد أن الطفل متعلق بالخادمة والسائق أكثر من تعلقه بوالديه، والذي سبب ذلك هو بعده عن والديه، واهمالهما لحاجته النفسية. ومن القصص الغريبة أن كسرى ملك الفرس له ابنتان بعيدتان عنه ولم يرهما، وأراد الزواج منهما، حتى ولو كان كافراً لو كانت هناك رابطة أبوية ونفسية تربطه بهما لما أقبل على هذه الفعلة النكراء. ولو كان هذا الطفل أو الطفلة لدى والديه لوجدنا هناك حاجزاً نفسياً وإن كان الأب كافراً. «الرياض»: سلمنا جدلاً بأن هناك نماذج من العقوق، لكن ما الطرق السليمة التي يجب اتخاذها لعلاجه؟ - د. عمر المفدا: إن العلاج من وجهة نظري لا يمكن أن تقوم به أسرة وحدها، وإنما على مستوى توعية مجتمعية عامة، وهو تأكيد على أهمية العلاقة النفسية التي تربط بين الآباء وأبنائهم وأهميتها منذ الصغر، وذلك بوسائل مختلفة ومن ضمنها عدم إيكال رعاية الأطفال لغير الوالدين، فتوطيد العلاقة ما بين الآباء وأبنائهم شيء مهم لتنمية الرابط النفسي للابن، وهذا يتمثل في تولي الرعاية في سن مبكرة للطفل من قبل والديه، وإشراك الأبناء في الأنشطة الاجتماعية المختلفة وعدم عزلهم عن الوالدين، وتقديم النموذج الجيد للأبناء من خلال ذكر رعاية الآباء لأجدادهم، وأيضاً تنمية الوازع الديني لدى الأبناء هو في غاية الأهمية، حتى لم يقم الابن برعاية والديه أو برهما من الجانب العاطفي، فإنه مع وجود النازع الديني لديه سيقوم رعايتهما وبرهما. وكذلك لابد من معاقبة الابن العاق تجاه الديه سواء اهمالهما أو غير ذلك من احتياجات صحية وعاطفية ومالية، خاصة أن الشرع يُلزم الأبناء بالنفقة على الآباء والأمهات، وكحل آخر للحالات الشاذة لابد من وجود قانون أو نظام يحمي الآباء. - د. سليمان العقيل: هذه قضية اجتماعية مهمة جداً، ويُفترض على الآباء في وجه الخصوص والمربين وعلى كل من له اهمام مباشر أو غير مباشر في الشأن الاجتماعي أن يكون هناك نوع من الفهم للمرحلة التي نعيش فيها والمكان الذي نعيش فيه، حيث أن هناك اختلاطاً كبيراً بثقافات وافدة ومدخلات ثقافية كثيرة، وبالتالي يجب أن نعرف ماذا نريد نحن لأطفالنا ولأبنائنا، وأخيراً ماذا نريد منهم، والأمر الآخر هو التركيز على الدعاء للأبناء بالصلاح والتوفيق، وأيضاً تقوية الوازع الديني في مؤسسات المجتمع كلها وليس للفرد فقط، فعند دخول الطفل إلى المدرسة أو البيت أو إلى أي مكان آخر يجب أن يجد الجو المناسب الذي ينمي لديه الوازع الديني ولا يكون ذلك بمعزل عن بقية أقرانه. فالكل منهم يشكل المجتمع مستقبلاً. وأيضاً من الأشياء المهمة قضية تربية الآباء لأبنائهم والتربية في المدرسة والتربية في المساجد، فهذه كلها يجب أن تكون في سياق التربية العامة المجتمعية، حيث إن المشاهد الآن هو أن لكل شخص طريقته الخاصة في التربية، حيث نجد في البيت تربية معينة وفي التلفاز نوع آخر من التربية العامة للمجتمع، إذ لا بد أن يكون هناك نوع من التوجيه والتأكيد على ذلك لوضع ثوابت معينة تحكم الجميع. ثم بعد ذلك التربية المجتمعية التي لابد من أن نتفق عليها جميعاً، وهي ماذا نريد لأنفسنا في هذه الدنيا ثم بعد ذلك نبني برامجنا وتوجيهاتنا وأنظمتنا وقوانينا على هذه القضية، فالمجتمع والدين وجهان لعملة واحدة في ذات الفرد في فترة زمنية معينة. - د. عبداللطيف الغامدي: بالنسبة لتقوية الوازع الديني، أقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات بني آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له..» فإذا الولد لم يكن صالحاً فإنه لا يدعو لنفسه ولا لوالده، والأمر الآخر هو تربية الأبناء على البر مع تقديم النموذج الحي من خلال سلوكيات الوالدين في برهم للآباء وكذلك للأقرباء، فهذا الأمر يغرس في نفسه نوعاً من البرد، فالابن عندما يرى عقوق والديه لوالديهما فإنه سيسلك نفس الطريق الذي سلكه والداه، وحتى لو أراد الأب أن يأمره بشيء حسن لما يجد الرد من الابن، وكذلك لإصلاح الأبناء يجب ألا نوكل تربية الأبناء إلى الخادمات أو المربيات وما شابه ذلك بأي حال من الأحوال، بالإضافة إلى ذلك يجب متابعة الأبناء في المدرسة وفي حلقات تحفيظ القرآن، وعندما يكون المجتمع ككل في هذه الصورة سيكون كله صالحاً، لأنه إذا كان البيت صالحاً وخارجه في المدرسة والأماكن الأخرى غير حسن فإن ذلك سينعكس على تربية الطفل، فإذا كان هناك واحد يبني وغيره من الناس يهدم فهذا لا شك أنه أمر خطير على مستقبل الأبناء. ولكن نقول والحمد لله على ذلك بأن مجتمعنا يساعد على الطاعة وهو مجتمع متكاتف، خاصة أن الشخص في بلادنا ينصح الجار إذا شاهد خللاً في تربية أبنائه، وأيضاً يجب أن يكون بين الوالدين تفاهم وألا تؤخذ الأم جانب العطف وتكتم بعض أسرار أبنائها على أبيهم خاصة السلوكيات غير السوية التي تصدر من الأبناء، وهذا التستر يجعل الابن المخطئ يحب والدته على حساب الأب الذي يعتبره شديداً، لذلك أؤكد على مسألة التفاهم بين الأب والأم ويجب على الأم عندما ترى سلوكيات غير محمودة أن تخبر الأب عنها، حتى لا يكون هناك نوع من الانفلات، خاصة إذا الأمور كبرت وتطورت فإنهما لا يستطيعون بعد ذلك علاجها. - د. صالح الرميح: من المهم جداً الإشباع العاطفي والوجداني من الوالدين لأبنائهما، خاصة في حياتنا في الوقت الحاضر وإنشغال الوالدين في العمل، لذلك أقول إن عدم إشباع وعدم حرص واهتمام الأبوين لأبنائهما قد يؤدي هذا الشيء إلى نوع من الانقطاع وبالتالي لا يكون هناك تواصل عاطفي للأبناء مستقبلاً مع والديهما، وللأسف أننا نجد بعض الآباء يمارس ويتحدث عن سلوك آخر مغاير لكنه يمارس سلوكاً غير مقبول البتة وسيكون لدى الابن إشكالية في هذا (القدوة) وهو الأب وبالتالي من يمارس هذا النوع من التربية مع الأبناء لا نتوقع منه صلاح أبنائه، وعندما يكبر الأبناء مع هذا النوع من التربية فإنهم سيفقدون احترام والديهما ولا يعيرون لهما انتباهاً، لأن سلوك الأب خلق نوعاً من التناقض في عملية التربية، ومن الأمثلة على ذلك عندما تمت بزيارة بعض دور الملاحظة ودور التوجيه وجدت أن بعض الآباء هو السبب في انحراف ابنه، إذ أن واحداً من الآباء كان يُجلس ابنه معه والأب يتناول الخمر مع أصدقائه، وأب آخر يرسل ابنه لاحضار الدخان وخلاف ذلك، وبالتالي ماذا نتوقع من هذا الابن، وأقول من المهم جداً اهتمام الآباء برعاية الأبناء اتقاء غضب الله. وأيضاً لا يجوز إيكال تربية الأبناء للخادمات خاصة مع إنشغال الأمهات والمطالبة بزيادة عددهن في ميدان العمل، ولا شك هذا التوجه له منحى سلبي في قضية عقوق الوالدين. والآن نجد أن الأبناء تتغلب لديهم الفردية على المسؤولية الأسرية، وهذا عائد في بداية الأمر إلى الوالدين اللذين لم يعلما أبناءهما تحمّل المسؤولية وبيان دورهم في الحياة وماذا يُراد منهم، وهذا مع مرور الوقت قد يضعف الجانب العاطفي وبالتالي الارتباط بالأسرة. ولذلك من المهم جداً تعويد الأبناء على تحمّل المسؤولية وإعطائهم الأدوار منذ الصر لكي يكون هناك نوع من التواصل. وأيضاً الدعوة المشاركة الزوج والزوجة بشكل متكامل ولا يعكسان مشكلاتهما أمام أبنائهما لأن ذلك له منحى سلبي وبالتالي الصورة التي يتخيلها الأبناء عن والديهما دائماً ما تكون مشكلات وخلافات وصراعات ومع الوقت قد يضعف ذلك قضية ارتباطهم وبرهم لوالديهما. وأدعو الأسرة إلى إفراغ يوم في الأسبوع يُسمى يوم العائلة لكي يجتمع فيه الآباء مع الأبناء، وهذا سيقرب ويدعم ويفعّل العلاقة ما بين الآباء والأبناء وبالتالي يكون هناك نوع من التوادد وكسر الحاجز ما بين الأبناء ووالدهم ووالدتهم. وكذلك من المهم الدعاء للأبناء خاصة في الجهود، وعدم الدعاء عليهم لما له من أضرار على الأبناد. وبالنسبة لتفعيل المراكز هناك دعوة صادقة من سمو الأمير عبدالعزيز بن عياف، أمين مدينة الرياض - نظراً لواقع المسنين في مدينة الرياض وإنشغال الأسر ووجود الفراغ الكبير عند المسنين - لإحياء مراكز الأحياء، من خلال وضع نموذج تتبناه الأمانة، خاصة عندما نجد أن بعض الأحياء داخل مدينة الرياض عبارة عن مدينة كاملة مثل حي النسيم فيه (400) ألف نسمة، وحي العريجا (300) ألف نسمة، وبالتالي إنشاء مراكز للأحياء في مدينة الرياض. - د. عمر المفدا: يجب التوعية بخصائص المسنين وأن يُقدم هذا التوجيه للشباب لتوعيتهم بخصائص الشيخوخة ومدى حساسيتها، وعدم اهمال الوالدين.. وكذلك يجب أن توفّر خدمات مساندة تساعد الأبناء على بر والديهما كالخدمات العلاجية التي يجب أن تُقدم في المنزل، بدلاً من نقل هذا السن إلى المستشفيات وما يكلفه ذلك من عناء.