«رزقني الله بثلاثة أبناء كبروا معي حتى استقلوا بحياتهم، وأصبحت اليوم لا أراهم الا قليلا، وأكثرهم زيارة لي يأتي كل اسبوع بعد صلاة الجمعة ومعه «جريدة» يقرأها أمامي ثم يغادر» هكذا بد وتضيف الأم بحسرة «أمضيت عمري في تربيتهم وتعليمهم، واشتاق اليوم الى زيارتهم التي هي بالنسبة لي بلسم لجروحي» مبررة غيابهم وتأخرهم عنها بمشاغل الحياة. ويقول المسن «ابو محمد» « لدي ثلاثة أبناء أولاد أكبرهم عمره 23 عاما، تقاعدت قبل فترة وأمضي جل يومي أنا وزوجتي داخل البيت، ما دفع أحد ابنائي على التطاول علي بكلمات نابية أتجاوزها بألم وأدعو الله له الهداية، ولكنه مؤخرا بدأ يتطاول على أمه وعلى إخوته دون إحساس بالمسؤولية» وأضاف « قبل فترة طلب مني أن أقرضه مالا وعندما أبلغته بأني لا أملكه تطاول علي وضربني ، وقمت بطرده من المنزل» نماذج أخرى كثيرة نسمعها يوميا في مجتمعنا عن عقوق الوالدين لفئة ضلت السبيل ونسيت أو تناست فضل الوالدين في تربيتها وتعليمها. «اليوم» رصدت حالات لعقوق والدين، والتقت مختصين ورجال دين للحديث عن هذه الممارسات والتي لم تصل الى حد الظاهرة في مجتمعنا والحمد لله ولكن جاء إلقاء الضوء عليها للتحذير من هذه الممارسات الفردية ومكافحتها قبل أن تستفحل وتجرف معها آخرين ضلوا السبيل لتحقيق رغباتهم وشهواتهم وأخذتهم الدنيا بعيدا عن بر الوالدين. وبين مسن 74 عاما رفض الإفصاح عن اسمه بان لديه 5 أبناء بينهم بنت واحدة جميعهم انطلقوا بحياتهم التي شغلتهم عنه خاصة بعد وفاة زوجته منذ سنوات منوها الى أنهم لم يعودوا يزورونه وينتظرون موته ليرثوه الأمر الذي دفعه للتوجه الى دار المسنين ليقيم فيها ما تبقى من عمره. حادثة يرويها موظف باحدى دور رعاية المسنين لعاق تخلص من والدته بإحضارها الى دار المسنين لأنه أراد أن يتزوج في الشقة التي تسكن فيها والدته ورفضت زوجته وجود الأم معها في الشقة. وأضاف الموظف أن الأم أمضت سنوات داخل الدار دون أن يزورها ابنها منوها الى أن الأم وعند احتضارها طلبت إحضار ابنها لتراه قبل أن تموت وعند الاتصال به وإبلاغه بأن والدته مريضة وترغب برؤيته رفض الحضور بحجة أن لديه أشغال يجب إنجازها وأنه سيأتي في وقت قريب منوها الى وفاة الأم دون رؤية ولدها. وأجمع عدد من المواطنين على أن الابن العاق لو علم بأن بر الوالدين سبب لمحبة الله له ، والفوز بجنات النعيم، لسارع إلى التوبة، والرجوع إلى الله، واستدراك حياة الوالدين بالاحسان لهما، واللطف بهما، والشفقة عليهما، لعل الله يتوب عليه، ويتجاوز عنه، ما سبق منه من تقصير في حق الوالدين. ولفتوا الى أهمية دور الأب القدوة في تربية أبنائه على بر الوالدين، لاسيما اذا كان والده أو والدته أو كلاهما على قيد الحياة وبره لهما ، فعندما يرى الابن تعامل والده مع ابيه وامه، ويرى البر واللطف والاحسان، فإن ذلك يترسخ في ذاكرته ويبر بوالديه في المستقبل. واشار مواطنون الى ان عقوق الوالدين طريق الى جهنم ، وان بر الوالدين وزيارتهما وتفقد احتياجاتهما علمنا اياها ديننا السمح الذي اوصانا خيرا بالوالدين منوهين الى ان التفكك الأسري ورفاق السوء وسوء المعاملة تؤدي الى وجود فجوة لدى الأبناء ما يدفعهم الى الانشغال بحياتهم بعيدا عن أهاليهم وعدم زيارة والديهم.
27 بالمائة من استشارات «مركز التنمية الأسرية» عن العقوق وتشير إحصاءات الهاتف الاستشاري بمركز التنمية الأسرية بالدمام إلى أن نسبة الاستشارات الخاصة بعقوق الوالدين تتراوح من 21-27 % من الاستشارات الأسرية التي ترد للمركز، وغالبيتها تتركّز حول عقوق الوالدين وكيفية التعامل مع الابن العاق. وقال المستشار الأسري بمركز التنمية الأسرية بالدمام عبدالسلام الصقعبي: ان عقوق الوالدين امر مرفوض عند الناس، ولا شك في أن ما يحدث من عقوق يجري بغير رضا الجميع، لكنه مع ذلك يحدث، منوّهاً الى ان هناك كثيراً من حالات العقوق تكون نتيجة تفريط الآباء بالدرجة الاولى في تربية ابنائهم. على الأب أن يُدرك أن مراحل اكتساب المعلومة في سنوات التعلم عند الابن ليست كلها من الاب، بل هناك الأصحاب.. لذا على الاب أن يختار الصُّحبة الصالحة لابنه والذين يكونون عوناً للأسرة في رسم مسار مستقيم للابن. واضاف: الآباء بعد قدر الله هم الذين يتحمّلون عقوق الأبناء لهم بدفعهم هذا الامر من خلال توفير كثير من المعطيات لهم بعيداً عن المراقبة، فلو أراد الاب عقد العزم على تغيير السلوكيات السيئة لدى ابنه لابد أن يبدأ بنفسه، فلا يمكن أن يترك الابن التدخين مثلاً إن كان الأب كذلك، ولا يمكن ان يحرص الابن على الصلاة إن كان الأب مُفرطاً، بل لا يمكن أن يكون الابن باراً بوالديه إن كان الأب عاقاً لهما، فأول امر في طريق إصلاح الأبناء هو إصلاح الذات عند الاب. وقال: على الأب أن يُدرك أن مراحل اكتساب المعلومة في سنوات التعلم عند الابن ليست كلها من الاب، بل هناك الأصحاب.. لذا على الاب أن يختار الصُّحبة الصالحة لابنه والذين يكونون عوناً للأسرة في رسم مسار مستقيم للابن. وأشار الى أن وسائل التربية تتغيّر من زمان لآخر، فلكل زمان أساليبه وطرقه في التعامل بين الاب والابن أو بين البنت ووالدتها، فما كان مناسباً في زمانهم لم يعُد كذلك في زماننا، وأقصد هنا الاساليب وليس الأسس والقواعد، فمن أسباب العقوق من جهة الابناء ان بعض الآباء يصرّ على تربية ابنه بذات الطريقة التي ربّاه بها والده، وهذا لا يستقيم على كل حال، فتجد الابن إما انه يجامل والده على حساب احترامه وتقديره، او ان يصل إلى مرحلة ينفجر الابن في وجه الاب ولا يقبل منه أي تصرّف او سلوك مهما تغيّر مستقبلاً. وأوضح رئيس العلاقات العامة والإعلام بمركز التنمية الأسرية بالدمام وليد الدوسري أن المركز بصدد تنفيذ مشروع تربوي بعنوان (والديّ.. سعادتي ورضائي) بدعم من مؤسسة سليمان بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية، وهو يهدف إلى تعزيز قيمة بر الوالدين والحد من مظاهر العقوق عبر استهداف المجتمع بشكل عام وفئة طلاب وطالبات المدارس بحملة إعلامية وبرامج تدريبية. وبيّن ان المشروع يتكوّن من مرحلتين: الأولى تبدأ ببرنامج إعداد مدرّبين ومدرّبات لتقديم دورات تدريبية لطلاب وطالبات المرحلة الثانوية يليه برنامج تدريبي جماهيري عن بر الوالدين، ثم المرحلة الثانية وتشمل تدريب أكثر من 1200 طالب وطالبة على مهارات بر الوالدين، تقدّم لهم في مدارسهم مع حقيبة متكاملة تشمل مطبوعات وإصدارات خاصة بالمشروع والمركز وهدية رمزية يقدّمها الابن والبنت لوالديهما.