العملية التكوينية (Bildung) أو تكوين العقل السعودي عملية ناقصة، او (تطير) بجناح واحد، وقد وضعت (تطير) بين قوسين كناية عن أنها لا تطير، إذ كيف يمكن أن يحدث ذلك بجناح واحد، إذ يوجد لدينا تعليم (لنفترض من قبيل الجدل أنه تعليم قائم على أسس سليمة) ولكن لا يوجد لدينا تثقيف، فمناهج الدراسة تحتوي على مواد تعليمية، ولكن لا تحتوي على مواد ثقافية، ولكي نعرّف الثقافة نقول عنها كما كان يقال قديما عن الأدب، وهو الأخذ من كل شيء بطرف، وقد يعترض معترض ويتساءل: وهل لمن يدرس العلوم والرياضيات حاجة لأن يدرس الشعر الجاهلي أو يلم بالجغرافيا والتاريخ؟ وبالعكس هل لمن يدرس الآداب حاجة إلى أن يلم بالكيمياء أو الرياضيات؟ والجواب على ذلك: هو أننا نكون عقلا، ولن يكون هناك عقل إذا كان تحصيله من المعرفة أحاديا ومحصورا في نطاق أو (قيد) واحد، وافتقاد العقل يعني أيضا افتقاد الوعي وبالتالي افتقاد المسؤولية الوطنية والاجتماعية، وهما ضرورتان لالتحام الأمة وتأسيس عقد بين الحاكم والمحكوم ينهض على أسس ديمقراطية بحيث لا ينفرد أي طرف منهما بعملية اتخاذ القرار فيما يخص الشأن العام، وهذا الانفراد وما يتبعه من تعسف يحدث إذا غيب العقل أو الوعي، أو الاثنان معا، والنتيجة تخلف الأمة ومواتها، وهو ما حدث لأمتنا الإسلامية عبر عصور الأمويين والعباسيين وملوك الطوائف والمماليك والعثمانيين، ونحن إذا ألقينا نظرة ولو عابرة على مناهج وزارة التربية والتعليم لا نجد فيها أي مادة تثقيفية أو كتاب من خارج المقرر سواء لمن يدرس الآداب أو العلوم، أي أننا نكون عقولا ناقصة أو أحادية ومتخلفة، والنتيجة أن العملية التكوينية عندنا عقيمة لا تستهدف صالح الأمة، بل بالعكس تعمل على انحلالها وتقويضها، فمتى نعي ذلك؟!