الكراهية ولدت، مثل الحب، مع الإنسان، وتتطور حسب العلاقة المتوترة أو الساكنة، فقد تحاربت الأسر ثم القبائل، فأصحاب الديانات والقوميات المتطرفة، ونشأت أزمة الفوارق العرقية بمن نظر لجذوره للأعلى والأوفى للهيمنة على الآخر، أو من طور آلته العسكرية لغزو بلدان أخرى، والتاريخ مليء بالأحداث والمآسي، مع تطور الإنسان وامتلاكه أعلى المنجزات العلمية والحريات العامة، لا تزال صورة الآخر مشوشة وناقصة، إن لم تكن متدنية. في أوروبا وأمريكا نشأت التفرقة العنصرية، ولم تنهزم إلا بعد أحداث الحرب العالمية الثانية وخاصة في أوروبا، وبأمريكا لم يختف احتقار السود وذبح الهنود الحمر إلا أوائل الستينيات، وليست هذه الدول استثناءً عن آسيا حين أصبحت الفاشية اليابانية أبشع صور انتهاك حقوق الشعوب بالحياة واعتبارهم عبيداً لأبناء الشمس وفي الهند لا يزال المنبوذون يعيشون حالة البؤس والاستعباد حتى أن لجوءهم للانخراط بالإسلام أدى إلى تخفيف امتهانهم، وإذلالهم خوفاً من مواجهة مع المسلمين، أو دفعهم لدينهم. أما الأقليات المتطرفة سواء في بلد متقدم أو متخلف، فإننا نجد النازيين أو المعادين لليهود يرفعون شعار الصليب المعقوف، واليهود يعلنون في وجه أي جهة تعلن عداءهم بشعار معاداة السامية وتكرير الكراهية والعودة إلى إحياء المحرقة، حتى أن الخوف من إنكارها يؤدي إلى المحاكمات والسجون مع التعويضات، وكأنها قدسية أكبر من قدسيات الأديان والشرائع السماوية عند أمريكا وأوروبا. احتلت أمريكا العراق عام (2003) فكان رد الفعل عالمياً، وخرجت تصريحات على جميع وسائل الإعلام «لماذا يكرهوننا»؟ وتناسوا الأسباب وتداعيات شطب شعب ووطن من الخارطة الكونية، والجدل مع العرب والمسلمين وتبادل الاتهامات والضغوط والمقاطعة، أخذت مسارات مختلفة، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر والتي فجرت الغضب في كل الاتجاهات. فأمريكا اعتبرتها إهانة لقوتها وعظمتها واعتداءً سافراً عليها دفع الثمن الشعب الأفغاني، ولا تزال الصورة غير طبيعية في العلاقات الشعبية وليست الحكومية، وهي صيغة لم تبدأ مع الأحداث الأخيرة، وإنما اعتبار إسرائيل سفارتها الكبرى في الوطن العربي، أي أنها المحمية التي تعني أي اعتداء عليها يجر أمريكا لحرب مع أي جهة كانت، وقطعاً لا يمكنك تحدي المشاعر الشعبية، ولعل الاجماع على وضعها في لائحة الأعداء جاء من مختلف الفصائل والأحزاب إسلامية كانت أو راديكالية قومية، أو ليبرالية، والسبب أنها تعاملت مع الحكومات بفرضية الإملاءات والضغوط، ولم تدرك أن الشعوب هي من تقرر الصداقات والعداوات. السياسة أياً كان مصدر قوة من يتعامل معها، ليست بريئة عن حالات الاحتقان، لأن التعامل المستمر بصيغة التعالي، فرض أن تكون الشيوعية منطلق الشعوب المغلوبة في وجه الرأسمالية العالمية، حتى أنها هددت معاقل دول أوروبا الرئيسية في بريطانيا وايطاليا وفرنسا وغيرها، ومبدأ الظلم أياً كان منشؤه، هو من زاد الانفجار وتعدد وتنامي الكراهيات والعداوات، والإنسان مخلوق حر قبل إنشاء الدساتير والقوانين ويظل حراً في الزمن الراهن بحق دفاعه عن وجوده ومقدساته.