القاموس الإسرائيلي مليء بالمصطلحات.. والإسرائيليون هم الخريجون النوابغ لمدرسة الميكيافيلية التي تتيح استخدام مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.. بل انهم فاقوا ما توصل إليه عقل المفكر الإيطالي الشهير.. بابتكار طرق ووسائل تؤدي إلي مكاسب إضافية.. لا يحرصون على اخفائها خلال رحلة العودة إلى أرض الميعاد.. ولا مانع من التزوير ومحاولة تغيير حقائق التاريخ.. وافساد العلاقة بين الشعوب.. وبل واعتماد تراشق الألفاظ وحتى تراشق السلاح يحتمون دائماً من العواصف والزوابع التي يثيرونها بالانزواء والانغلاق داخل أحياء خاصة بهم "الجيتو".. يخرجون منها في شعارات ذات أغراض يحددها كبار الحاخامات الذين ربطوا الدين بالسياسة.. وحولوا التوسع والاحتلال والعدوان إلى عقيدة يغرسونها في أعماق اليهود العاديين.. وينشؤون المعسكرات السرية للأعداد.. واتخاذ القرارات وهي السلوكيات التي أمدت الأحزاب المتطرفة والدينية بمناهجها وتطلعاتها وأوصلتنا الآن للتعامل مع حكومة يمينية متطرفة.. وهوما نلمحه في تكليف الرئيس الإسرائيلي لحزب الليكود "اليميني" بتشكيل الحكومة عقب الانتخابات الأخيرة رغم حصوله على المركز الثاني في الانتخابات.. وكان من الطبيعي بعد رفض كاديما كعكة حكومة الوحدة الوطنية.. ان توزع الحقائب الوزارية على أحزاب واضحة الكراهية للعرب والمسلمين.. لا تعتمد حل الدولتين.. ولا تريد أو توافق على اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.. حكومة تعود بالقضية إلى المواقف الإسرائيلية المتعصبة والمتشبثة بعد عدوان 1967 . والمتتبع للتار يخ العلني والسري لإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين يلمح بوضوح سلوكيات اللعب على الحبال بين القوى العالمية في مختلف مراحل التاريخ الحديث.. منذ أن كانت الكلمة العليا للدولة العثمانية في الاستانة والتسلل إلى مطبخ اصدار القرار بإعلان اليهود لإسلامهم طمعاً في مراكز وزارية عليا تساعدهم على تحقيق الحلم والغاء فكرة النزوح إلى جنوب افريقيا "بلاد الماس وجامعة العنصرية" وحتى نزول الولاياتالمتحدة الفتية إلى ساحة العالم.. لتساعد الغرب لدحر أحلام هتلر وحلفائه في النمسا خصوصاً.. وإلى سقوط الشيوعية في أواخر القرن الماضي لتصبح الرأسمالية هي تاج العصر.. تريد الولاياتالمتحدة القوة الأعظم والتي بزغت امبراطوريتها للسيطرة على الشأن العالمي تحت شعار الحرية والديمقراطية.. لقد حرص زعماء اليهود على تنفيذ سياسة تبادل المواقع.. والعمل في قلب منطقة الوثائق المقدسة.. فكان منهم الشيوعي المناضل الذي ترسم كتبه وخطاباته ملامح الجنة على الأرض وأيضا الرأسمالي الفاضل الذي يستخرج الأدلة والارهاصات.. بأن الرأسمالية هي الحل.. وان حرية التجارة والصناعة والنشاط الاقتصادي الكفيلة وحدها باستثمار عادل لثروات وموارد العالم.. تفيض ثمارها على البشرية.. وانه لابد من التحرر الاقتصادي مواكباً للحريات السياسية.. وكانت الشعوب في أوروبا الشرقية تحت الستار الحديدي.. هي المقدمة التي اندفعت لتحطيم كل القيود.. وعادت الوحدة الألمانية بقوة.. مما عجل بسقوط الشيوعية.. وانضمت دول الشرق إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.. وطويت حقبة الشيوعية أو الاشتراكية في طي النسيان لولا ان انفجرت مع نهاية العام الماضي الأزمة المالية العالمية من قلب الولاياتالمتحدة ذاتها.. وأفصحت الشعوب عن أمنيتها ورغبتها في نظام عالمي متعدد الأطراف.. وأكثر عدالة في الحقوق والواجبات والمسئولية.. ولم يتقاعس أصحاب القرار داخل المنظمة اليهودية عن استثمار كل ما يقع تحت أيديهم من أحداث وحوادث لتحقيق المزيد من البناء بجيتو العنصرية والتمييز والعنف والتفرقة باسم الدين.. منذ أعلنوا خطتهم في بازل لإعلان الدولة اليهودية خلال مائة عام وحتى الآن.. انهم يحتفظون بهذه الأحداث الكبرى للابتزاز واشاعة الخوف بين الآخرين.. ولا يدعون أياً منها يصل إلى النهاية الطبيعية بالموت.. ولنضرب مثلا بمحرقة الهولوكست التي نفذها النازي بأمر من هتلر خلال الحرب العالمية الثانية.. والتي تطارد إسرائيل المفكرين الذين يجرؤون على التشكيك في حدوثها أو أهدافها.. يقولون انها استوعبت ما يقرب من 6 ملايين يهودي.. وحولوا موقع المعسكرات التي حدثت فيها إلى متاحف ومزارات شعبية.. وحائط مبكى على الأرض الأوروبية.. استثمرته الوكالة اليهودية والمؤتمر اليهودي ثم دولة إسرائيل بعد قيامها بقرار من الأممالمتحدة في منتصف مايو ..1948 لابتزاز الحكومة الألمانية.. وتعقب رجال النازي في مخابئهم.. لمحاكمتهم على أرض إسرائيل وفرض التعويضات ولازالت تستثمرها كعلاقة تؤكد تعرض اليهود للعنصرية.. كالعلامات التي كان جنود النازي يصنعونها في أيادي وأجسام المعتقلين.. وفي حين ان من يزور معسكر بوخنقان الواقع في الجزء الشرقي من ألمانيا.. يجد أعلاماً أخرى مرفوعة من بلاد ضحايا آخرين تعرضوا لنفس الظروف.. وبمجرد حديث الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أمام مؤتمر دربان 2 في جنيف مؤخراً.. واتهامه إسرائيل بالعنصرية.. لم تكتف حكومة إسرائيل بما قامت به من ضغط لانسحاب العديد من الدول ودعوتها الرئيس السويسري لعدم استقبال نجاد.. بل أخرجت من الأدراج ذكرى محرقة الهولوكست واحتفلت بها في القدسوألمانيا.. وكلفت رئيس الكنيست بمهمة عاجلة للاتصال ببرلمانات العالم ومعاقبة.. أدولف هتلر الثاني.. وعدم التزام الصمت عن هتلر 2009 الذي يشكل تهديداً للجميع.. ولكن التحرك الإسرائيلي هذه المرة.. لم يكن صائباً.. إذ تلقف الخطاب د. أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب.. ليكشف بقوة.. عدة حقائق مهمة.. أولها ان الهولوكست وقعت على يد أوروبيين باعتراف الأوروبيين أنفسهم لكن ماذا عن الجرائم المماثلة والتصفية العرقية والابادة الجماعية للمواطنين الأبرياء العزل بدعوى مقاومة الإرهاب.. وذكر سرور رئيس الكنيست بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعوب العربية والشعب الفلسطيني.. وهي كثيرة سواء في الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد العرب.. عند تأسيسها وطرد الفلسطينيين من أراضيهم ليصبحوا لاجئين في دول العالم.. مروراً بمذبحة بحر البقر ضد التلاميذ الصغار في مصر.. وصبرا وشاتيلا ودير ياسين وقانا 1 و2 في لبنان وليس آخراً مذبحة غزة في ديسمبر الماضي والتي قتل فيها 4 آلاف فلسطيني على الأقل باستخدام الفوسفور الأبيض.. وبينما يطالب العالم بتقديم المسؤولين عنها إلى محاكم حرب.. تحاول إسرائيل تبرئتهم وترفض لجان تقصي الحقائق.. بل انها تنعم عليهم بالأوسمة والمراكز والمزارع الخاصة.. وبالمنطق السليم طلب د. سرور من رئيس الكنيست التوجه بجهوده إلى الطريق السليم.. والتشجيع على قطع خطوات واسعة نحو ارساء السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط وأن يكون عام 2009 هو عام السلام.. وأضاف: انه بالسلام يعم التسامح واحترام الآخر ويزول الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام.. بالسلام تتوقف شلالات الدم المتدفقة منذ أكثر من 50 عاماً لكي نزرع في مكانها زهور الحب والتفاؤل والاحترام المتبادل.. بالسلام يتجدد الأمل في مستقبل آمن لأبنائها. * * لكن هل تتخلى إسرائيل عن استخدام ما لديها من أوراق ومن بينها المحرقة.. لا نعتقد ذلك لأن أساس السلوك الإسرائيلي تجاه الآخرين وهو اعتماد الابتزاز والاغراءات وافتئات الحقيقة واستهلاك الوقت لن يتغير.. وكذلك لن تتغير دعاياتها التي تعتمد على التبديل والتغيير في ملامح الصورة.. وقلب الحقائق.. وعلى سبيل المثال عندما استلت "القول العربي بالإلقاء بالبحر" عجلة مضادة ملخصها اعطني دولاراً أقتل لك عربياً.. وقبل عدوانها على الأراضي العربية عام 1967 كانت ملايين الرسائل قد خرجت من إسرائيل إلى أوروبا وأمريكا.. تحمل وجوه الأطفال الأبرياء.. وتطلب العون لحمايتهم من الشياطين والأشرار العرب.. وكلنا نذكر تعاملها مع الأسرى وسكان المناطق المحتلة والاعتقالات بالآلاف والتي شملت وزراء ونواب فلسطينيين.. أجبرتهم على ارتداء الملابس البرتقالية لمعتقلي جوانتانامو.. حتى عندما تقطع خطوة على طريق السلام.. مثلما حدث في اتفاقية أوسلو التي عاد بمقتضاها الزعيم التاريخي ياسر عرفات ورجاله إلي رام الله وأريحا.. فقد بادر شيمون بيريز الذي كان يعمل وزيراً للخارجية خلالها.. تسويق الاتفاقية.. لاسقاط حواجز متعددة أقامتها دول العالم ضد الاعتراف بإسرائيل والتبادل الدبلوماسي معها.. ولم يكتف بذلك بل نجح في تسويق صفقات سلاح لنظام الدفاع الصاروخي.. لتشتريها الهند وباكستان والصين.. وهم للأسف يمتلكون مساحة للتضليل عند تعاملهم مع العالم.. لا يرون الصورة أبيض وأسود كما نراها نحن بل يرجعون بها إلى الأصل العلمي حتى تتكون الصورة من مجموعة حبيبات سوداء.. تصل إلى الرمادي والأبيض.. وتزيد إلى الأسود.. وهذا ما صنعوه مؤخراً في مؤتمر دربان ..2 وأثاروا ضجة لم تتوقف أثناء اجتماعات التحضير للتقرير والبيان الختامي ولم ينسوا أبدا ما حدث في ديربان 1 من مظاهرات واحتجاجات صاخبة ضد السلوكيات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.. ونجحوا ألا يتضمن البيان الختامي اتهاماً أحادياً لإسرائيل بالعنصرية.. وان كان قد أدان أشكال العنصرية ومعاداة الأجانب.. ولم ينس معاداة السامية.. واعتبر الجميع ان الوصول لبيان ختامي بالاجماع.. انتصار للذين يحاربون العنصرية.. وازدراء الأديان.. ودعوة لهم لمواصلة الطريق وعدم تحول المؤتمر عن هدفه الأصيل كاختبار لمصداقية الأممالمتحدة.. في غياب الدول التي قاطعته.. وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة.. وإيطاليا والتشيك.. وبالطبع إسرائيل.. التي لها خطابها ووسائلها الخاصة. الجمهورية المصرية