لا يزال العداء للإسلام يستحكم في نفوس البعض ومن أمثلته المعاصرة ما ظهر على حافلات في مدينة نيويوركالأمريكية من إعلانات عنصرية معادية للمسلمين، وتدعو – بواسطة إعلانات مدفوعة الأجر - إلي ترك الإسلام حيث ذكرت محطة CNN الأمريكية أن هذه الإعلانات، التي ترعاها منظمة تطلق على نفسها اسم "أوقفوا أسلمه أمريكا" ، تعمل بصورة مباشرة على استهداف متصفحي موقع على الإنترنت، ويبحثون عن موارد ومصادر لحمايتهم من الأذى. وقالت زعيمة المنظمة، باميلا غيلر: “على المسلمين الملتزمين الذين يجدون هذه الإعلانات عدائية، أن يتجاهلوها.. فهي ليست موجهة إليهم”. وتعمل منظمة "أوقفوا أسلمه أمريكا"، التي يتم تمويلها عن طريق اشتراك القراء في الموقع على الإنترنت، على تشكيل تجمع ضاغط لوقف بناء مسجد يزمع بناؤه قرب موقع مركز التجارة العالمي، الذي استهدف خلال هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م. كير تدين الحملة واعتبر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير" أن هذه الإعلانات ليست سوى محاولة للتحريض على الإسلام، وقالت فايزة علي، مديرة شئون الجالية في كير، في بيان لها: "أعداء لإسلام معروفون بأساليبهم الرخيصة التي تسعى إلى تهميش المسلمين الأمريكيين وتقسيم المجتمعات. باميلا غيلر تستخدم الأساليب نفسها التي تستخدمها شركات التبغ والدخان، فهي تخفي الطبيعة السرطانية لأعمالها وراء شاشة دخانية لقلق مختلق، وهي حرة في قول ما تريد، تمامًا كما من حق أفراد المجتمع القلقين حرية انتقاد أساليبها ودوافعها. اليمين المتطرف وفي دراسة للكاتب ضياء بخيت أوضح أن غلاة المحافظين الجدد ومن تبعهم من المعادين للإسلام، يروجون هذه الأيام لمصطلح جديد الغرض منه تزييف صورة الإسلام وتشويهها أكثر وهو مصطلح "الإسلام الفاشي" وهو كفيل ببث الرعب في نفوس الأمريكيين خاصة والغرب عامة لأنه يصور الإسلاميين على أنهم فاشيون جدد، وبالتالي يربط الإسلام بالفاشية في أذهانهم. ووفق الدراسة فان هناك حربا عدائية ضد الإسلام من المتحزبين الغربيين حيث يصور روبرت سبنسر – صاحب موقع " جهاد ووتش" وهو يهودي متطرف الإسلام على أنه "دين يميل للعنف بطبيعته ويمثل تهديدا للسلام العالمي". وتصف احدي التعليقات علي موقع "Jihad Watch" - المسلمين بأنهم مثل الحيوانات قائلة: "لو أراد التلاميذ أن يتعرفوا على الثقافة الإسلامية، فما عليهم إلا أن ينظموا رحلة ميدانية بسيطة لحديقة الحيوانات بالمدينة." ويري بعض علماء الإسلام مفكروه أن حالة التعصب التي ظهرت في الغرب وليدة الخوف من العنف الإسلامي، فضلا عن تنامي تيار اليمين المسيحي الغربي، ومن ثم لا يجب أن نعتبر هذه ظاهرة غربية كاملة، فالتعصب في الغرب مهما تبدو أشكاله وألوانه، إلا أن المسلمين هناك يعيشون في مأمن، والخوف من الإسلام هو خوف من التعصب والإرهاب، بمثل خوف المسلمين من تشويه دينهم أو أن يوصف بالعنف والإرهاب، وكما أن هناك تعصب من بعض المسلمين وسوء فهمهم للدين فهناك عصبية غربية ضد الإسلام وخوف من انتشاره ومن ثم لابد أن يكون هناك حوار وتبني مبادرات للتفاعل بين الحضارات حتى لا يكون الدين سبب في الفصل والخصام بين الشعوب والحضارات. دعوات عاقلة وتعليقاً على هذا الأمر يؤكد الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية علي أهمية الوعي بما يحدث، وأن يكون هناك تقييم موضوعي لحملات التشويه حتى لا تقع حروب دينية مثلما كان في العصور السابقة، ويؤكد علي أن التعصب موجود في كل الأزمان ويجب أن تتاح الفرصة للجميع للتعايش خاصة في دولة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تتغني بالديمقراطية، وأن تسن قوانين عالمية تمنع ازدراء الأديان أو الحث علي كراهيتها من نفس المنطلق الذي يشرعه الإسلام "لكم دينكم ولي دين" معتبراً أن محاربة التعصب في أي دين أو أي ثقافة أصبح واجباً، خاصة في ظل النمو المطرد للعقل الإنساني وأن هذا العقل بمنطقه يفرض احترام الأديان وعدم المساس بها، وأن تتاح لكل إنسان حرية اختيار معتنقه وديانته. ويقول عويس: بالرغم من وجود موجات متعصبة فإن هناك دعوات عاقلة للتفاهم الحضاري، ومبادرة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان إحدى هذه المبادرات التي تستوجب الاهتمام، وأن يبني عليها عالمياً وأن تتكرر مثل هذه المبادرات لتخفيف حدة الاحتقان بين أتباع الأديان، خاصة أن الإسلام تعرض لحملات تشويه مغلوطة عبر التاريخ، ونحن لا نطالب الآخر بالدخول فليه ولكن باحترامه ودراسته، وأن يسعي المفكرون لإنهاء حالة الخوف المتصاعدة من الإسلام في السنوات الأخيرة. ألوان من التعصب من جانبه يري المستشار عبد العاطي الشافعي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عدة أسباب تقف وراء العداء للإسلام في الغرب حيث تتعدّد مرامي حمى التشويه و"الإسلاموفوبيا" المتصاعدة في الغرب حالياً، ويقول: هناك المعبِّرون أساساً عن قناعات سلبية متأصلة في أعماقهم تنظر إلى الإسلام نظرة متعصِّبة تفيض بالتحامل، ويلجأ هؤلاء إلى إذكاء حمى التشويه و"الإسلاموفوبيا" انسجاماً مع توجّهاتهم تلك. وهناك العنصريون الذين يجدون في حمى العداء للإسلام وممارسة التشويه والتحريض بحق المسلمين ملاذاً آمناً لهم، طالما أنّ هذه العنصرية الانتقائية أقلّ كلفة وأكثر رواجاً من النهج العنصري التقليدي الذي يتراجع في خطاب كراهية الأجانب والذي يحجم مثلاً عن التعبير عن كراهية اليهود الذين استهدفهم التشويه والتعصّب طويلاً في عهود سالفة، وكذلك الغجر وعدد من الأقليات في بعض بلدان أوروبا. واعترض الشافعى على ما يفعله الراغبون في تضييق الخناق على الحريات العامة والشخصية، وتقليص حقوق الإنسان وممارسة الإقصاء والتهميش المجتمعي والمنهمكون في إذكاء التعصب الديني للمسيحية في مجتمعات علمانية، وذلك بجعل الجدل المتعلق بالإسلام وإثارة المخاوف من المسلمين هو قضية الساعة؛ ما قد يؤدي إلى ردود أفعال من قبيل التمترس ب"الهوية المسيحية" وربما إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإعادة إنتاج تجارب تاريخية بائدة. كما أدان العاملين بدأب على عزل المسلمين عن السياق المجتمعي الأوروبي، وتقويض مساعي المشاركة والاندماج الإيجابي التي يقوم بها المسلمون، بها وقطع الطريق على التواصل الإيجابي بين مكوِّنات المجتمع ألتعددي. وإزاء هذه الحالات يؤكد الشافعي علي ضرورة التواصل والحوار، فلا غنى عنهما لاحتواء نزعات التحريض والتشويه، التي ترمي إلى عزل المسلمين ودينهم عن المشهد العام التعددى في الغرب. كذلك لابد من محاربة الفكر الإسلامي المغلوط حتى نقدم الإسلام دائما علي انه دين حضاري ينتقد من داخله ويفسح المجال للنقد الذاتي وأنه لا قداسة في الإسلام إلا للنص سواء كان قرآناً أو حديثاً وأن باب الاجتهاد مفتوح ومن ثم يعكس المسلمون صورة دينهم الحضارية. ويؤكد المستشار الشافعي علي ضرورة قطع الطريق على محاولات الإقصاء ويقول: تمكين محاولات التحريض والتشويه من قطع وشائج الصلة بين المسلمين وغير المسلمين، أو تغييب دور المسلمين الإيجابي والفاعل في مجتمعهم ودولتهم؛ هو خطأ جسيم ينبغي الحذر منه. العمل الجماعي من جانبه يؤكد الدكتور محمد أبو ليلة رئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الانجليزية بالأزهر علي ضرورة العمل الجماعي لمواجهة حملات التشويه ضد الإسلام وأن يكون للمسلمين موقف واضح ضد محاولات الإساءة للإسلام وهو نفس الدور الذي ينبغي أن يكون في تصحيح صورة الإسلام المغلوطة لدي أبناء الإسلام أنفسهم وتأكيد منهج الوسطية الإسلامية لأن ذلك يساعد كثيراً في تقديم مفهوم وسط للإسلام يكون قابلاً للفهم والإقناع. وذلك من خلال التعريف بالحقائق الناصعة رداً على التشويه فمسلسل الإساءات المتكرِّرة للرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، يبرز أهمية إيلاء عناية فائقة، للتعريف بشخصية النبي صلى الله عليه وسلم، وبالرسالة التي جاء بها من عند الله جلّ وعلا. ولا يخفى ما عبّرت عنه المجتمعات الأوروبية من رغبة جامحة في الفهم والتعرّف على الإسلام والثقافة الإسلامية إثر أزمات السنوات الماضية، وهو ما يقتضي توفير أعمال مقروءة وبرامج إعلامية وثقافية تتجاوب مع ذلك بشكل رشيد ومثمر فلابد من تطوير آليات التعريف بالإسلام واغتنام الشغف المتعاظم في التعرف على هذا الدين والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو أحد الاستجابات الأساسية الهامة لتحدي التشويه و"الإسلاموفوبيا.