سألني الابن العزيز الأستاذ/ حسين بن محمد بافقيه، عن قصيدة الأستاذ الشاعر الكبير/ حمزة شحاتة - رحمه الله -، (الليل والشاعر)، وهي قصيدة من قلائد القصائد التي ترقى في جودتها إلى قصائد الشعراء الكبار، ممن يكتب الشعر العمودي المقفى البديع، وكان سؤال الابن حسين بافقيه، عن وزن قصيدة شاعرنا الكبير/ حمزة شحاتة، بعدما قرأها، ورأى أن في أبياتها خللاً عروضياً، وأخذ يقرأ عليْ القصيدة، فطمأنته وقلت له، إني لم أجد في القصيدة المذكورة، أي خطأ عروضي، وهل يخطئ شاعرنا الكبير (حمزة شحاتة) رحمه الله، في العروض. وقصيدة أستاذنا الكبير، كتبها من البحر السريع، والبحر السريع، من أقدم أبحر الشعر العربي، ولكنه بحر أحجم عنه الكثير من الشعراء قديماً وحديثاً وتجنَّبوه، ومن يقرأ القصائد التي كتبها بعض الشعراء من البحر السريع، يجد قارئها اضطراباً في موسيقاها، وأي قارئ له ذوق حسن للشعر، كالابن حسين بافقيه، يقف أمام قصائد البحر السريع، حائراً متردداً، لأن أذنه لا تستريح لهذا الوزن، كما لا تستريح آذان أمثاله من المثقفين، ذوي الآذان الذين يميزون إيقاع الشعر العربي الفصيح، وللابن حسين بافقيه، حق بتردده، والبحر السريع يتألف من ست تفعيلات، ووزنه في الدائرة، يخالف وزنه المستعمل في الشعر العربي، فهو في الدائرة:- مستْفْعلنْ/ مستْفْعلنْ/ مفعولاتُ مستْفعلنْ/ مستْفعلنْ/ مفعولاتُ ولكنَّ البحر السريع، لم يكتبه الشعراء إلا هكذا:- مستْفعلنْ/ مستْفعلنْ/ فاعلنْ مستْفعلنْ/ مستْفعلنْ/ فاعلنْ وهذا هو وزن البحر السريع الذي تطرق إليه أكثر الشعراء إن لم يكن جميعهم، وهو وزن يميل إليه أكثر الشعراء، ويستريحون لموسيقاه، ثم يأتي وزن البحر السريع الذي تنتهي أبياته بوزن (فاعلانْ) ثم يأتي وزن البحر السريع الذي تنتهي أبياته بوزن (فعْلنْ) بتسكين العين، ويأتي نادراً ما جاءت عروضه، وجاء ضربه (فعَلنْ) بتحريك العين... والبحر السريع من أقدم أبحر الشعر العربي، إلا لأنه لم يُرْوَ منه إلا القليل، لأن الشعراء لم يميلوا إليه، ولم يستسيغوه، إلا من كان شاعراً، مذلّلاً له القول، ممهَّداً له الصواب، مسخّراً له الشعر، ولم اقرأ للشعراء المعاصرين، شعراً من البحر السريع، إلا لشعراء قليلين، ممن كان شاعراً يشار إليه بالبنان، كالشاعر الكبير (حمزة شحاتة) الذي كتب قصيدته (الليل والشاعر) وأخذ يتدفّق فيها حتى بلغتْ أبياتها واحداً وتسعين بيتاً، وكانت قصيدته، قصيدة عصماء، عجز الكثيرون من الشعراء أن يأتوا بمثلها، ورحم الله الشاعر المصري الكبير (صالح جودت) الذي شنَّف أذني بقصيدته العصماء المنشورة في (مجلة العربي) الكويتية، في عددها الصادر في شهر ذي القعدة، سنة 1387 للهجرة، الذي احتفظ به في مكتبتي الخاصة، ضمن أعدادها، منذ صدورها، وقد قمت بتجليدها تجليداً فاخراً، لدى المجلد العربي:- (سرور) رحمه الله، الذي يعرفه طلبة العلم، ويأتون إليه في سكنه العامر، في حي الأزهر، بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي، في أوائل العام الميلادي 1954... وقصيدة الشاعر (صالح جودت) من البحر السريع، من الضرب الثاني (فاعلنْ) مطويّ مكشوف، مثل عروضه، كقصيدة شاعرنا الكبير (حمزة شحاتة)، رحم الله الشاعرين الكبيرين، وقصيدة الشاعر الكبير صالح جودت (رحمه الله) وجَّهها إلى الشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي (رحمه الله)، وافتتحها بقوله:- لم ينفُرِ الوحْيُ ولم يَغْرُبِ عن قمة الإلْهام في يعْرُبِ من زعَم الشعْرَ انْتهى عهدُهُ كمْ جاء بعد المتنبيّ. نبي وهي قصيدة طويلة، بلغتْ أبياتها سبعة وأربعين بيتاً، وقد جاء فيها قوله:- قُمْ يا أبا القاسمِ واسخرْ معي من قصة الحصْرِمِ والثعلَبِ من الأُلى سُدّتْ مزاميرُهمْ فأعرضوا عن شعرنا المطْرِبِ اضْحكْ من الشعْر الجديدِ الذي لم تَدْرِ من أُمّ لَه أوْ أبِ من الأٌلى اختلّتْ موازينُهم فاسْتبدلوا الميزانَ بالعقْربِ لَوَوْا عَمودَ الشعر حتى انْحنى وسار بين الناسِ كالأَحْدبِ مهلْهلِ الجرْس لقيط الجنَى لم يُنمَ للعُرْب ولم يُنْسَبِ فشطرةٌ تخْلُصُ في كلمةٍ وشطْرةٌ تمتطُّ كاللوْلَبِ وفكْرةٌ صفراءُ صينيةٌ وفكرةٌ حمْراءُ كالصقْلَبِ فما استقامَ الشكْلُ من عَوْرةٍ ولا خَلا المضمْونُ من مثْلبِ إنْ كانَ هذا شعْرُ أيامِنا فيا ضياعَ الشعْرِ في يَعْرُبِ وأقول، كما قال الشاعر صالح جودت (رحمه الله) (فيا ضياعَ الشعْرِ في يْعرُبِ). وللبحر السريع تشكيلات أخرى، لا داعي لذكرها، والبحر السريع هو أصل دائرة المشتبه، واستعمله الشعراء العرب، مكشوف العروض مطويّها، وموقوف الضرب مطوّيةُ، والمكشوف ما أسقط سابعه المتحرك، أُخذ من كشفْتُ الشيءَ، إذا زلتَ عنه الغطاء. وقال بعض العلماء:- مكسوف العروض (بالسين المهملة) فكأنه ذهب نورُه، والموقوف: ما أُسكن سابعه المتحرك، وله عروضان وستة أضرب. وتدخلُ حشو البحر السريع، الزحافات:- (الخبْن) و(الطيّ) و(الحبْل) بتسكين الباء، فتصبح (مسْتفعلِن) بالخبْن (مفَاعِلُن) وبالطي (مفْتعِلْن) وبالخبْل (فعَلن) والخبن فيه حسن، والطيَّ، صالح، والخبْل فيه قبيح.... وبيت الشعر من البحر السريع، يسمَّى وافياً، إذا استوفى جميع أجزائه، ولا يُسمَّى البحر السريع تاماً قط، وقد سمِّي بالبحر السريع لسرعته في الذوق والتقطيع. وللبحر السريع شواذ، فمن ذلك أن يأتي للعروض الثانية المخبولة المكشوفة (فعلِنْ) بتحريك العين، ضرب ثان: أصْلم (فعْلنْ) بتسكين العين، وهو ما يلتبس بخامس البحر الكامل، إذا أُضمرت أجزاؤهُ، كقصيدة الحارث بن حلّزة:- لمن الديار عفوْن بالحبْسِ آياتُها كمهارقِ الفُرْسِ فهذه القصيدة من خامس البحر الكامل، وليست من البحر السريع لأصْلم الضرب، وإنْ التبس أمرها على بعض المتأخرين من علماء العروض، لأن بعض أجزاء هذا البيت، جاء على (متَفاعِلنْ) بتحريك التاء،:- (لمن دديا) (ااا ه اا ه)، ويختلف آراء العروضيين في هذا النوع، فابن عبدربه، يعده من البحر السريع، وأما ابن عبَّاد، في كتابه (الإقناع) فيهُمله... وللمرقِّش الأكبر - بتشديد القاف وكسرها - قصيدة طويلة، جمع فيها بين الضربين، ففي القصيدة، واحد وعشرون بيتاً، أتت بعض أبياتها بضرب أصْلم، يقول المرقّش الأكبر:- هلْ بالديار أن تجيب صممْ لو كانَ رسْم ناطقاً كلَّمْ الدارُ قفْرٌ والرسومُ كما رقّشَ في ظهْرِ الأديمِ قلَمْ ديارُ أسماء التي تبلتْ قلبي فعيني ماؤها يَسْجُمْ النشرْ مسْكٌ والوجوه دنا نيرُ وأطرافُ البنانِ عنَمْ وتجمع هذه الأبيات الأربعة، نوعين من القافية، فالقافية (كلم) بتشديد اللام، وتسكين الميم، والقافية (يسْجُمْ) بتسكين السين والميم، من المتواتر، حيث يفصل بين ساكنيها متحرك واحد، والقافية (الأديم قلمْ) و(البنان عنمْ) من المتراكب، حيث يفصل بين ساكنيها ثلاث متحركات، وهذه لا ترد في الشعر العربي القديم أو الحديث، وفي هذه القصيدة، قصيدة المرقّش الأكبر، البيت:- ما ذنبنا في أنْ غزا ملكٌ من آل جَفْنة حازمٌ مُرْغمْ فقوله (نَةَ حازِمُنْ) ووزنها:- (ااا ه اا ه) (متَفاعِلنْ)، ومتى جاء في القصيدة (متَفاعلنْ) بتحريك التاء، كانت القصيدة من البحر الكامل، إلا إذا روينا:- (من آل جفْنةْ حازمُ)، بقلب التاء المربوطة هاء في الوصل، فيصير الجزء:- (مستفْعلن/ مستفْعلنْ)، وهذا يخالف رواية البيت الصحيحة، التي لا تغاير الفصحى، وللفائدة، فاسْم المرقّش الأكبر:- عوف بن سعد بن مالك، من قبيلة بكر بن وائل، والمرقِّش:- بكسر القاف المشددة، وهو لقب، لقّب به، لقوله:- الدارُ وحشٌ والرسومُ كما رقَّش في ظهْر الأديمِ قلمْ وهناك المرقش الأصغر، واسمه:- ربيعة بن سفيان بن سعد، وهو ابن أخ للمرقش الأكبر والمرقش الأصغر، عم طَرَفة بن العبد، الشاعر المعروف. ويقول علماء العروض وعلماء الأدب:- إن هذه القصيدة، ليست حسنة الروي، ولا متخيرة اللفظ، ولا لطيفة المعنى.. ويقول ابن قتيبة (رحمه الله):- ولا أعلم فيها شيئاً يُستحسن، إلاَّ قوله:- (النشرُ مسك) وأقول ومع ذلك، قال بعضهم:- ويستجاد منها قوله:- ليْسَ على طولِ الحياة نَدمْ ومنْ وراءِ المرْءِ لا يُعْلمْ وحدَّث أحدهم، قال:- كان مساور الوّراق، وحمَّاد عجرد، وحفص بن أبي بردة، مجتمعين، وكان حفص، مرمياً بالزندقة، وكان أعمشَ، أفْطسَ، أغْضفَ (مسترخي الأذنين كالكلب) قبيح الوجْه، فأخذ حفص بن أبي بردة، يعيب شعر المرقِّش ويلحّنه، فأقبل عليه حماد عجرد، وقال:- لقد كان في عينيك يا حفْص شاغلٌ وأنْفٍ كثيلِ العَوْد عمَّا تتبَّعُ تتبَّع لحْناً في كلام مرقِّشٍ ووجهُك مبني على اللحْن أجمعُ فأذنك إقواءُ وأنفك مكفأٌ وعيناك إيطاءٌ فأنت المرقعُ كثيل:- الثيل، بالكسر والفتح:- القضيب، والعوْد:- بفتح العين، الجمل المسنّ، والإقواء:- اختلاف حركة الرويّ، كأن تكون في آخر البيت كلمة (سعيد) مرفوعة، وفي آخر البيت الثاني، كلمة (معيد) مجرورة، والإكفاء:- هو أن يخالف الشاعر بين قوافيه، فيجعل بعضها طاءً، وبعضها صاداً، وبعضها دالاً والإيطاء:- إعادة كلمة الروي لفظاً ومعنى، والإبطاء له شروط في علم العروض. ويقول أبو هلال العسكري:- (وكان المفضَّل الضبي، يختار من الشعر ما يقل تداول الرواة له، ويكثر الغريب فيه، وهذا خطأ في الاختيار، لأن الغريب لم يكثر في كلام إلا أفسده، وفيه دلالة الاستكراه والتكلف). ويقول أبو هلال العسكري، في كتابه (الصناعتين):- «وقد قيل، اختيار الرجل قطعة من عقله، كما أن شعره قطعة من علمه، وما أكثر من وقع من علماء العربية، في هذه الرذيلة، منهم الأصمعي في اختياره قصيدة المرقش:- (هل بالديار)، ولا أعرف على أي وجْه صرَف اختياره لها، وما هي بمستقيمة الوزن، ولا موثقة الروي، ولا سلسة اللفظ، ولا جيدة السبك، ولا متلائمة النسيج». وحكى العتبي عن الأصمعي أنه كان يستحسن قول الشاعر:- ولو أُرسلت من حُبّ كِ مبهوتاً من الصينْ لو افيتك قبل الصبْ حِ أوْ حين تُصلّينْ وهما على ما تراهما من دناءة اللفظ، وخساسته، وقباحته. وأقول أنا كاتب هذه المقالة:- إن هذين البيتين، من شواذ البحر الهزَج، لأن ضرب هذين البيتين، ضرب مقْصور (مفاعيلْ) بتسكين اللام، ولم يأتِ من شواذ البحر الهزَج، إلا هذين البيتين، فالإمام الأصمعي، إذا روى هذين البيتين يرويهما من شواهد البحر الهزَج، ليوثق بهما، معلومة عروضية، لأن الأصمعي (رحمه الله) عالم بفن الشعر، وهو إمام فيه وفي اللغة وفي الاختيار، ومن أساتذته:- الخليل بن أحمد (رحمه الله)، استقدمه الخليفة/ هارون الرشيد، وعهد إليه بتأديب ولده. وهناك بيتان آخران شاذان، جاء ضرباهما مجزوءين مقصورين، روتهما كتب العروض، وهما:- وما ليثُ عرينٍ ذو أظافيرٍ وأسْنانْ أبوشِبْلينِ وثَّابُِ شديدُ البطْشِ غَرثانْ إلا أن الخليل بن أحمد (رحمه الله)، ينشد روي هذين البيتين بالإطلاق:- (وأسنانِ) و(غرثانُ) ينشدهما مقويين، أي باختلاف حركة الروي، لأنه (رحمه الله) لم يشر إلى هذا الضرب الشاذ، في البحر الهزَج. وأعود لأقول:- إن قصيدة الشاعر الكبير (حمزة شحاتة) (رحمه الله)، من الضرب الثاني:- مطويّ مكشوف، وعروضها مثله، يقول حمزة شحاتة (رحمه الله):- يا شاعرَ الكون وفنَّانهُ وعبقرياً صاغ ألْحانهُ وعاشقاً أَوطأَه قلبُه مخاطرَ الحبّ ونيرانَهُ وأقطّع البيت الثاني، هكذا:- وعاشقنْ اا ه اا ه مفاعلنْ مخبون أوطأهو ا ه ااا ه مفْتعلنْ مطوي قلْبهو ا ه اا ه فاعلنْ مطوية مكشوفة مخاطر لْ اا ه اا ه مفاعلنْ مخبون حبب وني ا ه ااا ه مفْتعلنْ مطوي رانهو ا ه اا ه فاعلنْ مطوي مكشوف ولجودة قصيدة الشاعر الكبير (حمزة شحاتة) رحمه الله، قرأت قصيدة أخرى للشاعر الكبير محمد حسن فقي (رحمه الله) يعارض فيها قصيدة (حمزة شحاتة)، يقول محمد حسن فقي (رحمه الله):- يا شاعراً أرسلَ ألحانَهُ فحرَّك القلْبَ وأشجانَهُ وعازفاً أضْحتْ مزاميُرهُ مفارحَ الكوْنِ وأحْزانَهُ قيثارةٌ لو خاطبتْ ميّتاً لقام ينضو عنه أكفانَهُ وهي قصيدة عصماء، كقصيدة شاعرنا الكبير (حمزة شحاتة)، وقد بلغت أبياتها سبعة وسبعين بيتاً، ولم أقرأ قصيدة طويلة من البحر السريع مثل قصيدة (حمزة شحاتة) إلاّ قصيدة ابن الرومي، التي بلغت أبياتها مئة وسبعة أبيات، وهي قصيدة وجّهها ابن الرومي إلى صديقه أبي شيبة بن الحاجب، وقد ذكر الحصري، في كتابه (جمع الجواهر) سبب هذه القصيدة، فقال:- «قال الناجم:- جلست مع ابن الرومي على باب داره، وقد قام من علة لحقتْه، فمر بنا ابن الحاجب، فقال لنا:- قوما عندي، نتحدث اليوم، وعندي من الطعام لا يضرك، فقال له الناجم:- امض، ونحن في أثرك، فمضى، ولحقناه، فحجب عنّا، وانصرفت وابن الرومي الذي غضب من ابن الحاجب، وغبتُ عنه في ذلك اليوم، ثم جئته، فوجدت بين يديه قصيدة طويلة جداً، أولها:- نحَّاك يا بنَ الحاجبِ الحاجبُ وأين ينجو منّيَ الهاربُ فعجبت من سرعة عمله، وقلت له:- أعزك الله، متى عملتها، قال لي:- الساعة، قلت له:- وأين مسوَّدتها، قال:- هي هذه، قلت:- وما فيها حرف أصلحته، قال لي:- قد استوتْ بديهتي وفكْرتي، فما أعمل شيئاً فأكاد أصلحه... وكانت القصيدة من البحر السريع، وقد بلغت أبياتها، كما قلت آنفاً، مئة وسبعة أبيات، ختمها بهذه الأبيات:- هذا مزاحٌ يا أخي كلهُ لشانئيك الشجَبُ الشاجبُ إنَّ الإخاءَ المصطفى كلَّهُ ليس له من غيره شائبُ أقْسمْتُ والحقُّ له فضْلُه إذا التقى المحتجُّ والشاغبُ إنَّك مما يجتنى المجتنى ولستَ مما يحطبُ الحاطبُ فاعْمرْ من النعماء في دولةٍ منصورةٍ ليْس لها غالبُ وسنعْمرُ من النعماء في دولتنا (المملكة العربية السعودية) المنصورة التي ليس لها غالب (بمشيئة الله) بقيادة مليكنا العادل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه-. ..وأعود إلى قصيدة الشاعر الكبير (حمزة شحاتة) - رحمه الله -، وهي القصيدة المنشورة في ديوانه المطبوع في سنة 1408 للهجرة على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر الكبير عبدالله الفيصل آل سعود - رحمه الله -، بتحقيق الدكتور بكري محمد شيح أمين، وللديوان مقدمتان، كتب إحداهما الأستاذان: محمد علي مغربي، وعبدالمجيد شبكشي (رحمهما الله) وكتب الأخرى خال بنات الشاعر/ حمزة شحاتة، الأستاذ عزيز ضياء (رحمه الله)، ومما يدعو إلى العجب، أن تتفشَّى الأخطاء المطبعية في الديوان وفي قصيدة (الليل والشاعر)، واقرأ معي هذا البيت:- قد ساير الماضي وأحداثَه فِكرهَ الآتي وبهْتانَهُ وهو بيت غير مسْتقيم وزنه، إلاَّ إذا جاء هكذا:- قد ساير الماضي وأحْداثَه فأنكر الآتي وبهتانَهُ وأقُطّعه هكذا:- قد سايرلْ اه اه ااه مسْتفْعلن سالم ماضي وأح اه اه ااه مسْتفْعلن سالم داثَهُو اه ااه فاعلن مطوية مكشوفة فأنْكرلْ ااه ااه مفاعلنْ مخبونْ آتي وبُهْ اه اه اا ه مستفْعلنْ سالم تَانَهُو اه اا ه فاعلن مطوي مكشوف وقد كُسر البيت من قبل المشرفين على طباعة الديوان، وجاء بيت آخر من القصيدة، هكذا:- أهديتُه النوْمَ رفيقاً به فقرَّ ساجي الطرْف وسْنانَهُ والصواب:- أن يكون الشطر الأول من البيت، هكذا:- أَهْدَتْ إليه النوْم رفْقاً به فقرَّ ساجي الطرف وسْنانَهُ لأن الشاعر/ حمزة شحاتة، يعرف جيداً أن الفعل (أهْدى) لا يتعدَّى إلى مفعوله إلاَّ بحرف الجر، والبيت يخاطب به (الأم) أم الطفل الذي (أنَّ) في حجرها.. وجاء بيت آخر من القصيدة، هكذا:- فاسبَقْ إلى الفتْك بمنْ خفْتَه تُردُّ على الظالم طُغْيانَهُ وهو بيت مكسور، والصواب:- أن يكون البيت، هكذا:- فاسبقْ إلى الفتْك بمنْ خفْتَهُ وأرْدُدْ على الظالم طغْيانَهُ وكلمة (تُردُّ) لا معنى لها.. وديوان الشاعر/ حمزة شحاتة، رحمه الله، قد لحقتْ بعض قصائده أخطاء مطبعية، وعروضية، فيسْتحسْنُ إعادة طباعة الديوان، تكريماً لشاعرنا الكبير الفذ (حمزة شحاتة) رحمه الله.. وأمتلك ديوانه خطياً، بقلم الشاعر المصري الكبير/ أحمد مخيمر (رحمه الله)، وقد قرأ الشاعر المصري (أحمد مخيمر) ديوان حمزة شحاتة عليه، في منزل شاعرنا الكبير (حمزة شحاتة) في القاهرة، حين كُفَّ بصره، والشاعر أحمد مخيمر، كما هو معروف، خطَّاط ماهر.. ولعلّ شاعرنا الكبير الأستاذ الدكتور/ عبدالعزيز محيي الدين خوجهْ، وزير الثقافة والإعلام، يصدر أمره بطباعة هذا الديوان، إلى الشاب الإداري النجاح، الأستاذ عطاالله الجعيد، رئيس النادي الأدبي بالطائف، وهو صديق الأدباء، والقريب إلى نفوسهم، وسيكون الأستاذ عطاالله الجعيد، له دور كبير (بمشيئة الله) في انتشال هذا النادي الكبير، من كبوته.. وأعود إلى البحر السريع، فأقول:- إن البحر السريع، كثيراً ما نرى شعراء التفعيلة، يستخدمون هذا البحر فيما يكتبون من شعر، ولكنهم ينتقلون من إيقاع السريع، إلى بحر آخر له إيقاع البحر السريع، كالبحر الرجز أو البحر الكامل، وأضرب مثلاً، بقصيدة الأستاذ الشاعر المبدع:- سعد الحميدين، حيث يقول من قصيدته:- (وتنتحر النقوش أحياناً):- (ما بال قومي كلمَّا حدَّقْتُ في دربي، تفتَّقت العيون لديهمو) وأقطّع ما قاله شاعرنا هكذا:- ما بال قوْ اه اه اا ه مسْتفْعلنْ سريع في كل ما اه اه اا ه مسْتفْعلنْ سريع حدَّدقْتُ في اه اه ااه مستفْعلنْ سريع دربي تفَتْ اه اه ااه مسْتفْعلنْ سريع تَقَت لْعيو اااه ااه متَفاعلنْ كامل نُ لديهمو ااا ه اا ه متفاعلنْ كامل والشعراء المعاصرون الذين يجيدون شعر التفعيلة، كالشاعر المبدع الأستاذ سعد الحميدين، يستخدمون التفعيلات المتقاربة في الجرس والإيقاع، لأن البيت في شعر التفعيلة، يتألف من شطر واحد، ليس فيه عروض، وإنما يهتمون بالضرْب فقط، فهم أحرار في شكل القصيدة، وأحرار أيضاً في اختيار ضروبها. واقرأ معي بعض ما جاء في قصيدة للشاعرة (نازك الملائكة) رحمها الله، تقول (نازك):- الليلُ ممتدُّ السكون إلى المدى لا شيء يقطعه سوى صوت بليدْ فإذا قطعنا ما كتبته الشاعرة (نازك الملائكة)، وجدناها قد جمعتْ بين الضرب الصحيح (متفاعلنْ) والضرب المذيّل (متفاعلان)، وهما من البحر الكامل. وهذا لا يجوز الجمع بينهما في العمودي.. وديوان الأستاذ الشاعر (سعد الحميدين)، يحتاج إلى نظرة من النُقَّاد، لأن شعره يتحرك دائماً في محيط الأوزان العربية المعروفة، وقد قرأت مقدمة الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن محمد الغذامي، وهي مقدمة جيدة، بيد أنه لم يتطرق إلى شيء مما ذكرته.. وإن وهب الله لي ملاءً من العمر، يؤنسني بنشاط وهمة (وأنا رجل في العقد التاسع من عمري) فسوف أوفي شعر التفعيلة حقه، وسأكتب عن هذا اللون من الشعر، وسأكتب عنه مفصلاً حتى تقر بما أكتبه عيون شعراء التفعيلة المبدعين، وعلى رأسهم الشاعر الأستاذ سعد الحميدين.