ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    أوروبا تُلدغ من جحر أفاعيها !    المرجع حسين الصدر ل«عكاظ»: ندعم تنامي العلاقات السعودية العراقية    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    رينارد يُبرر مشاركة سالم الدوسري ونواف العقيدي    دراغان: مشاركة سالم الدوسري فاجأتنا وكنّا مرهقين    أوسيك يحافظ على ألقابه ويبقى بطلاً للوزن الثقيل بلا منازع حاصداً 5 أحزمة تاريخية    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية في النواحي التشريعية والقانونية يقودها ولي العهد    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    القصيم تحقق توطين 80% من وظائف قطاع تقنية المعلومات    رحلة تفاعلية    المنتخب العراقي يتغلّب على اليمن في كأس الخليج 26    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية "أرويا"    المدينة المنورة: وجهة استثمارية رائدة تشهد نمواً متسارعاً    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    وزير الداخلية يبحث تعزيز التعاون الأمني ومكافحة تهريب المخدرات مع نظيره الكويتي    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    39955 طالبًا وطالبة يؤدون اختبار مسابقة "بيبراس موهبة 2024"    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    السعودية تستضيف غداً الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هكذا ينظم لا ماهكذا يكتب الشعر
د. العمري ل «العبادي»:
نشر في الرياض يوم 26 - 05 - 2005

أهدي إلي مؤخراً الأستاذ الأديب القدير علي بن حسن العبادي رئيس النادي الأدبي بالطائف كتابه الذي صدر عن النادي يحمل عنواناً شيقاً يستدعي رغبة القارئ، ويستحثها للمطالعة، ألا وهو كتاب «ما هكذا يكتب الشعر». إذ شنف الكتاب بإهداء لطيف بخط يده الجميل، وهو إهداء ينم عن روح شفيفة صنعتها التجربة وهذبها الأدب، وما ذاك إلا شأن أهل العلم.
ثم أطلعت أول ما أطلعت في الكتاب على مقدمة لمعالي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الخويطر، فألفيتها مقطوعة أدبية، وهذا دأبه فيما نقرأه له في صحافة أو مؤلفات، قلّ أن تجد أسلوبها وسلاستها عند كتابنا المعاصرين، فأسلوبه يذكرني بما نطالعه من رصانة في كتب السلف من أهل العلم، ومما آنست به في تلك المقدمة إلماحه إلى منزلة المؤلف، وأنه لا يعكر عليه ألا يصدّر اسمه بحرف (الدال) الذي كثر المتزوقون به على قلة من الأهلية في العلم والمعرفة، ولقد مني الأدب بأنصاف الأدباء والمتشاعرين الذين اكتظت بهم ساحة الأدب، وطغت كتاباتهم على صدور الصحف والمطبوعات، فلم يعد للفن الخالص مكاناً فيها إلا النزر الذي لا يكاد يذكر، وإن القارئ ليتصفح المطبوعة فلا يخرج منها بطائل، وما ذاك إلا لضعف الكُتاب، وقلة بضاعتهم في هذا الباب، وضعف بعض القائمين على تلك الملاحق، أو مجاملتهم للمحسوبين على الأدب، أو انعدام الذائقة الأدبية لدى كثير من المتوجهين للأدب، فما هم إلا كادّ لقريحته مرهق لها، أو متلق عسر عليه الأدب الأصيل فاستحسن المرذول، واستعذب الآجن، وناهيك بذلك مهلكة للأدب.
ولئن فات مؤلفنا حرف (الدال) فإنه لم تفته المعرفة، ولئن خلا اسمه من اللقب العلمي فإنه لم يخل صدره من العلم ذاته، ونعمت الخصلة هي، فلم يقصر مقامه عن مطاولة أساتذة الجامعة بغارب، والضرب معهم بطعن، وأعني منهم المتمكنين. فإني رأيت له قلماً سيالاً، وقولاً سياراً، وكيف لا وهو صاحب الخبرة والمراس، ولا أحسبه إلا ممن ينفق كثيراً من وقته في الإطلاع وتحصيل المعرفة، وهو كما قال عن نفسه: طالب علم.
ولقد حظي الكتاب بمقدمتين أخريين، أولاهما لأستاذنا المحقق الأديب الأستاذ الدكتور عياد الثبيتي، والأخرى للكاتب الأصيل الغيور على أمته الأستاذ محمد صلاح الدين، فازدان الكتاب وتحلى مطلعه.
ثم دلفت إلى الكتاب ذاته أطالعه صفحة بعد أخرى، وليس أمام المنصف أن يحيد عن القول بأهمية موضوع الكتاب، فهو موضوع يتحاماه المتخصصون أنفسهم، وينصرف عنه أرباب المهنة لعسر مادته، وشح بضاعة من اعتمد في هذا العلم على المزاولة ما لم يرفدها ذوق وموهبة، ويدفعها غيرة على التراث، وحب وإخلاص.
لقد رغب إليّ المؤلف القدير بأدبه ودماثة خلقه في أن ينضم قلمي إلى أقلام عدة عرضت للكتاب، ولو لم يكن منه طلب ورغبة إليّ في ذلك؛ لكان لزاماً علي أن أكتب عن الكتاب لما لموضوعه من مكانة عندي، وأهمية لصلته الوثيقة بأدبنا. ولقد أظهر الكتاب معرفة المؤلف بعلمي العروض والقافية، وإطلاعه على علم النحو، وهذا الكتاب الجيد يعد حسنة من حسنات النادي في باب المطبوعات.
والكتاب يمثل مجموعة مقالات نشرها المؤلف في بعض صحفنا كما بيّن هو في مقدمته، ولذلك لم يكن المؤلف ملزماً لنفسه بمنهج سوى جمع تلك المقالات، وإصدارها في كتاب كما هي مما تقتضيه أمانة النقل، فأخرجها في كتاب تضمن شيئاً من ردود من نقد شعرهم، ولقد تشرب فؤاد مؤلفنا حب العروض والإيقاع الشعري حتى لقد رأيته يتكلم عن بحر المتقارب، فتظهر تفعيلات ذلك البحر في تضاعيف كلامه، ولربما نتج بيت أو أكثر من تلك الجمل لو طرأ عليها تعديل يسير كما في الصفحة ذات الرقم (70) حيث يقول: (يخفف من ثقل هذه العروض على السامع، ويقضي على النغم الناشز فيها) فتسمع إيقاع المتقارب وهو يرتفع قائلاً:
يخفف من ثقل هذي العروض
ويقضي على النغم الناشز
إن أديبنا يكتب المقالة النثرية وصوت العروض يدندن في أذنه، وما ذاك إلا لتشربه إيقاعات هذا الفن الأصيل.
وليسمح لي الأستاذ القدير بهذه الملاحظات، وإني لأستشرف منه قبولاً واستحساناً لما عهدت فيه من خلق، وما يتحلى به من حلى أهل العلم. فإن أصبت فيما أذهب إليه فبها ونعمت، وإن جانب قولي الصواب فحسبي أني قد أحسنت القصد، واجتهدت في الإحسان، وانتظر منه جواباً لعله يطيب نفسا، وما العلم إلا أخذ وعطاء ومحاورة ومجادلة بالحسنى، فأقول وبالله التوفيق: أولى هذه الملاحظات ما يلي: في الصفحة ذات الرقم (4) حيث نجد الشطر التالي:
ويقتدي أمثالك الطيبين
وهو شطر بيت من قصيدة للأستاذ محمد الحميد، وقد بين المؤلف - فأحسن - أن القصيدة من السريع، وعروضه مطوية مكشوفة وضربة كذلك، ووزنه كالتالي:
مستفعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن مستفعلن فاعلن
غير أن المؤلف حين قوّم البيت قال:
كم يقتدي بك من طيب
وتقطيع البيت على هذا التقويم كالتالي
كم يقتدي بك من طيب
/5/5//5 ///5 /5//5
وهو مكسور أيضاً إذ تحول (مستفعلن) إلى (فَعِلُن)، ولا أعلم أن (فَعِلن) من فروع (مستفعلن). في هذا البحر أو في غيره.
الثانية: في الصفحة ذات الرقم (41) زعم المؤلف أن الفعل المضارع (يعطي) معطوف على المضارع (يهم)، في قوله:
في ساحة الشهم حليف الندى
من لم يهم بالمال بل يعطيه
وليس كذلك، فالمعروف أن (بل) إذا وليها جملة كانت حرف ابتداء لا حرف عطف، هذا هو المعتمد عند أهل العلم، أما تصويبه للبيت بإعادة صياغته فلا غبار عليه، لأن الجملة بعد (بل) ابتدائية، وفعلها مرفوع، فالإقواء باقٍ أيضاً، فلا بد من نصب المضارع حينئذ.
الثالثة: يقول المؤلف: إن البحر المتقارب ناشز النغم، لا تستسيغه الأذن، ثم عاد فذكر أن أحسنه وأجمله ما كان تام الضرب، ولست أنازع الأستاذ الفاضل فيما هو من خصوصية ذوقه ومستساغه، فهذا شأنه، لكنني أعجب منه وهو صاحب الأذن العروضية أن يقدّم التام العروض على المحذوف العروض فلعل أحداً يستحسن محذوف الضرب (فَعَل)، ولمؤلفنا أن يستمع إلى الخنساء في رثاء صخر وهي تقول:
ألا مال عينيك أم ما لها
لقد أخضل الدمع سربالها
وقول أبي العتاهية في قصيدته المشهورة التي جرّت عليه حسد بشار، وهي تستوحي نَفَس قصيدة الخنساء، حيث يقول:
ألا مال سيدتي مالها
أدلا فأحمل إدلالها
ولما بلغ الأبيات التي أولها:
أتته الخلافة منقادة
إليه تجرجر أذيالها
قال بشار - وقد اهتز لها طرباً: (ويحك يا أخا سليم! (يعني أشجع السلمي)، أترى الخليفة لم يطر عن فرشه طرباً لما يأتي به هذا الكوفي؟) والقصة وبعض القصيدة في الأغاني، أو ليقرأ مؤلفنا القصيدة المشهورة للشاعر الفلسطيني عبدالرحيم محمود ومطلعها:
بلادي سلمتِ روحي الفدا
وصوتي لصوتك رجع الصدى
وكأن الشاعر يستمع في داخله لأصداء قول الخنساء:
أعيني جودا ولا تجمدا
ألا تبكيان لصخر الندى
إنه وزن قديم جميل، وهو في قصيدة الخنساء، وعبدالرحيم، يصدر عن صدر شجي حزين، ويدعم الحماسة في قصيدة عبدالرحيم، أفلا يكون هذا الضرب أرفق بالأذن وأسوغ إليها من قوله:
وساقت لنا مذحج بالكلاب
مواليها كلها والصميما
فدرات رحنا بفرسانهم
فعانوا كأن لم يكونوا رميما
بل أزعم أن ما كان عروضه وضربه محذوفين فهو أجمل وأحسن موسيقى مما كان عروضه تاماً وضربه محذوفاً كقوله:
وكان لنا أصدقاء حماة
وأعداء سوء فلم يخلدوا
تساقوا جميعا كؤس الحمام
فمات الصديق ومات العدو
وكقول الشابي:
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
فإن تمام العروض يعتّر موسيقى البيت في أذن السامع، هذا ما أراه، ولكلّ رأيه. ولعل المؤلف الفاضل يوافقني في أن الشاعر قد يوفق إلى اختيار قافية طلقة منسجمة مع البحر ومع موضوع القصيدة، فتضفي على ذلك الوزن جمالاً، وتدعم روح القصيدة كما دعمت القافية الروح الشجية في داليتي الخنساء وعبدالرحيم.
الرابعة: في الصفحة ذات الرقم (72) أورد عبارة نصها: (رغبوا مني أن أظهر وأبين الحقيقة لذوي المعرفة) وفعل (رغب) يعدى بأحد حرفي الجر (في وعن) ويلزم إظهار الحرف ليتضح المعنى لأن أحدهما يعطي الفعل معنى ضد معناه مع صاحبه، وليست عبارة المؤلف من باب قوله تعالى: (وترغبون أن تنكحوهن) فإن الرغبة في الآية يراد بها الوجهان كلاهما: الرغبة في النكاح أو الرغبة عن النكاح، وهو التوجيه الذي يوافق معنى الآية ويجري على قاعدة النحو، كما أنه ليس في قول النحاة: (إن حرف الجر قد يحذف مع أن المصدرية) تصحيح لحذف أحدهما بعد ( رغب)، فإنه يستثنى الفعل (رغب) من هذا القول. فكان الصحيح أن يقال: رغبوا إليّ في أن أظهر وأبين... إلخ. أو رغبوا في إظهار الحقيقة.
الخامسة: في الصفحتين المرقومتين ب «74 و75» لم يشر إلى ما عُهِد من نقل «متفع لن» إلى «مفاعلن» و«فالاتن» إلى «مفعولن»، وأحسب أن كاتبنا لا يجهل هذا، وإنما أردت هنا تذكيره، وهو خريتها وابن بجدتها.
السادسة: ذكر المؤلف في الصفحة ذات الرقم (95) أن البحر البسيط أسهل الأوزان للشاعر الناشئ، وأخشى أن يكون مراده أنه مستباح الحمى، يتعلم عليه الناشئة وتطاله الألسن، ولا أحسبه يجهل أن النقاد والأدباء يعدونه ثاني اثنين أولهما الطويل، من جهة مكانتهما لدى كبار الشعراء، وما نظم عليهما من عظيم القصائد التي تضج بها دواوين فحول الشعراء وللكاتب القدير أن يراجع كلام الأديب المصقع عبدالله الطيب في المرشد، وليس الكاتب هنا ممن يرشد إلى المصدر فهو أحد مصادر كتابه.
السابعة: ورد في غير ما موضع من الكتاب تسمية الشعر العربي الأصيل بالشعر العمودي، وهي تسمية أحسبها جرت على ألسنة بعض من المحدثين من البلاد العربية الذين لا يولون التراث اهتماماً، وربما قُصد من ورائه عند أولئك التقليل من شأنه، لما في العمودية من معنى الجمود، الذي ينافي التجديد عندهم، فلو سميناه الشعر التراثي أو الأصيل، لكان أقرب، وقد أعجبني رأي للعقاد حول الشعر الحديث المنسلخ عن النظام الخليلي في العروض مع اعتماده على التفعيلة، حيث جرى لمعاصري العقاد تسمية هذا النوع بالشعر الحر، فكان يأبى أن يُكسى شعر التفعيلة هذه التسمية؛ ويرى أن الحرّ، هو الخاص من كل شيء، وكلامه ناظر لقول صاحب اللسان: (الحُرّ: كل شيء فاخر من شعر أو غيره) فلا تصح التسمية، لأن شعر التفعيلة ليس هو الشعر الخالص.
الثامنة: فيما يتصل بالأسلوب ورد في الصفحة ذات الرقم (176) قول: (وأعود إلى أبيات ابن الزيعري الذي بدأها بقوله...... الذي يقول فيها....) إلخ. فاستعمل المؤلف الاسم الموصول (الذي)، وقد كان ينبغي أن يستعمل (التي) في الموضعين، وأعلم أن لها وجهاً في النحو، لكن التفريق بين الاستعمالين قد يلتبس على كثير من الناس، ولربما عسر التفريق بين الاستعمالين، فلذلك أنبه هنا إلى شيء، وهو أن الكاتب حديثه ينصب على الأبيات لا الشاعر، لذا فإن الأبيات هي الأولى بالوصف بالموصول لا الشاعر لأن جلّ الحديث عن الأبيات، وهي مناطه، فإذا وجه الكاتب الصفة تجاه الشاعر كان مراده التنبيه إليه لا إلى أبياته، والذي يظهر أن الحديث هنا منصب على الأبيات أولاً وأن أعتُبر في الكلام، ولننظر إلى قوله تعالى: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها} (النمل 91) فظاهر الآية يقتضي أن تكون الصفة للبلدة لمصاقبتها لها فيكون الاسم الموصول المناسب في الآية هو (التي) (وهي قراءة لابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم) كما في البحر المحيط 8/276. إلا أنه لما كان مدار الحديث على العبادة والتوحيد كان الأنسب أن يكون الاسم الموصول واصفاً لرب البلدة لا للبلدة، وإن صح وصف البلدة، لذلك جاءت القراءة الأشهر بل المتواترة على هذا الوجه، الأقوى بلاغة، وهو الأنسب للكلام العالي، لأن الجدال كان حول العبادة ولمن تصرف، ومن يستحقها، فجاء الكلام المعجز على ما يناسب مقتضى الحال.
وهذه مسألة بلاغية تتصل بعلم المعاني النحوية، والتمييز فيها يدق ويغمض، فلا يُعنى بها إلا القليل.
التاسعة: في الصفحة ذات الرقم (196) يأخذ الكاتب على الشاعر الدكتور منصور الحازمي، نصب كلمة (موعداً)، في قوله:
كلمت، قال صاحبي
من ترى؟ قلت: موعداً
ويزعم أنه لا محل له من الإعراب، وقد رأيت معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر، نبه الكاتب إلى إعادة النظر في مأخذه، لأن للكلمة وجهاً في العربية، وشاهده من القرآن الكريم، ما ذكره المؤلف، وذكر أيضاً وجه ذلك. ولعل الذاكرة لم تخني إن زعمت أن الكاتب حين نشرها في صحيفة «الرياض» لم يذكر الآية، بل خطأ الشاعر، ثم استدرك على نفسه في الكتاب.
ثم إن من العرب من ينصب بعد القول بغير تقدير فعل محذوف على أن القول نفسه هو الناصب، أي أن مقول القول منصوب عندهم، وهم بنو سليم، وهذا ما نقله سيبويه عنهم، قال: (زعم أبو الخطاب - وسألته عنه غير مرة - أن ناساً من العرب يوثق بعربيتهم، وهم بنو سليم، يجعلون باب «قلت» أجمع مثل «ظننت» (الكتاب 1/124 بتحقيق عبدالسلام هارون). ولست أرى للشاعر أن يأتي من هذا الباب النادر. وإنما يلحق بيت الدكتور منصور بالآية وليس هذا الوجه من التمحل بل هو لغة عالية قوية.
العاشرة: في الصفحة ذات الرقم (200) ورد في السطر الثامن (أنّ) المفتوحة بعد (حيث) والصحيح أنها تكسر بعدها، وفي ذلك يقول الناظم رحمه الله:
وألزموا إضافة إلى الجمل
حيث وإذ.......البيت
فإضافتها إلى الجملة أوجبت أن تكون الجملة بعدها مبتدأة وهمزة (إن) مكسورة حينئذ، وأشار في التسهيل إلى ندرة إضافتها إلى مفرد، وذكر ابن عقيل في شرحه عليه عن البصريين أن ذلك نادر لا يقاس عليه. وأحسب أن كاتبنا ممن يتحرى الدقة والقياس ويتجنب الضعيف من الوجوه.
الحادية عشرة: في الصفحة ذات الرقم (226) ذكر المؤلف في الحاشية قول عبد يغوث الحارثي:
وتضحك مني شيخة عبشمية
كأن لم تري قبلي أسيرا يمانيا
وذكر شذوذه نحوياً على رواية إسناد الفعل (ترى) إلى ضمير الغائبة، إلا أن هناك رواية أخرى أسلم وأقوى، وأقرب إلى البلاغة، وأولى بقصيدة مثل تلك القصيدة الرائعة، وفيها إسناد الفعل (ترى) إلى المخاطبة، وذلك على طريقة الالتفات، ووجه ذلك أنه لما أخبر عن ضحك تلك المرأة العبشمية، حوّل الخطاب من الحديث عن غائب إلى الحديث عن مخاطب هو المرأة نفسها، وحرف التشبيه (كأن) من معانيه الحسبان والظن، فهو يخبرها بأن ضحكها منه لم يكن إلا حسباناً وظناً منه أنها لم تر قبله يمانياً مأسوراً. لقد حول الشاعر المبدع الخطاب إليها لينبهها من غفلتها حينما رأته فظنت ظناً وحسبت حسباناً أنها لم تر قبله رجلاً تلك صفته وتلك حالة، ولو ترى الكلام على ما صُدّر به من الحديث عن غائب، ولم يُحوّل إلى المخاطب التفاتاً، لم يظهر تشنيعه عليها لأن إخبار المخاطب بأمر وقع منه هو؛ فيه ازدراء له وتشنيع عليه ألاّ يعلم ما حدث منه.
إن الشاعر يدعوها إلى الاستيقاظ والتنبه من الغفلة التي جعلتها تظن ذلك الظن، وقد نزّلها الشاعر منزلة الجاهل الذي لا يعلم بحال نفسه، وهي أدنى منزلة من الجاهل بحال غيره، إن شاعرنا يريد أن يبين مدى انبهارها بهذا الأسير الذي ملك عليها إدراكها فظنت - ولم تعلم - أن ذلك الظن وذلك الحسبان وقع منها، وفيه تعظيم لنفسه وأن وقوع مثله في الأسر أمر جلل، جعلها تذهل عن نفسها. ولا يعارض ذلك أن يكون في البيت معنى، هو أنه أراد أن يقول: لست وحدي الذي أسر من بني قومي بل إن غيري قد أسر كذلك، فلا تثريب عليّ، بل فيه تلميح إلى أن أسر أولئك القوم أمر عجاب.
ولست هنا مخالفاً للمؤلف فيما جاء شاذاً عن القواعد والأصول النحوية (وهذا البيت ليس منها على هذه الرواية المفعمة بالإبداع)، بل أؤيده في ذلك، وإنما أردت بيان فائدة في البيت، وأنه لا يُلقى جانباً ويهمل، بل إن موضع الشذوذ الذي ذكره المؤلف هو موضع الحسن في البيت، متى ما نظر إلى الرواية الإبداعية المنقولة عن كتب التراث.
الثانية عشرة: في الصفحة ذات الرقم (257) في البيت الثالث من قصيدة الأستاذ حسين سرحان (رحمه الله).
وقف الدهر وقفة الطود قُدّا (م) مي هي وأمسيتُ قاب قوس حيالي
حيث ضبط آخر كلمة (أمسيت) بعلامة بناء هي الضمة على ضمير الرفع المحرك التاء، ليدل على المتكلم، والذي يقتضيه سياق البيت، أن يكون الضمير للمخاطب، وعلامة بناء هي الفتحة حينئذ، لأن السياق - كما بينا - يقتضي أن يكون المقصود بالبعد على رغم القرب هو المخاطب، هكذا عقلت البيت. بدليل البيت الذي يلعيه وهو قوله:
أي قرب؟ لكنه أبعد البع (م) د وأنأى من النجوم العوالي
ولعل هذا الخطأ يلحق بالأخطاء الطباعية. ثم إن كتابة الأبيات في الكتاب لم الناحية العروضية في الأبيات المدورة، وذلك في البيتين اللذين أوردناهما.
الثالثة عشرة: ذكر المؤلف في حاشية الصفحة ذات الرقم (266) رأي الخليل بن أحمد في سناد التوجيه، وسناد التوجيه عند العروضيين هو (أن يُسّبَق حرف الروي لمقيّد بفتحة في قافية بيت، وبضمة، أو بكسرة في قافية بيت آخر من القصيدة، سواء قل ذلك أو كثر في الأبيات) فإن الفتحة لا تتناسب مع الكسرة أو الضمة، فأما الضمة والكسرة فلا بأس أن تأتي قافية القصيدة دولة بينهما. وقد رأى الأستاذ العبادي (أن التبادل بين الكسرة والفتحة لا يحدث نشازاً في القصيدة)، وظني أن صوت الفتحة لا يتناسب في القافية مع الضمة أو الكسرة، وأن سناد التوجيه ينقص إيقاع القافية حسنه وسلاسته في الأذن، لأن الفتحة ذات صوت يبتعد كثيراً عن الكسرة والضمة، في حين أنهما - أعني الضمة والكسرة - لا تحدثان اضطراباً في مسار القافية إذا تقارضتا ما قبل الروي، ألا ترى أن سناد الحذو لا يقع بين الضمة والكسرة، وإنما يقع عند مجيء الفتحة مع أحدهما.
ويدل على ما ذكرناه أحكام الحركات الثلاث في الإعراب التقديري، حيث تشابهت أحكام الضمة والكسرة في كثير من مواضع ذلك الإعراب وفارقتهما الفتحة. وإنما يرجع ذلك إلى شدة الصلة بينهما باعتبار المخرج فإن شدة تقاربهما جعلهما متشابهتين
في الأحكام، وكذلك لو مددنا النظر قليلاً إلى الأحرف المشابهة في جنسها للحركات الثلاث أعني حروف العلة الثلاثة، وكيف تشابهت أحكام الياء والواو في باب الإعلال في علم الصرف، وفارقتهما الألف. والصلة بين الحروف الثلاثة والحركات الثلاث معلومة. فهل كان ذلك اعتباطاً من علماء العربية؟! أحسبك لست ممن يقول ذلك، لأنك تعلم أن تلك الأحكام مبنية على استقراء لغة القوم ووصفها وتقعيد أصولها، ولذلك فإن اختلاف ما بين الفتحة من جهة وبين الضمة والكسرة من جهة أخرى، إنما كان مبنياً على الذوق اللغوي.. فاللغة العربية لغة شاعرة في جميع مستويات الكلام. صوتاً وجرساً وبنية وتركيباً.
الرابعة عشرة: لكم أر المؤلف يعلل لبعض مواطن الكسر المتولدة من اللحن، كما في بيت الشاعر محمد صالح باخطمة، في الصفحة ذات الرقم (282) حيث يقول:
وغيوم حبلى بالأفراح
وتكاد لما تحملْ ترعدُ
إذ نتج الكسر عن تسكين المضارع (تحملُ)، ولو أعربه الشاعر فأظهر الحركة وهي الضمة لظهر الخلل. ولعل المؤلف اعتمد على الضبط والإشارة إلى اللغة في معرض التصويب، غير أنه قد جاء في قصيدة الأستاذ محمد الحميد التي أولها في الكتاب هنا:
أطربت سمارك والمعجبين
بسامر المعزف في تمنيه
في الصفحة ذات الرقم (38) ما هو أبين من ذلك إذ ذكر المؤلف الأبيات الستة للشاعر وقومها عروضياً ولم يبين سبب الخلل الذي اعتورها، إذ الخلل في تسكين عروض الأبيات الأربعة الأولى والسادس منها، وعدم جزم الخامس، لأن الشاعر قد استقام له الوزن مع هذا الخلل النحوي، وهنا يظهر للقارئ المتمعن صاحب الأذن العروضية كيف اختل الوزن؛ لأنه سيقرأ الأبيات على ما يفترض أن تكون عليه نحوياً، فيتبين هنالك اللحن. وكان ينبغي للمؤلف وهو ينقد الخلل العروضي أن يبين مثل هذه المواطن لشدة الصلة بين الخلل العروضي وعلم النحو، فإنه كثيراً ما يقع الخلل العروضي بسبب تقصي الصحة النحوية، ولربما يلحن الشاعر طلباً لسلامة الإيقاع وكلا الأمرين عيب في الشعر. بل قد يخرج الكلام عن كونه شعراً، لأن من الناس من يظن أن مثل هذه المآخذ النحوية من الضرورات المباحة للشاعر، ولكنها وإن كان بعضها غير ظاهر ظهوراً قوياً فإنها ليست من الضرورات الشعرية، فالضرورات كما بين المؤلف محسومة من قبل، وليس للشاعر المعاصر إلا الاقتداء ما دام يستعمل لغة القوم فإن التمسك بحدود الضرورات التي حددها علماء اللغة وأهل هذا الفن إنما هو احترام للغة وأخذ بأصول الفن.
الخامسة عشرة: أعجبني دعاءه لأعرابية قد أنبت الزمان على دمنتها دمناً، وذلك حين يدعو لها بقوله: (لا فض فوها).
السادسة عشرة: في الصفحة ذات الرقم (304) وقع لمؤلفنا خطأ كان قد أخذ مثله على الأستاذ محمد الحميد في الأبيات التي أشرنا إليها قريباً، وذلك أن المؤلف أصلح بيتاً للأستاذ يحيى المعلمي رحمه الله، في قصيدته التي ألقاها حينما كُرّم في حفل الجنادرية، وكان مخاطباً فيها الأمير عبدالله ولي العهد، حفظه الله. وقد أضاف المؤلف إلى البيت الذي قوّم أوده بيتاً آخر لم يخل من الكسر فوقع المؤلف في أخذه على غيره، والبيت يقول:
يا أميراً لك العلا والمفاخر
ولك المجد كابرا عن كابر
إذ وقع الكسر في عروض البيت وذلك بأن زاد على (فاعلاتن) في عروض البيت حرفاً متحركاً فأضحت التفعلية (/5//5//5) حيث تحول السبب الخفيف في عروض البيت إلى وتد مفروق، وليس هذا مما يزاد على (فاعلاتن) والمعلوم أن هذه التفعيلة قد يزاد على سببها حرف ساكن، فتصبح (فاعلاتان) وتحول إلى (فاعليّان) ويسمى (التسبيغ)، ولا أعلمه يقع إلا في باب الرمل في المربع منه. وذلك بأن يأتي عروضه سالماً وضربه مسبغاً كما يلي:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعليّان
وتقطيعه (/5//5/5) (/5//5/5) (/5//5/5) (/5//5/55)
مثل:
لأن حتى لو مشى الد (م) رُّعليه كاد يُدميه
وقوله
يا خليلي اربعا واس (م) تخبرا ربعا بعسفان
وقد اضطر المؤلف إلى ضبط البيت بتسكين آخر كلمة (المفاخر) كما هي مضبوطة في الكتاب، وذلك خطأ نحوي، ولا يسكن آخر البيت إلا أن يكون تصريعاً استهلت به القصيدة، وكون المؤلف أراد بالبيت استهلال قصيدة فهذا ما لا يدل عليه كلامه إذ إن هذا البيت الذي تبرع به للشاعر كان إتماماً لمعنى في البيت قبله حيث بيّن ذلك بقوله: (وقد أضفتُ بيتاً آخر على بيت المعلمي..). وبهذا فقد خالفه التوفيق بعد أن حالفه.
السابعة عشرة: ذكر المؤلف في الصفحة ذات الرقم (321) بيت الأستاذ الشريف محمد بن منصور آل عبدالله القائل:
أبا هند حسبتك لي صديقاً
تذود معي العدا والحاقدينا
ومأخذه على البيت هو أن فعل (تذود) فيه، يعدى بحرف الجر (عن) وهذا كلام لا بأس به، غير أن الذي وقع فيه المؤلف أنه ألزم الشاعر أن يأتي بحرف الجر مع الفاعل وكأن ذلك لازم. والحقيقة أن العربية لا تحجر على الشاعر، فله أن يحذف مثل هذا الحرف مع مجرود، كما أن له أن يحذف المفعول الأول ويبقي الجار والمجرور، وقد مثل المؤلف بقوله: ذاد عن وطنه، فحذف المفعول الأول وتقديره (الأعداء) أو نحوه، كما يصح أن يقال: ذاد الأعداء. وهذا الحذف حسب اقتضاء المقامات فإذا كان المذود عنه معلوماً حسن حذف المذود، والعكس بالعكس، وهناك مقتضيات أخرى لحذف كل منهما لا نطيل بالحديث عنها.
وبيت الشاعر الشريف لا غبار عليه من جهة النحو، فإن قوله (معي) يعرب حالاً (والعدا) مفعول أول للفعل (تذود)، و(الحاقدينا) معطوف عليه، والمفعول الثاني المعدي إليه بحرف الجر (عن) محذوف مع الجار، وأقرب تقدير هنا ما دل على عموم مثل (عنا)، فكأن الشاعر أراد أن يبين تعاضدك معه في ذود العدا والحاقدين عن جنابكما، لأن الصديق يضره ما يضر صديقه، وفيه من المعنى ما ليس في (تذود عني العدا والحاقدينا)، لأنه لو جعلك ذائداً عنه لأسقط منزلة نفسه، لأن الذائد أعلى وأقدر من المذود عنه، ألا ترى إلى الفرزدق كيف يفتخر بأنه هو الذائد دون غيره إذ يقول:
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
فظاهر بيت الشاعر ابن منصور أنه أراد أنك تساعده وتسانده في الذود عن شأنكما وأنك منه بمنزلة يجعلك معه تذود العدو، وهي منزلة الولاء والفداء. هذا هو الصواب في البيت، فإن كان المؤلف يصرّ على أن الشاعر أراد تعدية الفعل (تذود) بحرف الجر (معي)، فهذا أمر لا يحتمله البيت، إلا أن يكون الشاعر قد أوحى للمؤلف من طريق أخرى غير البيت أنه أراد تعديل الفعل ب (معي)، فهذه مسألة أخرى، أما لفظ البيت فلا يبيح للمؤلف أن يلزم الشاعر بأنه أراد أن يذود عنه.
أما ما ذكره المؤلف متصلاً بهذا الموضوع في الصفحة ذات الرقم (335) فإن في كلامه نظراً أيضاً، إذا لا نزاع في أن الفعل (تذودان) في قوله تعالى: {ووجد من دونهم امرأتين تذودان} مقتضٍ لحرف الجر (تذودان) وهو ما يشهد على أن بيت الشاعر ابن منصور فيه تقدير أيضاً، على ما بيناه فيما سبق، وإلا فكيف يقول المؤلف بالتقدير في الآية ولا يقول به في البيت. وأما الاستشهاد بحذف الجار ونصب المجرور وهو ما يسمى بنزع الخافض، فليس من هذا الباب، فإن ما نحن فيه من باب حذف المفعول، أما حذف الجار ونصب المجرور فيرجع إلى حذف حرف الجر وبقاء مجروره، وذلك في مثل الشاهد النحوي المشهور:
تمرون الديار ولم تعوجوا......البيت
فلا يستشهد به على حذف الجار بعد فعل (ذاد) ولا شاهد فيه للشاعر الشريف محمد بن منصور، لأن المجرور في الشاهد النحوي وهو (الديار) لم يحذف، والمحذوف هو الجار (الباء) وكذلك في قوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} لم يحذف المجرور وهو (قومه) بل المحذوف هو (من)، أما في بيت الشريف، فالمجرور محذوف مع الجار، وكان عليه أن يكتفي بالإشارة إلى أن الجار حذف مع مجروره، وقد أخذ النزاع بين الشاعر والمؤلف وجهة غير منطقية حين يصر المؤلف على أنه لابد من وجود حرف الجر (عن) مع (ذاد) ولم يفرق فيه ين المقدر والمحذوف، وحين يصر الشاعر ابن منصور على جواز مجيء الفعل (ذاد) بغير حرف، دون أن يبين وجه مجيئه على تلك الصفة، وكان يسعه أن يقول بتعددية (ذاد) بحرف (عن) ويجعل بيته مما حذف الجار مع مجروره وهو الصواب، وبذلك يظهر في البيت جمال وسعة معنى.
الثامنة عشرة: بالعودة إلى الصفحات ذات الرقم (321) نرى المؤلف يأخذ على الشاعر وصفه للود بأنه (هراء)، وليس في هذا الوصف خطأ، بل هو جائز، ونحوه ورد في كلام العرب، ومن ذلك قولهم: زيد رجلٌ عدلُ، ورجلُ صدقٌ، إذا أرادوا المبالغة في وصفه بمضمون تلك الصفات، لأن العدل صفة للفعل أو القول، وكذلك الصدق صفة للقول، فأما الإخبار عن الرجل أو وصفه بأنه عدل وأنه صدق فهو مبالغة في الوصف، وتقديره رجل ذو عدل ورجل ذو صدق، كذلك حين يوصف الود بأنه هراء فإن الشاعر أراد أن يبين أن الود الذي يتحدث عنه كلام لا فعل معه، ثم بالغ فجعل الصفة التي هي (الهراء) مكان الموصوف وهو (الكلام)، فأخبر عن الود بالهراء، ليفيد أنه حتى الكلام منه لا قيمة له، فكيف بالفعل؟!.
التاسعة عشرة: في الصفحة ذات الرقم (322) أورد الكاتب مأخذاً على الشاعر محمد بن منصور وهو قوله: (تصمّ السامعينا) وأنها جملة (حداثية)، وقد جاوز المؤلف في ذلك حد الصواب، فإنه يجوز حذف المضاف متى كان متعيناً وإعراب المضاف إليه بإعرابه،ومن ذلك قول النابغة:
يسقون من ورد البريص عليهم
بردى يصفق بالرحيق السلسل
فالمضاف محذوف وهو (ماء) للعلم به، والتقدير (ماء بردى)، للبيانين في مثل هذا التركيب الرائع في بيت النابغة إيضاحات ولطائف، لا نطيل الحديث بها. وللبيت نظائر، وشواهد قرآنية كثيرة، فقول الشاعر: (تصم السامعينا)، حذف المضاف (آذان) لأنه معلوم فلا يُصمّ إلا الآذان، بل هو عند أهل اللغة من المتعين، وهو أن يكون الفعل مما اختص بمفعول معين، كالصمم للأذن والعمى للعين والجدع للأنف.
العشرون: في الصفحة ذات الرقم (327) خطّأ المؤلف الشاعر في قوله:
يا طائفي جادتك أنواء السما
ولا عدمت رباك طول حياتي
وقومه بقوله: (لا لا عدمت رباك طول حياتي). وكان الأولى ان يقومه بإعادة همزة كلمة (السماء) فهي تمثل الميم من (متفاعلن) في الشطر الثاني، وهذا أقوم للبيت حيث يسلم من حذف الهمزة وقصر كلمة (السماء)، ومن تكرار (لا) على ثقلها في غير موضعها. ويستحسن قصر كلمة (السماء) مع حاجة الشطر الثاني إليها؟!، على أنه يحتمل ان يكون بيت الشاعر مستقيماً وإنما سقطت الهمزة لسبب كالطباعة ونحوها.
الحادية والعشرون: في الصفحة ذات الرقم (330) في السطر الثامن وردت كلمة (فافصح) بغير همزة، فالصواب هو (فأفصح) لأنه أمر من الرباعي. وان كنت أرجح هنا أنه خطأ طباعي لعلمي بمقدرة المؤلف.
الثانية والعشرون: في الصفحة ذات الرقم (333) ذكر المؤلف ان تقطيع شطر قول الشاعر:
وإذا الجهول رأيته مستغنياً
على أنه: (وإذا الجهول) (رأيتهو) (مستغنين)
وصواب التقطيع هو:
وإذلجهو لرأيته مستغنين
(///5//5) (///5//5) (/5/5//5)
كما جانب الصواب تقطيع بيت آخرف ي الصفحة نفسها هو:
فالمال فيه تجلة ومهابة
والفقر فيه مذلة وفضوح
حيث ورد في الكتاب تقطيعه كما يلي:
(فلمال) (فيه تجللتن) (ومهابتن) (والفقرفيه) (مذللتن) (وفضوحو)
والصواب هو:
(فلمالفي) (هتجللتن) (ومهابتن) (والفقرفي) (همذللتن) (وفضوحو)
مستفعلن متفاعلن متفاعلن مستفعلن متفاعلن فعلاتن
مضمر سالم سالم مضمر سالم مقطوع
ولا أعلم كيف وقع هذا لمؤلفنا المتمرس، لكني أعده سبق قلم، فإن له في الكتاب محاسن في هذا الباب.
الثالثة والعشرون في الصفحة ذات الرقم (338) أورد المؤلف قول الشاعر: (وعدت أنا كحر) وذكر ان في الجملة فاعلين اثنين، وهو يقصد ضمير الرفع المتحرك (التاء)، والضمير المنفصل (أنا) والصواب ان الضمير (أنا) توكيد للفاعل.
الرابعة والعشرون: في الصفحة ذات الرقم (345) ذكر المؤلف بيت الشاعر الشريف محمد ابن منصور وهو قوله:
لا تقل ان قلب الأديب رطب
ينبض الحب في الجمال أسير
وزعم ان كلمة (أسير) محلها النصب على أنها حال منصوبة، والصواب ان كلمة (أسير) في هذا الموضع جاءت خبراً ثالثاً لحرف النصب (إن) فرفعها هو الصحيح، إذ يصح ان يكون للمبتدأ وما في حكمه خبران فصاعداً، فالخبر الأول (رطب) والثاني (ينبض الحب) والثالث (أسير في الجمال) وهنا قدم الجار والمجرور على المتعلق. ثم ان كلمة (الحب) ضبطت في البيت بالرفع، ولا أعلم أكان البيت ضبطه هكذا عند الشاعر، أم أنه وقع الضبط من المؤلف. ولا يبعد كذلك ان يكون من الطباعة.
أما ما يتعلق بالكسر في الشطر الأول فكلام المؤلف صحيح وليس موضع ملاحظة هنا.
الخامسة والعشرون: في الصفحة ذات الرقم (362) وقع المؤلف فيما لم نكن نرجوه من مثله حينما تطاول على علم هو أبو البركات الأنباري، من علماء العربية الأفذاذ، وما كان ينبغي لمؤلفنا - هدانا الله وإياه إلى أحسن الأقوال - ان يقع منه هذا الغلط في حق عالم قال عنه أهل العلم - كما في بغية الوعاة 2/86: (كان إماماً ثقة صدوقاً، فقيهاً مناظراً، غزير العلم، ورعاً زاهداً عابداً، تقياً عفيفاً، لا يقبل من أحد شيئاً، خشن العيش والمأكل لم يتلبس من الدنيا بشيء)، رحم الله أبا البركات، لقد خلف عشرات الكتب التي تتلمذ عليها أهل العلم بعده حتى يومنا هذا، فليس للأستاذ العبادي ان ينال منه ومن علمه وقدره ومنزلته، وقد كنت أحجو أبا حاتم أكبر من ان يقع في مثل هذا الخطأ الذي يعاب على صغار الكتاب، فكيف برجل مثل مؤلفنا.
لقد كتب المؤلف ستة أسطر نال فيها من أبي البركات ومن كتبه - رحمه الله - كما أغرق المؤلف في التجاوز على هذا العالم فجعله ممن (امتلأت كتبهم بالسفسطة والأدلة الواهية، والثرثرة التي لا طائل من ورائها، ولا تنفع على محك الجدل والنقاش، إلاّ إذا كان النقاش نقاشاً بيزنطياً) (ينظر لهذه العبارة الصفحة ذات الرقم (366) من هذا الكتاب). وهل كان افتئاتك على أبي البركات دفاعاً عن النحو والعربية؟ كلا! فلو أنصفت لألجمت قلمك عنه وطويت وريقاتك دون النيل منه.
وأقول لمؤلفنا - هداه الله - استغفر الله في حق هذا العالم الجليل، واربأ بنفسك عن ان يأخذك حب التشفي إلى طريق وعرة، ولقد رأيتك تسبغ مدائحك على بعض معاصريك من حملة القلم شعراً ونثراً ممن لم يخدموا العربية والإسلام بمعشار ما خدمهما به أبو البركات. دونك نفسك يا أبا حاتم فقد أبعدت النجعة. وإذا كان هذا ما يلقاه منك أهل العلم فماذا نرجو ممن شويتهم في كتابك على السفود لأنك لم تجد لديهم نصيباً من النحو؟ وارجع إلى كلام دونته بيدك بين صفحتي (362 و367) فاسقطه من كتابك. وإذا كان هذا هو شأنك مع هذا العلم المفضال فهل تريد منا بعد هذا ان نقبل منك تهكمك ببعض معاصريك؟!
السادسة والعشرون: في الصفحة ذات الرقم (378) قال المؤلف: (المجاز معروف عند من ألم بشيء من علم البلاغة). ثم ذكر ان الشواهد المجازية المعروفة تنحصر في المجاز المرسل والمجاز العقلي. وسأكتفي هنا بسؤالين أوجههما للمؤلف وهما: ما حد الشيء من البلاغة الذي إذا ألم به أحد صار المجاز معروفاً عنده؟ وأين تضع الاستعارة أفي جانب المرسل، أم في جانب العقلي؟
السابعة والعشرون: في الصفحة ذات الرقم (386) قوم المؤلف بيتاً للشاعر عبدالله جبر، فقال: يستقيم وزنه لو قال:
كأنها بوم أيا صاحبي
لا يعرف الشدو ولا الانشراح
فجعل همزة (الانشراح) همزة قطع، ولو جعلها على أصلها همزة وصل لاستقام البيت لأن وزن الشطر في كلا حالتي القطع والوصل هو:
مستفعلن مستفعلن فاعلان
وما دام الوزن مستقيماً بغير ضرورة قطع الهمزة، فإن بقاءها على أصلها همزة وصل أولى من التعديل.
الثامنة والعشرون: ورد للكاتب بعض الأوهام وهو مما شاع لدى طائفة من الناس، ومن ذلك الكلمة المشهورة (الشيء بالشيء يذكر) وصواب هذا المثل هو (السي بالسي يذكر) والسي هو المثل أو النظير، ومعنى ذلك هو ان المثيل يذكر بذكر مثيله، ولا أحسب المعتذر مصيباً ان احتج بالاشتهار، خاصة من كان مثل كاتبنا.
التاسعة والعشرون: وجدت في غير ما موقع من الكتاب كتابة الهمزة الواقعة في آخر الكلمة المسماة (همزة متطرفة)، وجدتها كتبت خارج الياء، والصواب ان هذه الهمزة إنما تكتب على الياء غير منقطوة، في مثل كلمة (قارئ). وأكرر ان هذا ليس مما يخفى على أستاذ مثل أبي حاتم، لكن رأيت لزوم التنبيه.
وأخيراً فلقد دار في خلدي عنوان أراه أنسب من هذا للكتاب وهو: (ما هكذا ينظم الشعر) لأن مآخذ المؤلف انصبت على مسألة صحة الوزن العروضي، أو ان يكون العنوان (ما هكذا يقال الشعر) لأن وصف الشعر بأنه قول أولى من وصفه بأنه كتابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.