خلدون السعيدان لم أكن أرغب بالعودة للحديث عن الدراما السعودية وصناعتها المزعومة وذلك لأن الموضوع متشعب ولن ينتهي وسيبقى المنتج متمسكاً بأحقيته بالدعم واستمراره لأنه مجال عمله ووسيلة ربحه. ما جعلني أعود للتطرق لهذا الموضوع ما كتبه الزميل حسن عسيري الأسبوع الماضي بجريدة الشرق رداً على مقالي السابق، وقد بدا الزميل عسيري شديد التوتر في رده بدليل العنوان المسيء الذي وضعه على رأس الزاوية واتهمني فيه بعدم الفهم مع أني أعرفه شخصياً وأعرف أنه ذو شخصية هادئة ويؤمن بأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ولا أدري ما الذي جعله مشحوناً ضدي حيث أن حديثنا كان ولا يزال حول الأفكار ولم يصل إلى حد الخلاف الشخصي. أعرف جيداً أن الصناعة -أية صناعة- هي بالتأكيد مهمة للوطن ولابد من دعمها وخصوصاً إذا كانت تلك الصناعة لها علاقة بتثقيف وترفيه المجتمع، فهي هنا تكون أكثر أهمية وخطورة، والدراما التلفزيونية على قائمة تلك الصناعات التي يجب أن تدعم وتشجع، لكن ما يقدم حالياً عبر التلفزيونات لا يبشر بنجاح فكرة تحويلها إلى صناعة بالشكل الذي يحاول عسيري أن يتبناه، ذلك لأنه وزملاءه الآخرين من الممثلين تحولوا للإنتاج فأصبحوا لا يعرفون ماذا يريد المشاهد منهم وكيف يصنعون أعمالاً متميزة، وذلك لأنهم ينظرون للموضوع من زاوية مادية بحتة. ما يعجبني في الزميل عسيري هو سعيه الدؤوب لاستمراره في عجلة الإنتاج ومحاولة إقناع المشاهد بصعوبة ما يعمله وما يسعى لعمله وقد حاول كثيراً منذ سنوات طويلة مع شبكة راديو وتلفزيون العرب ART حين أنشأ قسماً للدراما لم يستمر طويلاً بسبب عدم تحقيق الشبكة للأرباح المتوقعة من الأعمال التي أنتجت حينها والتي لم يعد يذكرها أحد، وفعل الشيء نفسه مع مجموعة MBC وصنع أعمالاً لم يحقق كثير منها النجاح المطلوب ولم تؤد - وهذا المهم - لتحقيق هدفه النهائي وهو تحويل الدراما إلى صناعة، لأن هذا الهدف الكبير لن يأتي إلا بنجاح يوازيه على الأرض وأمام الناس، فدون أعمال ناجحة وإنتاج مستمر فلن يقتنع المُستثمر ولا المسؤول بضرورة دعم صناعة الدراما، وهنا بالضبط نقطة خلافي معه. أما حين تحدثت عن تأشيرات الفنيين والممثلين الذين يستعين بهم المنتج المحلي في أعماله، وقلت بأنها لم تكن في يوم من الأيام عائقاً حقيقياً أمام المنتجين، خاصة وأنهم كانوا يحصلون بالفعل على ما يريدون من تأشيرات خلال فترة لا تتجاوز الأيام السبعة، فإني لم أكن أتحدث من فراغ، وزميلنا حسن عسيري يعرف ذلك جيداً، ويعرف أن تلك التأشيرات كانت تمر من تحت يدي حين كنت مديراً لمكتب وكيل وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الخارجي الدكتور صالح النملة والذي كان يملك ثقافة واسعة ويحترم الفنون الإنسانية بمختلف اتجاهاتها، ولذلك كان يسهّل وبشكل كبير منح المنتجين المئات من التأشيرات الخاصة بالإنتاج الدرامي والسينمائي، ولم تكن بحب الخشوم كما يزعم الزميل حسن الذي كان له نصيب الأسد من تلك التسهيلات سواء تأشيرات أو تصاريح تصوير، كما استفاد منها أيضاً زملاؤه الفنانون الآخرون الذين كانوا يحصلون على كل ما من شأنه أن ييسر لهم عملية الإنتاج، لكن تماديهم في طلب التأشيرات دون مبررات مقنعة، جعل الدكتور النملة يشعر أن الأمر قد يصبح مجالاً لاستغلال التأشيرات بشكل سلبي، لذلك قرر تقنينها. ولمعلومية الزميل عسيري فإن وزارة الثقافة والإعلام ممثلة بالإعلام الخارجي كانت وما زالت هي الجهة التي تمنح تأشيرات الزيارة للجهات الإعلامية مهما كان نشاطها. وما أود أن أقوله للزميل عسيري أنني حين أتطرق لمستوى الأعمال الدرامية المحلية فأنا أعني تلك الأعمال بمجملها وليست أعماله فقط والذي يعرف تماماً أني أكن له كل تقدير واحترام وأنظر لجميع الأعمال من منظور واحد هو منظور المتلقي وليس الناقد، وكلنا سواء في هذا، لأنه حتى المنتجين السعوديين لم يدخلوا هذا المجال بعد دراسة وتأهيل إنما كان لهم مجال الإنتاج مجرد وظيفة أو مشروع يجلب لهم الأرباح. وأنا حين أتحدث فإنما أعطي رؤيتي الخاصة والتي اكتسبتها عبر السنين الطويلة التي قضيتها في هذا المجال والتي قد تفوق عمر عسيري في مجال الإنتاج. وأكرر ما ذكرته سابقاً بأن أهم معوقات الإنتاج الدرامي هي الفكر ولا شيء غيره فمتى ما تغير فكر المتربعين على الدراما من منتجين وممثلين ومخرجين عندها يمكن أن نتحدث عن صناعة دراما سعودية حقيقية.