يزخر الموروث بالكثير الذي يمكن أن يبحث فيه ويكتب ، ومهما حاول المرء في أي مكان بالعالم للحديث عن علم أو فن من مختلف المعارف والتخصصات ، لا بد أن يورد شيئاً من الموروث ، لاسيّما إذا تعلّق الأمر بالثقافة في الحضارة العربية ، وبالتحديد في الجزيرة العربية . أهداني الدكتور خليفة الوقيّان . مشكوراً كتابه «الثقافة في الكويت» الحائز على جائزة معرض الكتاب الثاني والثلاثين 2007م المقدمة من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لأحسن كتاب مؤلف عن الكويت ، ووجدت ما أذهلني بقيمته المعرفية واجتهاد باحثه الرصين في هذا الكتاب ، ولا يمكننا الإلمام بكل مافيه من دراسات ومخطوطات وتأريخ وتدوين ... لكننا سنسلّط الضوء على أبرز ما جاء فيه من الموروث الشعبي . فقد أورد الوقيّان في الفصل الثالث «اتجاهات فكرية» من الكتاب المشار إليه في قسم «الاتجاه الإصلاحي» وتحت عنوان «المواجهة الحربية» شيئاً من الشعر النبطي الكويتي قصيدة لشاعر من سكّان الجهراء وهو محمد الهطنفل ، واورد عددا من القصائد السياسية للشاعر الهطنفل قام الوقيّان بحذف بعض أبياتها بمعرفة القارئ ، وذلك من خلال وضع النقاط مكان الأبيات ، ولكن نورد ما أورده الوقيّان : يا سحابٍ على تيما هماليله هلّ وبله على الخوّان والداني في نهارٍ طويلٍ طايلٍ طيله من حضر فيه ما يحتب الاكواني سيله الدرج والقصدير زنجيله لين راحوا هل التوحيد نيشاني نحمد الله لعبنا في رجاجيله كسبنا بالنقا ذربين الايماني الجدير بالذكر أن الوقيّان يورد في الحاشية بأن تيما المقصودة في القصيدة : «اسم يطلقه أهل الجهراء على بلدتهم على سبيل التحبب ، وهذه التسمية ترد غالباً في الشعر ، ولا تستخدم في الوثائق المتعلّقة بالجهراء « أ.ه ، كذلك يورد الوقيّان قصيدة للشاعر فهد الشختلي وهو من أهل الجهراء كذلك ، الذي تعد قصيدته من أشهر قصائد العرضة التي يرددها أهل الجهراء حتى يومنا هذا : يا سحابٍ فوق تيما ترزّف نوّها في شمالي السليّل غدا عجّ وعسام مع طلوع الشمس قامت تقابس ضوّها كم غدا بسبابها من جواد ومن غلام المنايا في مقاديم قبّه سوّها من هل التوحيد راحوا بضربتها شمام وأيضاً يورد الوقيّان قصيدة لشاعر من شعراء الكويت وهو علي الموسى السيف : يا الله يا اللي له عبيده مصلّين يا رافع الرايات ربّ العبادي من ضربنا بالخارجي مخلف الدين ألفين عذرا أدخلت بالحدادي هذي عوايدنا على العسر واللين عاداتنا نلطم وجيه المعادي وتحت عنوان: «المواجهة الفكرية» يذكر الوقيّان أن من شواهد الاختلاف مع المتشددين بصفة عامة ، خلال القرن التاسع عشر ، وعدم القبول بموقفهم السلبي تجاه الفنون قصيدة للشاعر والفنان الكويتي الشهير عبدالله الفرج (1836-1901م) تضمنت تذمره من سلوكهم ، ورده العنيف عليهم ، وقد خاطب في تلك القصيدة أحد المتشددين الذين حرّضوا عليه المسؤولين في البحرين ، أثناء إقامته القصيرة فيها ، لأنه يحترف الفن وعزف العود : وفي نفس الفصل تحت عنوان «الاتجاه المحافظ» يذكر الوقيّان أنه حين تعرض الفنان عبدالله الفرج للمضايقة من أحد المتشددين في البحرين بسبب اشتغاله بالفن نهض كثير من شعراء الكويت للدفاع عنه والانتصار له ، ومن ذلك قول الشاعر عبدالله الورع: يا بن فضل دوّرت عيبٍ ولا دار بابن فرج ريف الضيوف الكرامي ماشفت كود العود رنّان الاوتار والعود مابه مايعيب الكرامي قبله بني العبّاس ياميّت النار طقّوه طرباً بالهوى والغرامي كما ذكر الوقيّان أن شاعرا آخر وهو حجّي الشمالي لم يكتف بالدفاع عن عبدالله الفرج فحسب ، بل ذهب إلى هجاء أحد منتقديه هجاءً مرّاً ، ومن الأبيات التي يمكن الاستشهاد بها قوله: قصّيت يامحمد يمينك بيسراك وادعيت نفسك عرضةٍ للغرابيل ماجزت عن من هو بالآداب مولاك عبدالله المنشي رياض التعاليل تقول جو عندي هل العلم ذولاك يشكون من «محي هوانا « التهاويل أقول ما حد جاك شاكي وما جاك بالعون كود التايهين المضاليل عبدالله الفرج خليفة الوقيّان غلاف الثقافة في الكويت