الشاعر عدوان بن راشد الهربيد، شمري من شعراء القرن الثالث عشر، عاش في النصف الأول منه وامتد به العمر حتى توفي في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ولعله ممن عاصر راكان بن حثلين المذكور في القصيدة وجل الشعراء ممن ذكرهم في القصيدة التي سوف نوردها نهاية المقال هذا. من أسباب قوله للقصيدة دفاعه عن حقوق الشعراء والشيوخ المميزين وربما عدم قبوله للنيل منهم تصريحا أو تلميحاً ولأنه شاعر فقد عبر عن إحساسه الصادق ليريح نفسه. ولعل القصيدة فيها نوع من الانتصار للغائب، وذكر المستحق للمدح بما هو أهل له، وعدم انتقاصه، حتى ولو كان القائل لا يقصد مقولته بالضبط أو هي مزحة تحولت إلى رزحة ، أو فكاهة انقلبت إلى ضدها ، ولكن الشاعر عادة يكون مرهف الإحساس، وشعره يترجم شعوره الحاضر فور تحرك قريحته الشعرية. كان للشاعر قصة طويلة قبل مناسبة القصيدة، وتلك القصة يفخر به من يعرفها، ويشيد بفعله من يتتبع حياته وشهامته بحسب ما يورده الرواة. فقد كان محباً للقنص، ومثله في زمانه الكثير من هواة القنص والصيد كمورد وكهواية وسياحة على مستوى محدود. كان منزله في الشمال من الجزيرة ، يعني حائل وما حولها ، تعرضت منازلهم في وقت من الأوقات لاجتياح تفرق جراؤها أقرباؤه ومنهم عائلة أخيه الذي فقده، فلم يبق منهم في منازلهم بعد الغزو سوى طفل هو: جريس ابن أخيه، الذي يسند الشاعر بعض قصائده عليه. فأخذه وهو رضيع وتابع نشأته ، أما أمه فقد نجت بعد شرودها وهربها مما أصابهم ناجية بنفسها هاربة إلى ابن رشيد حاكم حائل تاركة رضيعها في منازلهم لا تدري ما الله فاعل به . ولكن عناية الله سخرت له من يتولى رعايته وحمايته ، فكان الهربيد وهو عمه يتابع تغذية هذا الطفل ، ويعلقه وقت انشغاله في إحدى الأشجار خوفا عليه من سباع في غفلة، ويتابع رعايته، حتى جاء المدد والبحث من ابن رشيد يطلبون الناجين فلم يجدوا سوى الطفل معلقا على إحدى الأشجار، ومعه الشاعر الهربيد، وهو عمه. وانتهت القصة بزواج الشاعر الهربيد من والدة جريس، وكان لا يطمع في جمال ولا مال من أم الطفل التي هي زوجة أخيه رحمه الله، ولكنه يريد أن يتربى ابن أخيه في كنفه وليس تحت رعاية غريبة، وهذه تعد تضحية كما تعد إيجابية تحسب له فيما بعد يفترض أن يذكرها له ابن أخيه، وإيرادنا لها له هدف آخر وهو أن نتذكر المعروف لمن أسداه لنا في هذا الشأن أو غيره قل أو كثر، وأن نكران الجميل أو نسيانه لا يعد من الشيم والخصال الحميدة . يقول في قصيدته : يا جريس يا مشكاي شاكن واشاكيك وأشوفها من يم الاصحاب ضاقه يا جريس أخذت أمك على شان تاليك لا معجبن زينه ولا هي عشاقه عمك ولو بي تنشده كان ينبيك وش حق من رباك طفل حواقه ياما على متني تعقبت بيديك تنقل كما تنقل خطاة العلاقه ويعني أنه كان ينقله من مكان إلى آخر وهو رضيع بلا أم تعتني به، حيث فزعت هاربة عن منازلهم تظن بأن كل ما وراءها قد فني من الغزو. ثم تزوج بها عمه من أجل ولد أخيه فقط لا لجمالها أو عشق بها . وكان الشاعر فقير تدل الكثير من أشعاره على أنه لا يملك شيئا مما يملكه الموسرون. رافق بعضاً من قومه يرعى الغنم ويتبعهم وهم ملاك إبل نحو الشمال في الأراضي التي تبعد عن حائل ومناطقهم المعتادة ، يحتمي بحماهم ويرافق بأغنامهم إبلهم ومرعاهم ولا شك أن الغنم ليست مثل الإبل في تحملها المسافات والصبر على العطش . فصاحب الأغنام ليس كصاحب الإبل من حيث القدرة على تجاوز المفاوز والصحاري وقت الجفاف ، فاقترح على القوم وقد انصرم الربيع وبدأت طوالع الصيف تعلن قدومه ، بأن يعودوا من مكانهم الذي هم فيه متراجعين إلى أماكنهم وديارهم نحو الجنوب منه، مخافة المخاطر الطبيعية والبشرية. فهو ذو رأي سديد وقوله فيه حكمة وينبئ عن تجربة وبعد نظر. لكن لعل اثنين من القوم اعترضا عليه وبجفاف وجفاء في الاعتراض وقد ذكرهما بأنهما : اسماعيل ، وسعيد ( بفتح العيد وسكون الياء على وزن فهيد) وكان من المؤمل والمفترض أن يتبادل الجميع الرأي ويطاوع بعضهم بعضا خاصة وأنهم بقوا في مرعاهم البعيد ثلاثة أشهر، وهي مدة كافية، ومعتاد أن يعودوا بعدها، كما أن الشاعر له مكانته كشاعر حكيم وذو رأي وله ماض طيب وفيه شهامة، وهو أيضا صاحب غنم ويفترض مراعاته، فالغنم لن تقطع المفازة راجعة بسهولة إلا وقت الربيع سواء في أوله أو آخره ، أما إذا جفت الموارد والبرك والعدود والثغبان والمناقع والغدران وما بقي في الوديان من غدير فلن تتمكن غنمه من الوصول بسلام، عكس الإبل التي يمكنها قطع المسافات التي لا ماء فيها. المهم أن الشاعر قال قصيدته التي باح فيها بما يكن موضحا أنه يخاف عليهم ويعرف مالذي سيجري عليهم مما حولهم وقت انصراف الربيع وحلول الصيف وهم في مفازة بعيدة ، وهذه القصيدة تعد شيخة من شيخات القصائد لما تضمنته من ذكر عدد من مشايخ في قبائلهم وشعراء ذوو مكانة ومعروفين بالشجاعة ، وكان الهدف من تلك القصيدة ومثيرها، هو رد اعتبار على ما وصف به الشعراء من أنهم جبناء، وأن كل شاعر على العموم ( زاروبة )، على حد ما وصل إلى مسامع الهربيد، يعني خواف وجبان، فعندما قالوا له : لا تزرب بنا، يعني لا تجعلنا نجبن ونخاف ونقلق وترجف بنا فنعود عن هذه المراعي، وعمموا على كل الشعراء ولم يخصصوا، أخذته حمية الدفاع عن الواقع فالتعميم غير صحيح في أي شأن . كما ذكر في هذا البيت : يا سعيد انا ثنواي دون الأجاويد أهل الصحاف ومتعبين الدلالي والقصيدة هي : المجلس اللي به ( إسماعيل.. وسعيد) ينعاف لو انّه على الكبد غالي (إسماعيل) : ماسمته سموت الأجاويد (وسعيد) ماداجوا عليه الرجالي غيّا لك الضمران والفرس يا سعيد يا جعل ما لحمض الأطعاس تالي يا سعيد هرجك به مغير وتراديد توقّر من الهرج الرخيص الجمالي هرجٍ على اكتاف العذارى مناقيد ولا يطيّب الصبيان كود الفعالي أخاف من جيشٍ كثير العراجيد يضيمنا - يا سعيد - بالاحتمالي أنا بلاي مزهّبين البواريد أهل السيوف ميتّمين العيالي اخاف من قوم تجينا عراجيد تبني على روس الندف له ظلالي ما بين شمطان اللحى والأواليد نقوة عيالٍ فوق مثل السيالي مركاضهم يا سعيد ما به تصاديد ذباحة الطيّب نهار القتالي يا سعيد لا تضرب على حبّة الديد بشلفاً تسلّ الروح بالاشتعالي بديار قطعان البقر مرتع الصيد ماعندك اللي عن أحوالك يسالي ذرب ٍ جوابك يا فتى الجود يا سعيد عن قولةٍ ثاري سعيد استزالي عمّيت بالسّبة جميع القواصيد ماقلت بالشعّار طامن وعالي عميت (نمرٍ والمهادي وابازيد) عزّ الضعن حبس الكمين الهلالي و(مشعان, والطيار, وعقاب, وعبيد وعبدالله ) المصطور فرز العيالي و(العسكري, ومصيخ , وهديب ,ورشيد ,وحسين ) حمّاي الركاب التوالي و(جمل وابن حثلين , والفقم ,وفهيد وعنتر ) ليا ما عادل الشيل مالي و( صعب ) من الصيداد سقم الأضاديد و( برجس ) دلال معبّسات الشمالي و( عرار , وعمير ) هل الكود والكيد و( بريك ) محيي بالركاب الهزالي و( حطاّبٍ ) اللي بالحصن ينفض الغيد و(ساجر ) مسوّي للذلول النعالي و( رميزان , هو و (العرفجي ) ذاك ابو زيد و( ابن سمير ) اللي بقرن الشمالي و( ابن دعيجا ) اللي كما بيته الحيد ( وسعود ابن سعود ) راعي العمالي و( شايع ) مضيّع بالفلاة المفاريد و( جارد ) ملفّي بالشخيل الجلالي و( مغير بن غازي ونومان ) يا سعيد زبن الحشور اليا اعتلاه الجفالي و( الاشمل ) اللي من مناه التحاميد و( مطلق ) مطبّق بالغدير الزلالي و( جديع ) نحّار السمان المصاعيد و( فهد ) زبون مجنفرات المتالي حتّى ( الشريف ) اللي يقولون ياسعيد مودع مع الدعثور مثل الغزالي و ( جريسٍ) اللي كرمته كنّها العيد و(حاتم ) بعد معطي العطايا الجزالي ربعٍ بهم يا سعيد صدرٍ وتوريد وفهقٍ وتقليطٍ وفتل وفعالي يا سعيد انا ثنواي دون الأجاويد أهل الصحاف ومتعبين الدلالي عشرين مع عشرين لا انقص ولا زيد وافين من غير القصيد الفعالي حتّى انت ما بك عن ربوعك مقاعيد وانا بعد مثلك على قدّ حالي صلاة ربّي عد ما هلّ من عيد على شفيع الخلق عدّ السهالي فكان في القصيدة بحسب ما أورده الشاعر أربعين شاعرا شيخ قبيلة أو من ذوي المكانة ، لا يدخلون في تعميم سعيد الذي كان مثار القصيدة الشيخة، كما أنها ليست قصيدة حصر وإنما قصد بها مثالا يمنع التعميم . رحم الله الهربيد وإسماعيل وسعيد ورفاقهم والجميع .