في بعض الأحياء عدد المحلات التجارية في المخططات السكنية يتجاوز عدد الوحدات السكنية، فإلى متى يستمر اعتماد هذا النمط من المخططات داخل الأحياء السكنية؟ من يرى هذا الكم الهائل من المحلات والدكاكين ومحطات البنزين يعتقد أن عدد السكان يقدر بعشرات الملايين، حتى الهند التي يتجاوز سكانها المليار لا يوجد بها هذا الكم من الشوارع التجارية المنسوخة والتي تتقلب أنشطتها وتتبدل من فترة لأخرى بسبب التقليد والاكتفاء وعدم الجدوى الاقتصادية، فكلما فشل نشاط تحول إلى آخر والخاسر الأكبر الوطن والمواطن اقتصاديا واجتماعيا! ما هي الفائدة من وجود خمسة أو عشرة محلات لكل نشاط من مطاعم ومغاسل ومكاتب عقارية وحلاقين وعدة بقالات وكم محطة بنزين وغيرها من النشاطات في حي سكني واحد لا تتجاوز مساحته مليون متر مربع. لماذا لا يستفاد من هذه المساحات بتحويلها إلى وحدات سكنية ومواقف ومسطحات خضراء تخدم السكان بدلا من الربكة والزحمة المرورية التي تحدثها المطاعم والمحلات؟ حي الجزيرة السكني في الرياض والذي وزعته الدولة على المقترضين من الصندوق العقاري منتصف التسعينات الميلادية حي نموذجي بمعنى الكلمة، على الأقل تحس انك داخل حي منظم فيه حياة وتشجير وقلة حركة مرورية. النمط السائد حاليا لتخطيط الأحياء السكنية حيث يتفرع داخلها ويحاط بها عشرات القطع التجارية التي تحوي مئات المحلات التجارية، هذا النمط ساهم في تقليل المساحة المقررة للسكن وساهم في التمدد الأفقي الذي أثقل كاهل الدولة طوال العقود الثلاثة الماضية ومازال، الأسوأ من ذلك أنها تسببت في رفع أسعار الأراضي والوحدات السكنية بشكل غير مباشر من خلال تقليل المساحة السكنية وارتفاع قيمة القطعة التجارية. عمارة في جدة على شارع 52 تجاري بها مطعم آسيوي من الدرجة الثالثة ومجاورة لمحطة بنزين، هذا المطعم يعج بالعمالة صباحا ومساء غالبيتهم سائقو صهاريج مياه وشاحنات وخلاطات، تخيل عندما يقف عشرون منهم لتناول وجبة كيف هو حال الشارع وقت الذروة عندما تصطف هذه السيارات وتغلق شارع الخدمة وتزعج السكان؟ الاستمرار على نفس النمط سيعمق المشكلة ويصعب عملية التغيير خصوصا وأن معظم المخططات قد اعتمدت، وقد يتعرض البعض للضرر من التغيير ولكن يمكن دراسة تعويضهم ببدائل مثل السماح بتعدد الأدوار السكنية. نحن بحاجة إلى قرارات سريعة لإيقاف اعتماد مثل هذه المخططات والتركيز على الحاجة للمساكن أكثر من المحلات ولا يمنع من وجود شريط تجاري او مركز تجاري كبير وسط الحي يلبي احتياجات الساكنين مع عدم التوسع بمنح التراخيص المتكررة للأنشطة. فهل يتحقق مثل هذا الطلب على أرض الواقع قريبا؟