فرضت المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية للأسرة السعودية خلال السنوات الأخيرة استحداث أنماط معيشية أكثر تنويعاً مما هو متعارف عليه، في جانب البناء وتقليص المساحات، والتصميم الداخلي، بعد أن كانت في معظم المنازل غرف كثيرة لا تستخدمها الأسر في معيشتها اليومية. تقليص مساحات المساكن السكنية خلال العقد الأخير أَمْر جديد على السعوديين.. الذين تعودوا في السابق، على تشييد المساحات الكبيرة والمفتوحة، التي كانت تفرضها الخصوصية الاجتماعية إلى حد ما.. فتصميمها كان يفرض فصل مدخل الرجال عن السيدات، وحتى سكن الشبان ضمن منزل العائلة إلى حين استقلالهم وانتقالهم إلى منازلهم الخاصة بعد الزواج، وهذا يحتاج إلى مساحات كبيرة، لكن الوضع تغير حالياً، إذ أصبحت حاجة الشبان للاستقلالية أكبر، وذلك ما يدفعهم إلى ترك منزل العائلة، والسكن في شقق منفصلة؛ ما رفع الطلب على الشقق السكنية؛ وأسهم في تقلص مساحاتها، نظراً إلى أن ساكنها شخص واحد في الغالب، إضافة إلى أن أسعار الإيجارات ومواد البناء والأراضي ارتفعت كثيراً، ليتوقف حجم الغرف عند 16 مترًا مربعًا، وفق اشتراطات البلدية في مدينة جدة على سبيل المثال. هذا التغير في نمط المعيشة، الذي قاد بدوره إلى تغير في النمط العمراني، وضع ساكني المنازل الجددة أمام تحدٍّ لاستغلال المساحات الضيقة بشكل أمثل، ومحاولة جادة لإخفاء صغر المساحات. وينصح خبراء التصميم بالتخلص من الحوائط الكثيرة التي لا حاجة لها، واستخدامها كخزائن مشتركة لأكثر من غرفة، وهناك أسلوب جديد، أصبح أكثر ظهوراً للتماشي مع هذا النمط العمراني الجديد، وهو تصميم الشقق السكنية وفق مبدأ المساحة المفتوحة، بمعنى أن تكون مساحة الشقة لا تتجاوز 200 متر مفتوحة بالكامل، تسلم للساكن ويقسمها حسب احتياجاته الخاصة، ومن الممكن أن يتحكم في مساحة الحوائط. ويجب على صاحب المسكن البحث عن التصميم المثالي المتناسب مع احتياجاته لمعالجة مشكلة ضيق المساحة، حتى إنه من الممكن عدم ملاحظة الأمر، خصوصا إذا استخدمت بشكل يتوافق مع الاستخدامات اليومية. ولم يعد ضيق المساحة هاجساً يواجه سكان الشقق الصغيرة في السعودية، بل على العكس.. فإن هناك الكثير من الشباب أصبحوا يرغبون في شقق صغيرة تتلاءم مع دخلهم ومع حياتهم البسيطة. وقد لاقَى هذا التغيير في الأذواق إقبالا ملموسا على الاستشارات الخاصة من المكاتب الهندسية والمصممين الداخليين. وهو أمر إيجابي في الوقت الحاضر، خاصة مع تضخم أسعار الإيجارات للوحدات السكنية المعدة للتأجير. وقال عقاريون إن بعض السعوديين يتجهون إلى السكن داخل مجمعات تتميز بخدمات إضافية على عكس غيرها من الأحياء السكنية والمساكن الأخرى، إذ تنهج سياسة هذه المجمعات تركيز الأمن والخصوصية وإيجاد الجو العائلي المناسب. وأضافوا أن هذه الفكرة جاءت إلى بعض تجار وشركات العقار، ما دفعهم إلى البدء في إنشاء مجمعات ذات مداخل محددة، وتخطيط لطرقها بأسلوب منظم له حراساته الأمنية. وتتجه كثير من الأسر السعودية إلى تملّك وحدات سكنية ذات مساحات تتراوح بين 250متراً مربعاً و320 متراً مربعاً، إذ إن هذا النوع من المساكن أصبح اليوم هو الأكثر مناسبة لاعتدال أسعارها، وانخفاض كلفة الصيانة والتشغيل وحتى النظافة. وتهتم هذه المشاريع التطويرية بالتفاصيل، ومن ذلك طريقة توزيع الأثاث ونظام التكييف المركزي، ومما يشار إليه، هو أن تأثيث وتصميم المساكن الصغيرة، يجعل من السهل أقتناء القطع الفاخرة، أو تلك ذات الجودة العالية خاصة في السجاد أو الموكيت، غير مكلف بسبب صغر المساحة. ودشنت بعض شركات التطوير العقاري بعض الشقق السكنية بمساحات مختلفة تتراوح مساحاتها بين 94 متراً مربعاً، و125 متراً مربعاً، و134 متراً مربعاً، وتضم مواقف للسيارات وأدوارا متعددة. كما تعرض هذه الشركات جميع الوحدات السكنية بأسعار مناسبة للتمليك، بالإضافة إلى وضع برامج لتقسيط الوحدات السكنية مع البنوك، وتسهيل تملك الوحدات السكنية التي تقوم بتنفيذها، بالاستفادة من الخبرات التمويلية التي يطرح عدد منها كالتمويل العقاري الإسلامي والمجاز من قبل الهيئة الشرعية وتتناسب مع جميع شرائح الموظفين. وتستخدم الشركات أساليب هندسية عصرية في بناء مشاريعها ويقوم بها نخبة من المهندسين الذين استطاعوا إنجاز العديد من الوحدات في وقت قياسي وجودة عالية، علما بأن الشركات تقوم بإدارة وصيانة ما تقوم بإنجازه من وحدات حسب العقود المبرمة مع العملاء. ويفتقد البعض إلى الاهتمام بالمساحات حول المسكن إلا بعد انتهاء أعمال التصميم كاملة ثم يقومون بعد ذلك بالمحاولة في تطوير تلك المساحات بطريقة لا تخلو من الارتجال، وتكمن المشكلة في أن المساحات حول المنزل هي عبارة عن ارتدادات مفروضة تكون في الغالب عبارة عن مترين فقط وهذه في الواقع يصعب التعامل معها. ويؤكد البعض على استغلال المساحات الخارجية من المسكن استغلالاً جيداً لكونها أراضي مرتفعة السعر، مشيرين إلى أن قيمة المسكن هي عبارة عن مساحة الأرض والبناء وهي القيمة الحقيقية للمسكن كاملاً. ويرى البعض أن التخطيط السليم للحي بشكل متكامل يقلص الحاجة إلى المساحات أو الأفنية الخارجية ويلاحظ في المشاريع المتكاملة استفادة السكان بشكل جماعي من الحدائق والأرصفة وممرات المشاة وكذلك المراكز الاجتماعية داخل الحي السكني المتكامل. ويؤكدون أن المستقبل لهذه الأحياء التي تعتمد على التصميم المتكامل والشامل الذي يجعل الأسرة تخرج من أسوار المسكن وتستمتع بما في الحي من خدمات. ويحاول المستثمرون العقاريون الاستفادة من الجوانب الإيجابية والمتعددة لبناء أحياء متكاملة لا يضطر المواطن إلى شراء أرض كبيرة ليضع فيها الكثير من الخدمات التي يمكن الاستغناء عنها لوجودها في ذلك الحي المتكامل. وكان تقرير قد نشر أخيرا قد توقع أن تبلغ قيمة عمليات بناء الوحدات العقارية الجديدة في المملكة نحو 484 مليار ريال بحلول عام 2010، وتحتاج المملكة حتى هذا التاريخ إلى بناء نحو 2.62 مليون وحدة سكنية جديدة عند معدل متوسط يبلغ 163.750 وحدة سنويا، وسوف تبلغ الاستثمارات في بناء المساكن الجديدة 1.20 تريليون ريال بحلول عام 2020 . فيما تقدر الأموال المستثمرة في نشاط البناء والتشييد في الرياض – فقط - نحو 150 مليار ريال حتى عام 2010. وحسب دراسة أجرتها هيئة تطوير مدينة الرياض فقد بلغ تعداد السكان في المدينة 4.2 ملايين نسمة عام 2004، ويتوقع أن يبلغ تعداد سكان الرياض ثمانية ملايين نسمة عام 2023، ولا نرى في الأفق ما يشير إلى طفرة كبيرة في الطلب من شأنها أن تؤدي إلى شح في المعروض. وقد تنامى عدد الأسر في الرياض بمعدل 41 في المائة بين عامي 1987 – 1991 وبمعدل 41 في المائة بين عامي 1991 – 1997 بينما تنامى حجم المعروض من الوحدات السكنية الجديدة بمعدل 14 في المائة و29 في المائة على التوالي خلال الفترات المذكورة. لكن المعروض من الوحدات السكنية ارتفع بمعدل 55 في المائة بين عامي 1997 – 2004 متخطيا معدل النمو في السكان مما أدى لخلق نوع من التوازن في سوق الوحدات السكنية، ويقدر معدل إشغال المساكن في الرياض بنحو 92 في المائة، أما المباني المكتبية التجارية فيبلغ معدل إشغاله 94 في المائة. وشهدت مدن المملكة العربية السعودية خلال العقود الماضية توسعاً عمرانياً هائلاً، وذلك تلبية للطلب المتزايد على المساكن نتيجة للنمو السكاني وقيام الدولة بتوزيع منح الأراضي السكنية للمواطنين وتقديم قروض صندوق التنمية العقارية التى ساهمت بشكل فعال فى بناء المساكن، ومواكبة لذلك فقد قامت وزارة الشئون البلدية والقروية باعتماد العديد من مخططات تقسيمات الأراضي السكنية الحكومية والخاصة فى المدن والقرى تلبية للطلب المتزايد على الأراضي السكنية، وبما أن البعض من تلك المخططات لم تأخذ الوقت الكافي لدراستها وتنفيذها فقد ظهرت بعض السلبيات فى المخططات السكنية القائمة، وقد حرصت الوزارة ممثلة فى وكالة الوزارة لتخطيط المدن على دراسة المخططات السكنية القائمة للاستفادة من إيجابيتها والعمل على وضع الحلول الملائمة لسلبياتها، ولذلك فقد وضعت برنامجا خاصا لتطوير المخططات السكنية، ومن الأعمال التي تم إنجازها في هذا البرنامج إعداد هذا الدليل الذي يهدف إلى تسهيل وتنظيم إعداد المخططات السكنية الحكومية والخاصة بما يضمن الوصول إلى بيئة عمرانية ملائمة توفر للساكن الراحة والأمان وتقلل تكلفة إنشاء وصيانة البنية الأساسية، ويحتوى هذا الدليل على إجراءات إعداد واعتماد مخططات تقسيمات الأراضي السكنية بما في ذلك الإجراءات الإدارية والفنية والأهداف والسياسات التصميمية والمعايير التخطيطية بالإضافة إلى استمارة تدقيق مخططات تقسيمات الأراضي السكنية التي تسهل متابعة المخطط واستكمال طلبات اعتماده.