العمل المؤسساتي العملاق هو الذي يصنع الفرق والأمير سلطان رجل «مؤسسي» تعود منذ صغره على أن يعمل ويرى نتائج عمله أمام عينيه فلم يكتف بالافكار لكنه حولها إلى مشاريع عملاقة يستفيد منها كل الناس لا يستطيع أحد أن يتحدث عن المملكة العربية السعودية دون أن يشير إلى سلطان بن عبدالعزيز، الرجل الذي فقده الوطن وفقدته الأمة بأسرها، فهذا الانسان "المبتسم دائما" ارتبط تاريخه الشخصي بكل الأحداث المهمة التي مرت بها هذه البلاد العظيمة، ولعل هذا قدر البعض أن تتقاطع في حياته الأحداث الكبرى ويكون دوره أن يتعامل مع هذه الأحداث. لقد ساهم في بناء المملكة، وشارك في كل التفاصيل التي جعلت منها دولة حديثة، فقد كان إداريا فذا وله بعد نظر ثاقب جنبت الوطن الكثير من المشاكل في الأوقات الصعبة التي مر بها. لقد عمل منذ نعومة أظفاره كرئيس للحرس الملكي ثم أصبح أميرا للرياض وبعدها وزيرا للزراعة ووزيرا للمواصلات حتى أصبح عام 1962م وزيرا للدفاع. والحقيقة أنه يصعب على إنسان مر بكل هذه التجارب دون أن يملك "حنكة" خاصة ومقدرة فريدة على التعامل مع الناس، فرغم أنه "عسكري" منذ البداية كرئيس للحرس الملكي ووزيرا للدفاع لنصف قرن تقريبا، إلا أنه كان إنسانا من طراز خاص، فحزمه العسكري لم يمنعه أبدا مع ابتسامته المشرقة حتى أنه يصعب أن تجد فردا من أفراد القوات المسلحة السعودية لا يذكره بالخير حتى أذكر أنني رأيت أحد العسكريين القدماء (لواء متقاعد) تدمع عينه عندما عرف أن الأمير سلطان مريض وأن حالته الصحية حرجة. لقد كان صديقا للجميع وللصغير قبل الكبير، وكان يعتبر أفراد القوات المسلحة السعودية إخوته وأبناءه، يحبهم بصدق فأحبوه بإخلاص وولاء. الذين يحبون هذا الرجل لا يجاملون في حبه، لأنه كان بسيطا وصادقا ولم تكن الحياة بالنسبة له "تسوى الكثير" فهو محب للناس أكثر من أي شيء آخر. ما يعرفه الجميع أن هذا الانسان لا يرفض دعوة أحد، فقد كان يزور الناس لبيوتهم، دون كلل أو ملل، ولم يكن يزورهم مجاملة، بل كان يسعد فعلا بزيارتهم وبالجلوس معهم. إن هذه السجايا لا تجتمع في إنسان إعتباطا فالكرم وحب الناس والحزم والمقدرة على التعامل مع المشاكل الكبيرة والسير بدولة كبيرة إلى بر الأمان رغم كل الأزمات التي مرت بها، وبناء مؤسسات عملاقة لخدمة الناس، كل هذه السمات لايمكن إلا أن تصنع إنسانا عظيما. قبل عشر سنوات تقريبا زرت مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية في مدينة الرياض (وكانت في مرحلة التنفيذ)، ومن يزور هذا المشروع العملاق سوف يشعر بعظم تأثير "سلطان الانسان"، فالإحساس بالناس ودعمه الإنساني غير المحدود للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة يجعلنا نتوقف كثيرا عن بعد نظره وتبنيه لمشاريع وجمعيات تهتم بهذا الجانب الانساني وبشكل "مؤسساتي"، فالأمير لم يكن يدعم لمجرد تأثره بموقف ما، ومن شاهد كيف الأمير يتخاطب مع الأطفال المعاقين ببساطة وبحب يعتقد أنها مجاملة وتأثر بموقف، لكنه عندما يبحث في أعمال "سلطان" الخيرية وكيف أن هذا الرجل أسس لعمل خيرى عملاق مبنى على أسس واضحة يتأكد أن حبه للناس صادق وأصيل، وسوف يتوقف كثيرا عند رؤيته الادارية التي لا تكتفي بالعاطفة، وهي مطلوبة، لكنها تمتد إلى العمل المنظم الذي يصنع الفرق في المجتمع. والحقيقة أن أيادي سلطان البيضاء لم تترك مجالا إلا وساهمت في تحويله إلى عمل عميق يفيد أبناء وبنات هذه البلاد، الذين أحبهم وأحبوه، ومن يزور مركز الأمير سلطان للعلوم والتكنولوجيا (سايتك) على كورنيش الخبر سوف يعرف أن هناك من يتكلم وهناك من يبادر ويعمل، و(سايتك) مبادرة عملاقة ليست لأن المشروع حجمه كبير، بل لأن فكرته كبيرة، فتعليم المجتمع والانتقال به إلى مجتمع تقني ومعرفي كانت أحد هموم هذا الرجل، الذي لا يكتفي بمجرد "الهم"، بل يبادر من أجل تحقيق نتائج على أرض الواقع. العمل المؤسساتي العملاق هو الذي يصنع الفرق والأمير سلطان رجل "مؤسسي" تعود منذ صغره على أن يعمل ويرى نتائج عمله أمام عينيه فلم يكتف بالافكار لكنه حولها إلى مشاريع عملاقة يستفيد منها كل الناس. لذلك عندما قال الأمير سلمان بن عبدالعزيز أن الأمير سلطان "مؤسسة للخير"، فقد كان يقصد ذلك تماما لأن سلطان كان يقول ويفعل، ولكن بشكل منظم وواضح حتى أنه يصعب أن تجد مدينة سعودية اليوم لايوجد فيها مشروع خيري، إنساني أو تعليمي، يحمل اسم الأمير سلطان. ولعل إحدى الوقفات التي يجب أن نقف عندها هي دعمه للبحث العلمي، فأكاد أجزم، أنه لم تبق جامعة إلا ولسلطان فيها كرسي علمي، وهذا في حد ذاته يؤكد على التنوع الكبير في عمل الخير الذي حاول الراحل أن يحققه، فهو "عمل خير من أجل التنمية" ومن أجل إحداث فرق في حياة الناس. أن محبته لأبناء هذه البلاد كانت تدفعه دائما إلى خدمتهم وإلى البحث عن كل السبل التي تدعمهم، فلم يكن حبه لهم لمجرد "سمعة" يريد أن يكسبها، إنه حب من القلب إلى القلب، حتى أنه يصعب أن تجد أحدا يقول أنه سمع من الأمير الراحل كلمة أساء فيها لأحد. لقد كان فعلا مؤسسة للخير تسعى إلى تنمية بلاده والتخفيف من معاناة مواطنيه. قبل ثلاثة أعوام، وبالتحديد عام 2008م كان الأمير سلطان في جامعة الأمير محمد بن فهد في العزيزية في مدينة الخبر، يفتتح مقرها الجديد وكنت ضمن الذين استقبلوه. وقد كان رحمه الله قادما من رحلة علاج، لكن من يراه ومن يصافحه ويتحدث إليه يشعر أن هذا الإنسان مؤمن بالقضاء والقدر وأن الحياة بالنسبة له ممر، استقبلنا هو أكثر من استقبالنا له، فقد كان مبتسما صافح الجميع دون كلل، يتحدث إلى هذا وذاك. لقد شعر الجميع أن هذا الرجل "متصالح مع نفسه"، ولعل هذا ما سماه سمو رئيس هيئة السياحة والآثار "الطاقة الايجابية" عندما تحدث عن الأمير سلطان بن عبدالعزيز في قناة الشرق الأوسط يوم الأربعاء الفائت، فهذه الطاقة التي كانت تحث الأمير الراحل على العمل بجد مع وجود ابتسامة مشرقة على الوجه، هي التي كانت تسعده عندما يزور الناس ويدخل بيوتهم ويقول في نفس الوقت أن هذه الزيارات كانت تعطيه طاقة أكبر للعمل. إنه إنسان أحب الناس فأحبوه.