وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    شمعة مضيئة في تاريخ التعليم السعودي    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد بن محمد الهويش
غابت شمسك عن حياتنا.. ليبزغ نجمك في أعماق قلوبنا!
نشر في الجزيرة يوم 03 - 11 - 2011

الزعماء ثلاثة.. واحد يهرول نحو التاريخ بشق الأنفس لكن التاريخ يدير له ظهره!.. وثانٍ يدق أبواب التاريخ ليل نهار فلربما يفتح له صفحة!
أما النوع الثالث فيمثله أولئك العظماء الأفذاذ، الذين يهرول إليهم التاريخ بنفسه، ويفتح صفحاته لهم على مصاريعها، يسجل فيها أعمالهم الجليلة وعطاءهم الفريد، ويقول لهم: هل من مزيد؟
واحد من هؤلاء الأفذاذ هو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي لبى نداء ربه وافتقده كل بيت سعودي وبكاه كل عربي ومسلم. لكن عزاء الجميع أن هذه النفس المطمئنة رجعت إلى بارئها راضية مرضية.
ترجل الأمير الشهم صاحب المكارم الفارس الذي أعطى لمملكته ولشعبه ولأمته كل ما أعطاه من جهد مميز وعطاء لا يتكرر.
فلا تسألوا الإنسانية: كيف اختارت أميرها؟ ولا تسألوا القلوب: كيف انتقت سلطانها؟ ولا تسألوا الشاعر الأديب الفنان: لماذا سمى ابنه، والحي السكني، وطيره - طير السعد (سلطان)؟!
ثم لا تسألوني: لماذا طال مقالي، وكثرت كلماتي، وتدفقت حروفي وأنا أروي لكم من القلب إلى القلب ملحمة هذا الإنسان ورغم الإطالة.. أقول لكم: سامحوني، فقد عجز لساني وجف مدادي، فماذا عساي أن أقول؟!
المناسبة غير عادية لرجل غير عادي.. غاب سلطان صاحب الحنكة والحكمة وبُعد النظر غاب وأغمض عينيه وتوارى عن أنظارنا ليلقى ربه بعد مرض عانى منه «إنا لله وإنا إليه راجعون».
وقتها قطعت المحطات التلفزيونية والإذاعية الخليجية والعربية والعالمية برامجها لتتناقل خبر الوفاة المنتديات، شريط الأخبار في كل محطة تلفزيونية الأمير سلطان بن عبدالعزيز في ذمة الله.
وإنا على فراقك يا أبا خالد لمحزنون سيفقدك وطنك فإلى جنات الخلد بإذن الله لن ينساه أبناء هذا الوطن الذي طبع في كل منهم بصمة.
كنت مع الجموع الغفيرة جداً التي اكتظت تودعه إلى مثواه الأخير وحضروا جنازته في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض.. ومنها إلى مقبرة العود.. يتقدمهم الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله وأشقاؤه والأمراء وأبناء الفقيد.. وعدد من الرؤساء والملوك والأمراء من دول عربية وإسلامية شقيقة الذين توافدوا على العاصمة الرياض للمشاركة في تشييع جثمان الراحل سلطان بن عبدالعزيز واكتظ بهم الجامع في عصر ذلك اليوم.. وكذلك وفود أجنبية جاءت مؤدية لواجب العزاء.. وجمع غفير من المواطنين.. أبناء شعبه والمقيمين وكل من أحبه.. ومنها إلى مقبرة العود حيث مثواه الأخير التي نسأل الله أن تكون الجنة مستقره ومثواه جزاء ما قدم.
بعد الصلاة على جنازة الأمير سلطان رأيت الملك عبدالله وبجانبه إخوانه الأمراء يتقبلون التعازي في وفاة الفقيد من كبار المعزين من ملوك ورؤساء وأمراء وأعضاء من السلك الدبوماسي.
أقول كنت وسط هذا المشهد الحزين الذي حرصت أن أكون متواجداً فيه باكراً لشدة الازدحام.. وفي هذا المشهد المؤثر والأليم كنت شارد الذهن غارقاً في مشهد أمامي وكأنه الحلم.. وهو حقيقة أمام عيني استرجع قصة من الأدب الإغريقي القديم لحكيم ووري الثرى.. وجاء أبناؤه لزيارة قبره في اليوم التالي ليجدوا أمام القبر أشجاراً باسقات.. ترعرعت ونبتت وروداً ناظرات أزهرت.. ولما دهشوا قال لهم قاضي المدينة: لقد بذر أبوكم في حياته بذور الحب والعطاء والتفاني، وسقاها من قيم الخير.. فها هي اليوم بعد مماته سخية الثمار تغدق بالأزهار..
اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وتجاوز عنه ووسع قبره واجعله روضة من رياض الجنة يا رب العالمين.. كلمات رددها لسان الصغير والفقير قبل الكبير والغني.. رجالاً ونساءً وأطفالاً.. رددها كل من عرفه وسمع عنه.. كل القلوب دعت له بالتوفيق حياً.. وجاءت تدعو له بالرحمة بعد الرحيل..
كل الأسرة المالكة استقبلوا المعزين في قصر اليمامة بالرياض على مدى ثلاثة أيام، وكذلك إمارات المناطق بنفس مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره.. يوم وداع على نهج إسلامي حنيف.. الشعب كله بل العالم شاهدوا الأمير سلطان وهو يوارى الثرى بكل هذه البساطة في جنازة ومسيرة عادية.. وقد جلست عند قبره ودعوت له بالرحمة والمغفرة، وأن يرزقه الله الفردوس الأعلى بإذن الله.
إن القلم يعجز.. والكلمات تصمت.. والدموع تجف.. المصاب أكبر من القلم والدمع والكلمات.. المصاب مصاب أمُة.. وليس مصاب فرد أو عائلة.
مات سلطات الجسد، وبقي سلطان الرمز. لأن الرموز لا تموت. إن الخالدين لن يرحلوا.. فإنما تخلدهم أعمالهم التي ستبقى على مر التاريخ.
مات العظماء.. ولكن التاريخ لم ينساهم.. بل سطر لهم أعمالهم لتقرأها الأجيال القادمة. إنك يا سلطان بن عبدالعزيز لم تمت تاريخاً وعملاً.. وحتى لو فقدناك جسداً.
سلطان كان نبراساً لجمع الكلمة ووحدة الصف. ودعم الجهود تاركاً سجلاً حافلاً من الإنجازات بحكمته وقدرته على استنهاض الهمم. ها آنت بين يدي رب العباد. رب غفور كريم رحيم.. بعد أن تركت سيرة حسنة بين الناس جميعاً. وتركت نموذجاً لما يجب أن تكون عليه القيادة. مات سلطان وعاد إلى ربه بوجهه النوراني وبقلبه الأبيض النقي وبابتسامته الصادقة المشرقة.
سلطان الخير، والإنسانية، والعطاء والكرم، والصدق، والجود، الأبوة، الحنان، الحكمة الوفاء، المروءة، الإنجاز. سلطان كان أنشودة تغنى بها كل عربي ومسلم. هكذا تموت الأشجار الطيبة الزكية واقفة تاركة الأجيال تتغذى من ثمارها.. نسأل الله أن تكون الجنة مستقرة بإذن الله جزاء ما أعطى وقدم.
سلطان هو الأمير الذي مسح دمعة المحتاج والفقير والمعسر وأغاث الملهوف، وفرّج عن المكروب. نراه دائماً مساهماً وداعماً لكل عمل خير، وحاضناً لكل الفعاليات الحضارية للعلماء المثقفين، والباحثين، وطلبة العلم، والمراكز الإسلامية والدعوية في كل مكان والجمعيات الخيرية وجمعيات المعوقين. أقل ما يوصف به أنه جمعية في رجل منظومة من الأخلاق والقيم ونبل السجايا، فأعماله ليست وليدة اليوم والساعة.
هو رجل المبادرات والتبرعات غير المعلنة، فما يعلن من تبرعاته ليس إلا القليل. هو أمير العز والنبل والسخاء.
سلطان الرحمة
وصدق الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الذي قال: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس.. ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً، ومن مشى في حاجة أخيه حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم نزول الأقدام». وأنت يا سلطان الرحمة والقلوب من نفع وساعد الناس.
ماذا نقول عن عطاءاتك التي فاضت على الضعفاء والمظلومين، وكل صاحب حاجة وسطرتها بنبض أعصابك، وخفق قلبك ومنابت إيمانك سجلات من بهاء تزين صدر التاريخ، وتضيء نبلاً وشهامة وفروسية وتقول فعائلك ما لم يقله لسانك. سجلك مليء بأعمال الخير على مداد أرضنا العربية.
كان سلطان رحمه الله لا يحمل في قلبه أي ضغينة أو حقد لأي إنسان حتى لو أساء إليه.
مثال التواضع
في حياة الأمير سلطان - قابلت سموه الكريم في أكثر من مناسبة بحكم عملي الصحافي في ذلك الوقت وعملي الإعلامي سابقاً في شركة سابك تشرفت بالسلام على سموه مرَّات عديدة، ففي العمل الصحافي تُتاح لنا تغطية مناسبات يَشرف بافتتاحها ورعايتها. مناسبات عسكرية، صناعية طبية، تعليمية، دينية، جوائز مثل جائزة الدولة التقديرية للأدب، جائزة الملك فيصل العالمية وغيرها، وفي مناسبات شركة سابك وقد سعدت الشركة العملاقة سابك وتشرفت برعاية سموه الكريم بافتتاح وتوسعة الكثير من مشاريعها، بما في ذلك وضع حجر الأساس لمشاريعها في كل من الجبيل وينبع.
وقد كنت أحضر هذه المناسبات لأنها من صميم عملي الإعلامي في إدارة العلاقات العامة في سابك ونقوم أنا والزملاء بالتنظيم والترتيب لهذه الزيارة. وأكون في هذا اليوم في غاية النشاط والفرح في موقع الحفل، وانتظر بفارغ الصبر وصول سموه وطلته البهية لنا.. أسجل في هذه المناسبة كل الانطباعات وأرقب عن قرب كل ما يكون في هذا الاحتفال.
نقاء السريرة والشفافية
دائماً يكون حضور سموه هادئاً لموقع الاحتفال، وفور وصوله يُصافح كل من وقف واصطف بالترحيب بمقدمه الكريم، ثم يأخذ مكانه في الحفل محيياً بيده الكريمة كل الحضور، ومصافحتهم بابتسامته المعهودة. يقف الأمير سلطان للإعلاميين ويجيب عن أسئلتهم طالت أو قصرت، بصدر رحب دون ملل متحدثاً بكل الوضوح والشفافية.
ابتسامة تسبق محياه
كل من يشاهد الأمير سلطان وأنا منهم منذ أن كنت طفلاً والابتسامة لا تفارق محياه، نراه ضاحكاً مبتسماً باشاً متفائلاً في كل مناسبة، يبتسم للصغير قبل الكبير، للفقير قبل الغني، للرجل المريض قبل المتعافي، متوقفاً ومستجيب لطلب كل سائل بابتسامة صادقة غير مصطنعة، بل تخرج من القلب. وربما لم تفارقه الابتسامة إلا في مرات نادرة جداً في الظروف التي تصيب الأمة.
في معرض الأمير الفنان خالد الفيصل:
في 20-6-1406ه افتتح الأمير سلطان بن عبدالعزيز معرض الأمير خالد الفيصل وكان أمير منطقة عسير آنذاك والذي أقامه في مبنى مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وقد سعدتُ بحضور هذه المناسبة وتغطية فعاليات المعرض ممثلاً لجريدة (الجزيرة) وقتها كنت طالباً في المرحلة الجامعية.. وكنت أرى سموه عن قرب فرحاً ومبتسماً وكنا نجول معه داخل المعرض وعن قرب من سموه الكريم دون أي حواجز تمنعنا عن القرب منه ومصافحته أو الحديث معه. أخذ سموه يستمع إلى شرح وافٍ عن هذا المعرض من قبل الأمير الشاعر والفنان والرسام خالد الفيصل (أبو بندر)، وما أبدعته أنامله من رسومات رائعة، كانت معظم الرسوم تحمل صورة والدة الشهد الملك فيصل طيب الله ثراه، وصوراً لعمه الأمير سلطان لعمق العلاقة الخاصة والحميمة والقديمة بينهما أبدع في رسمها، إضافة إلى رسومات وصور للصقور وهي تنقض على الفريسة والصيد في رحلات القنص، وصور لنبتة (الخزامى) والسحب في السماء، وكنت في هذا المعرض أرى وألمس وأشاهد عن قرب حجم هذه العلاقة الخاصة التي تربط سموه الكريم بالأمير خالد وسعادة الأمير خالد الغامرة والتي لا توصف وعمه يدشن هذا المعرض ويتنقل بين أرجائه متوقفاً أمام كل واحة، وبعد الجولة خص الأمير سلطان صحيفة (الجزيرة) بتصريح خاص أعتز به أبدى فيه مشاعره وسعادته في افتتاح هذا المعرض. وفي نهاية الزيارة غادر أمير القلوب صالة المعرض مودعاًَ من قبل الأمير دايم السيف.. ثم عاد الأمير خالد إلى قاعة المعرض مرة أخرى واستمع إلى أسئلة الصحافيين وأجاب عنها. ثم أهدى إلى الإعلاميين ديوانه الذي صدر مع هذه المناسبة وعنوانه (قصائد نبطية) واعتز بهذا الإهداء واحتفظ به في مكتبتي بتوقيع من سموه الكريم.
سر الابتسامة
أذكر أنني سألت الأمير سلطان بن عبدالعزيز في إحدى المناسبات أتذكر أنها جائزة الملك فيصل العالمية عن سر هذه الابتسامة والضحكة الدائمة التي تكسو محياه الكريم وبحضور الأمير خالد الفيصل وقد أجاب سموه مفسراً ذلك بقوله: (أنا غير متشائم بل دائماً متفائل، وطوال حياتي أكره التشاؤم لاني أرى التشاؤم جبناً. وهو يعتبر تشكيكاً في قدرة الله سبحانه وتعالى وفي نفس الوقت هو تشكيك في قبول الإنسان بما رزقه الله من رزق قل أو كثر).
العمليات التي أجراها الأمير سلطان
في حياة سموه أجرى أربع عمليات جراحية أولها كانت عام 1405ه وكانت في ركبته والثانية عام 1410ه، واطمأن على صحته خادم الحرمين الشريفين الملك فهد يرحمه الله، وزاره في مقر إقامته في جنيف سمو ولي العهد آنذاك الأمير عبدالله. وصادف في تلك الفترة وبعد العملية أن غزى صدام الكويت في الثاني من أغسطس من عام 1990م وكان سمو سيدي سلطان في فترة نقاهة، وقد نصحه الأطباء بالبقاء، ورفض سموه نصائحهم وعاد إلى المملكة ليكون في ذلك الوقت العصيب الذي مر بالمنطقة في المواقع العسكرية مع جنده وضباطه، وخرج وتحدث إلى الناس والإعلام وهو متوكئ إلى عصا ضارباً عرض الحائط بنصائح الأطباء.
فرحة المضيوم
كان شاعرنا المبدع في حرفه الأمير خالد الفيصل متواجداً بحضور شعري متألق كعادته بعد نجاح كل عملية، كونه تربطه بعمه سلطان علاقة حميمة وعميقة وقديمة وخاصة.
قال في عمه عند العملية الأولى هذه القصيدة:
لا بأس يا من له على ما قسى بأس
عدَّاك سلطان ربي خطرها
تسلم وتبقى للشرف رافع الرأس
يا فرحة المضيوم ساعة كدرها
يدعون كل الناس من كل الأجناس
والله يقبل ما دعى لك بأثرها
سيد الجود
وعندما غادر الأمير سلطان إلى جنيف لإجراء العملية الثانية في الركبة والتي كانت عام 1410ه أبدع الأمير خالد الفيصل كعادته، وسطرت ذراعه قصيدة عميقة تدل أيضاً على علاقته الحميمة والغالية بعمه ولا يرخص بها ويتفاخر بها وأنه افتقده في هذه الفترة، سائلاً المولى عز وجل أن يشفيه ويعينه ويلبسه ثوب الصحة والعافية. فقال في غياب عمه هناك:
للدار وحشه عقب سيد هل الجود
وعيني غشاها عقب شمسه ظلالي
ما لوم رجلك لو شكت كايد الكود
اتعبتها ترقي سلوم المعالي
للجسم حد وغايتك ما لها حدود
ظلمت نفسك من قديم وتالي
طاحت الدمعة على كف سلطان
أما العملية الثالثة فكانت عام 1418ه وكانت في الولايات المتحدة الأمريكية وتكللت بالنجاح، وعندما عاد سموه من رحلته العلاجية كان على رأس مستقبليه شقيقه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وعندما سافر سموه لإجراء هذه العملية أبدع قلم الأمير خالد الفيصل كعادته بقصيدة مؤثرة تنم عن حبه له فقال عند مغادرة عمه لأرض الوطن:
عند الموادع دمع عيني غلبني
وطاحت بي الدمعة على كف سلطان
شيخ بالأخلاق الكريمة ملكني
بالمرجلة فارس وبالرحمة إنسان
ومن يزرع المعروف لابد يجني
ومن يفعل الإحسان يجزي بالإحسان
واللي يريد المجد لابد يبني
في قلوب وعقول المخاليق بنيان
أحب يمنى عمي اللي حشمني
ومن لامني في حب سلطان غلطان
أفاخر بعمي على الناس وأثني
ويستاهل البيضا سلايل كحيلان
له موقفٍ عند الملمات يثني
سلطان موقف والتجاريب برهان
إذا انتهض يكفي وإلى مد يغني
وإلى تكلم كل شيء معه لان
وإلى وعد يوفي وإلى قال يعني
وإلى ارتكا للحمل شاله بليهان
بالطيب جاوز كل هقوه وظني
الله يوفقه السعد وين ما كان
سلطان المجد:
وعندما علم الأمير خالد الفيصل بنجاح العملية تألق فرحاً وأشعر بهذه الأبيات في سلطان المجد سلطان العطاء.. فقال:
بالعون يا متعب قوايمك بخطاك
ما تستطيع الرجل تلحق هقاويك
ارفق على نفسك ودربك وممشاك
تعب القدم والدرب واللي يباريك
يا شيخ هون خطوتك لاعدمناك
معذورة كان الرجل ما تماشيك
يا ساعي للمجد والمجد يزهاك
المجد يا سلطان في كف أياديك
اسمك على خصلك يتوج مزاياك
سلطان خلانك وسلطان أعاديك
غلا الناس:
وعند إزالة الحويصلة من الأمعاء لسمو سيدي الأمير سلطان وكانت في جدة يوم 14-3-1425ه كان الملك عبدالله ولياً للعهد في ذلك الوقت ويزوره بشكل يومي ويقدم له الدواء. وفي هذا كتب الأمير خالد الفيصل قصيدة متغنياً بحب وفضائل ونبل الأمير سلطان داعياً الله له بالشفاء.. وكان عنوان القصيدة: غلا الناس:
ليت المرض ينقل عن اللي نوده
والله لشيله عن على الناس سلطان
شيخ جميع الناس ذخرٍ تعده
إن ضاقت الأيام واشتدت أزمان
من القلب إلى القلب:
أرجو من القراء الأعزاء المعذرة إذ أطلت عليهم ويعلم الله أنني كم سعدت بهذه الإطالة؛ لأن كل حرف وكل كلمة جاءت من القلب إلى القلب.. أحببت أن أشرككم معي في كتاب كلمات بسيطة قرأتها وقالها الأمير والشاعر دايم السيف عندما سئل عن سر علاقته الحميمة والعميقة التي تربطه بعمه سلطان.
قال سموه: إن سر العلاقة وكتابة هذا القصيد في عمي تبدأ من إخلاصي لله ثم لمليكي وولي عهده الأمين ولوطني، ومحبتي الصادقة التي لا أرخص بها ليس كونه عمي لكني أرى فيه الأب والموجه والمحب الصادق، فلا أملك إلا أن أزداد حباً فيه، فأكتب فيه هذا القصيد الذي لا أمله. لقد لجأت إليه بعد الله في حل مشاكلي والصعاب التي واجهتني في حياتي العلمية والعملية، فلم أجد إلا صدراً رحباً وقلباً كبيراً وسعة في الخاطر.
طير السعد:
ذات مرة أهدى الأمير سلطان طيراً للأمير خالد الفيصل فقال هذه القصيدة:
الطير يا عمي باسميه سلطان
يا حيث به من شخص عمي مواري
طير السعد طير الهدر طير حوران
صقر الرجال أصخا بصقر الحباري
كل على جنة رفيع وله شأن
وأنا بهم يا أهل المعرفة أماري
عمي صليب الرأس عمي كحيلان
عمي على كسب النواميس ضاري
وقد سمي الأمير خالد الفيصل ابنه سلطان، وطيره سلطان، وحياً من أحياء أبها باسم سلطان.
الطيب (سلطان)
من أجمل ما كتب وما أكثر الأشعار التي كتبت في سلطان الإنسانية والخير والعطاء أبيات تقول:
أحدٍ يباهي الناس من طيب جده
وأحدٍ يقول الطيب بفلان وفلان
وأحدٍ يقول الطيب سلطان حده
أما أنا بسمي الطيب سلطان
أسد في عرين الأسود
رحمك الله يا سلطان فقبل عامين تقريباً وبعد وصولك إلى أرض الوطن ب24 ساعة فقط، توجهت إلى مستشفى القوات المسلحة بالرياض لزيارة أبنائك ضباط وأفراد القوات المسلحة الذين يتلقون العلاج إثر تعرضهم لإصابات أثناء أدائهم الواجب في تطهير الحدود الجنوبية للمملكة من المتسللين الحوثيين المسلحين.
وجعل سموه الزيارة ضمن أولويات المهام، ناقلاً تحيات وتقدير خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وتمنياته لهم بالشفاء العاجل. وطبع الأمير قبلة على جبين كل واحدٍ منهم ومؤكداً اعتزازه بما بذلوه في سبيل الدفاع عن الحدود، مشيداً ببسالتهم، مقدرين هؤلاء الجنود حرارة هذه القُبلة على جباههم.
أبا خالد لقد مضيت بطلاً وبقيت علماً وعملاً
ها أنت يا صاحب الجسد المسجى في قبره بين يدي رب كريم جعلك الله من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. فأنت إن شاء الله من الفئة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) الحديث.
أقدم العزاء إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير نايف بن عبدالعزيز والأسرة المالكة وأعوانكم الصادقين المخلصين ثم لأبناء فقيد الأمة وإلى إخوانه وبناته الأميرات. داعين الله أن يجعل قبر سلطان روضة من رياض الجنة، وأن يجمعنا وإياه في دار كرامته إنه نعم المولى ونعم النصير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.