لم يصل إلى الرياض الأمير سلمان مساء يوم الاثنين قاطعاً أو منهياً إجازة قصيرة في البحرين أو القاهرة أو روما، ولكنه تجاوز مهمة طيران صعبة تفوق الاربعة عشرة ساعة متواصلة.. ولم يأت تاركاً ربيع راحة.. بل أتى من مهمة إخاء وود ونبل معاشرة إلى جوار رجل دولة الكل يتمنى له الشفاء، والكل يعرف له بوادر الإنسانية وانفرادات تتابعها وجزالة قيمتها.. ودّع الأمير سلطان.. رجل الدولة والمجتمع.. وأتى ليقوم بمهمة وجود شخصي لا يقبل إطلاقاً أن يغيب عنها.. أتى إلى جانب إجراءات الساعة الأخيرة في غياب امرأة فاضلة، ولكي تصافحه عواطف كل الذين تجمعه بهم المحبة وكفاءة الوفاء.. وسيعود إلى حيث كان مجدّداً متاعب التنقل الشاق، لكنه الأكثر سعادة مهما كان الأكثر قلقاً ومتاعب طالما هو يتواصل مع إنسانيات علاقاته ومشاعره وتصافح القلوب عبر صادق عواطفها.. تصافح العقول التي تعايشت في زمالة طفولة ثم طموح شباب ثم رزانة رجولة.. وكأن امتدادات الرياض «بضائع استيراد» ينجز شراءها ثم ينجز نشر تواجدها.. مهمة البناء الحضاري لا تشترى.. لكنها مسؤولية وعي وكفاءة أداء جعلت الأمير سلمان مبهر وجود قيادي في تطوير مدينة كانت تغلق مسافاتها القليلة بما يسمى «دروازة الثميري» أو «دروازة الوسيطى» وغيرهما من بوابات خشب لو أعيدت المساحات التي احتضنتها تلك البوابات لما استوعبت رواد الشراء في الوقت الحاضر وفي ليلة واحدة داخل كارفور أو التميمي.. وغيرهما.. انتشارات أسواق هائلة تبرهن على وجود جزالات تطور معيشي ومنزلي وتعليمي واقتصادي تحتضنه مدينة ضخمة كانت ربما قبل سبعين عاماً تقريباً يقول شاعرها: «حتيش لو غطيت خبز على تساه ودي بنجد لو ريوقي حزاها» وتساه تعني شاهي.. فهو يجد أن منتهى الترف المعيشي إفطاره بخبز يغمسه في بيالة شاي.. لا يريد ذلك وإنما يريد نجداً حتى ولو كان إفطاره من نبات «الحزا» وهو نوع بالغ المرارة جداً.. سلمان بن عبدالعزيز في ذروة هذا الشموخ المتعدد المثاليات والذي لم يتواجد في أي عاصمة عربية.. ليس وحيدا في سعادته التي يريد أن يرى فيها كل مواطن معه.. وهذا هو ما نعيشه الآن..