"الحسن درامان وتارا" أو "الزعيم آلاسان" كما يلقبه أنصاره، الخبير الاقتصادي ذو التسعة والستين عاما، كلفه الوصول إلى كرسي الحكم في بلده ساحل العاج، أو "كوت ديفوار" كما يحلو لسكانها أن يسموها، سنوات طويلة من الأزمات والصراعات، سالت فيها دماء كثيرة وتعرض خلالها للحرمان من جنسية بلده والتشكيك في أصوله ومواطنته، فضلا عن مذكرات الاعتقال ومحاولات الاغتيال. اختار "واتارا" قصر "مؤسسة هوفتوفنييه" في العاصمة السياسي "ياماصكرو" لإقامة حفل تنصيبه رئيسا لجمهورية كوت ديفوار، وفيها استقبل ضيوفه الذين لم يخف الإفوارييون حجم الاحتفاء الكبير ببعضهم على حساب البعض الآخر. وقد تميز حفل التنصيب والاستعداد له بحضور فرنسي لافت، بدأ بالتواجد المكثف للقوات الفرنسية في مطار "ياماصكرو"، وعلى طول الطريق المؤدي إلى قصر هوفتبونييه هذا فضلا عن قوات حظف السلام التابعة للأمم المتحدة، وهناك كان حجم الاستقبال الذي حظي به الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" أكبر من الاحتفال الذي خصص للحسن وتارا نفسه عندما وصل إلى مقر الحفل. فقد اضطر الرئيس الفرنسي إلى البقاء لدقائق عديدة أمام القصر لرد التحية لعشرات آلاف الافواريين الذين كانوا يهتفون مرددين "شكرا ساركوزي" في إشارة إلى دور القوات الفرنسية في حسم المعركة العسكرية لصالح الرئيس المنتخب، واعتقال الرئيس السابق لوران غباغبو، وداخل قاعة الاحتفال التي احتشد فيها أربعة آلاف شخص وعشرات من الزعماء والمدعوين الأجانب، وقفت الجموع حوالي عشر دقائق وهي تهتف باسم الرئيس الفرنسي ساركوزي ووزير خارجيته آلين جوبييه. أما الرئيس المنتخب الحسن واتارا فلم يشذ عن مؤيديه في الاحتفاء بالرئيس الفرنسي، وكانت أول كملة افتتح بها خطابه الرسمي، هي "فخامة الرئيس ساركوزي.. شكرا لكم وللشعب الفرنسي". اليوم يرث "الحسن وتارا" بعد تنصيبه رسميا، بلدا ممزقا ومدمرا، بفعل حربين أهليتين نجمتا عن انتخابات رئاسية أريد لها أن تكون نهاية أزمة الحكم في بلد تعتمد على"الكاكاو" كأكبر مصدر للدخل القومي، فكانت شرارة اندلاع أزمة أخرى وسائلها النار والحديد، ووقودها المدنيون والأبرياء، وغايات أطرافها النفوذ والسلطة، لكن أنصاره يبدون واثقين من قدرته على العبور بالبلد من تلك المحنة نحو الاستقرار. ومع انتهاء فترة رئاسة "لوران اغباغبو" الذي لم يقبل بتنظيم انتخابات رئاسية جديدة وهي الانتخابات التي انتهت بفوز "الحسن واتارا" في الشوط الثاني بنسبة تزيد على 54 في المائة، مقابل حوالي 46 في المائة. غير أن الرئيس المنهزم رفض الاعتراف بالنتائج، واستدعى رئيس المجلس الدستوري الذي أعلن له عن نتائج مخالفة لما أعلنته لجنة الانتخابات، وأقره فائزا بدورة رئاسية جديدة، فعادت البلاد إلى دوامة العنف ثانية، ورغم أن المجتمع الدولي بأسره اعترف بالحسن واتارا رئيسا منتخبا لساحل العاجل إلى أن "غباغبو" ظل يقاوم حتى اللحظات الأخيرة، حتى اعتقل مع زوجته ورفيقة دربه في النضال "سيمون غباغبو"، في آبدجان خلال شهر إبريل الماضي، من طرف القوات الموالية للحسن واتار، مدعومة من طرف قوات فرنسية خاصة. وباعتقال "لوران غباغبو" فتح الطريق سالكا أمام "الحسن واتارا" للوصول إلى القصر الرئاسي في العاصمة السياسية "يامو صوكرو"، بعد أن ظل لأشهر عديدة حبيس فندق "الغولف" في إحدى ضواحي أكبر مدن البلاد آبدجان والذي اتخذ منه مقرا له، وحاصرته فيه القوات الموالية لخصمه "لوران غباغبو" خلال العمليات القتالية، لكنه يواجه اليوم تحديات جسيمة للغاية، أولها إعادة توحيد البلاد التي مزقتها الحرب الأهلية بين شمال وجنوب، وبين مسحيين ومسلمين، أما التحدي الثاني فهو كونه أول رئيس مسلم يقود ساحل العاج منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، فهل سيحقق للعاجيين ما لم يحققه أسلافه من الرؤساء السابقين المنحدرين من الجنوب والوسط المسيحيين. الشرطة العاجية والفرنسية انتشرت في شوارع العاصمة ابيدجان تجنباً لوقوع اعمال عنف (الرياض)