في فترة زمنية قصيرة أثبت مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وللمرة الثانية أنه فوق حملات التشكيك في الأهداف والنوايا، وأنه يزداد لحمة وقوة، ويقف مع الحق والعدل. في المرة الأولى وحين استشعرت دول المجلس أن هناك خطراً يهدد إحدى دولها انبرت بكل سرعة وشجاعة، وجاء إرسال قوة درع الجزيرة لحفظ الأمن والاستقرار في البحرين ضد أي اعتداء خارجي يمكن أن تتعرض له، وذلك تحقيقا لأهداف تشكيل هذه القوة. نعقت أبواق معادية كثيرة، وتسارع الحاقدون في إطلاق التهم والتشكيك في النوايا وإثارة الإشاعات المغرضة، ولكن الواقع أثبت عكس ذلك وعاد الاستقرار والهدوء يلقي بظلاله مرة أخرى على ربوع البحرين، ويبقيها واقفة بشموخ مع شقيقاتها الخمس الأعضاء في المجلس. اليوم يسجل التاريخ أيضا إنجازا خليجيا آخر في الساحة السياسية يؤكد سلامة التوجه وحسن النية، فعندما تعرض اليمن الشقيق, لموجة عارمة من الاضطرابات والأحداث الداخلية، التي باتت تهدد أمنه ومستقبله استشعرت دول المجلس أن عليها دورا لابد لها من أن تقوم به تجاهه كبلد عربي صديق تربطه بدول المجلس وشائج متعددة، كما يشترك معها في عضوية عدد من المؤسسات واللجان في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية. عندها بدأت سلسلة من زيارات لصنعاء ولقاءات جمعت مسؤولي دول المجلس مع ممثلي السلطة والمعارضة. آتت هذه اللقاءات أكلها، وبدأت بوادر الأمل تظهر على الساحة. قدمت مقترحات ومشروعات للتوفيق بين الجانبين، وبما يكفل سلامة وأمن الشعب اليمني، والحفاظ على ممتلكاته، وتمكينه من رسم السياسة التي تحقق مطالبه. بحمد الله نجحت المساعي، واكتملت صورتها في اجتماع مهم وحاسم تقرر أن تستضيفه الرياض، بحضور وزراء خارجية دول المجلس وممثلي الجانبين، لإقرار المبادرة الخليجية التي وافق عليها كل من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وحلفائه، والمعارضة اليمنية ممثلة في اللقاء المشترك وشركائه. إقرار هذه المبادرة يقدم الدليل القاطع على أن ما قامت به دول المجلس تجاه البحرين أولا، وتجاه اليمن الآن هو تأكيد على أن سياساتها التي قامت عليها ليست سياسات أطماع، ولا تجاوزات على حقوق الآخرين، وإنما حرص على تحقيق سلام وأمن دائمين لكل الدول العربية والصديقة، وهذا ما يستنكف بعض الحاقدين الاعتراف به، ويحاول التشكيك في مضامينه في الوقت الذي أشادت فيه هيئات ومنظمات دولية بالمبادرة الخليجية واعتبرتها استمرارا لنهجها السابق. بعد لقاء الرياض المرتقب وما سيسفر عنه إن شاء الله من نتائج تبقى المسؤولية بكاملها ملقاة على عاتق اليمنيين لتغليب المصلحة العامة والبعد عن النزاعات الحزبية والقبلية، ولو رجعوا إلى التاريخ لوجدوا فيه الكثير من العبر والشواهد على أن العنف والاضطرابات لم تكن في يوم من الأيام طريقا للنجاح وتحقيق الأهداف. دول المجلس من جانبها ستظل ترقب الموقف عن قرب ولن تتوانى عن تقديم أي عون يندرج في إطار سياستها المتوازنة وحرصها على أمن واستقرار كل دولة عربية أو إسلامية أو صديقة..