تركت متابعة ما ينشر في المنتديات منذ سنتين تقريبا. ولم أساهم فيها أصلا ولم أتخذ معرفا خاصا إلا مرة واحدة فقط. كنت أوقع باسم (رئيس مركز هيئة البيكادلي). سرق مني بعد ذلك ولم آسف عليه. كنت قد جالدت عدة أشهر, في النهاية مللت الكتابة في الظلام . اكتشفت أن الذين يكتبون في المنتديات عددهم محدود جدا. كل واحد يملك عشرات المعرفات. يكتب ويرد على نفسه ثم يرد على نفسه مرة ثانية في حوار لا ينقطع بين الشخص ونفسه وإذا دخل عليه شخص آخر فسيدخل بمعرفاته التي لا تنتهي. هناك ثلاثون رداً في جانب وأربعون رداً في الجانب الآخر كلها في الواقع صادرة عن شخصين فقط. بيد أن هذا الجدل يلخم الزائر الغشيم. سيظن الزائر أن العالم انقسم على نفسه وأن ثورة تُنتظر على الأبواب. تذكرني المنتديات بأيام الحداثة في الثمانينيات من القرن الماضي. كنا شللاً نجتمع يوميا. نتحدث عن الشعر والقصة والرواية ونخوض في السياسة والفكر والفلسفة، فتكرست الشللية وتصلبت حتى فقدنا الاتصال بالعالم خارج المجلس الذي نجتمع فيه. طورنا نوعاً من الوهم بأن العالم أصبح عالمين لا ثالث لهما. تقليدي وحداثي. عندما انهارت حركة الحداثة الوليدة خرجنا للعالم. فجعنا. كانت الصحوة قد أطبقت على الأشياء كلها. لم نعد نتمنى أن يصبح العالم حداثيا، صرنا نتمنى أن يعود تقليديا.لم نكن ندرك أثناء الغياب والانغماس في الوهم أن قوة عاتية تعصف بالحداثة وخصومها. لكن يبدو أن الوهم ينبت في كل مكان. بعد الأحداث العربية وخاصة المصرية طفا مصطلح شباب الفيس بوك. تسيد التحليلات السياسية والثقافية. هذا المصطلح كما فهمته من خلال التداول لا يعني أن هناك نوعين من الشباب في الجيل الحالي وإنما يعني أن جيل اليوم هو شباب الفيس بوك. لا أستطيع أن أختبر مدى الحقيقة الكامنة فيه. لكني أستطيع بخبرتي أن أتعرف على الأوهام. إحدى أهم المشاكل التي يعانيها المثقف المحبط هي سرعة تبنيه للوهم. يظن كل من اعتمد هذا المصطلح أن استخدام الفيس بوك إيذانا بدخول الجيل الجديد العصر. الزيارات الخاطفة للمواقع الاجتماعية كالفيس بوك وغيره تخلق الأماني . يلغي هذا الوهم الوردي قضايا مرتبطة بالقضية. تناسينا تماما أن المظاهرات والشغب والتمرد أياً كانت طبيعتها لا يقوم بها سوى الشباب. في عصر الفيس بوك وفي كل العصور. لا يمكن أن ينفجر جيل تعدى الأربعين. تناسينا أيضا أن الأزمنة كلها امتلأت بالتمردات والمظاهرات قبل أن تعرف البشرية شيئاً اسمه إنترنت. الإنترنت مثلها مثل كل شيء سبقها في التواصل. امتلأ التاريخ بوسائل التحريض. الدعاة والشعراء والعملاء السريون و المنشورات التي كانت توزع وتنثر في الأنحاء والكتابة على الحيطان والكاسيتات. كل تلك الوسائل تحتاج إلى محتوى. أسباب التمرد تنمو بصمت بلا أعراض وعندما تظهر الأعراض تصبح العودة شبه مستحيلة. مشكلة التمرد ليست في الوسائل. إلقاء العبء على الفيس بوك هو تضليل. هذا النوع من التحليل يؤكد تشابه تفكير المثقف المحبط و تفكير السلطات القامعة. بدلا من أن يلتفت إلى القضية يغلق الفيس والاتصالات ويلعنها.