على الرغم من إقرار مجلس الوزراء لعمل المرأة عن بُعد «من المنزل» -الذي يسهم في الحد من حجم البطالة بين النساء-، إلاّ أنه يلاحظ أن نظام هذا النوع من العمل مازال عالقا بين الأنظمة والوزارات، وبين التأخر في تفعيله وتطبيقه بحجج غير واضحة ومفهومة، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه المرأة تصر على الانطلاق في سوق العمل، من خلال الأعمال التي تحب أن تحقق ذاتها منها، حيث وجدت أن الانطلاق من المنزل فكرة من الممكن أن تبدع فيها وتقدم الكثير من الإسهامات في قطاعات العمل المختلفة، كالقطاع الإنتاجي أو الخدمي مثل البيع والشراء عن طريق الانترنت، والتسويق، والاستثمار، وإدخال البيانات، والمحاسبة، والمراجعة، والإنتاج اليدوي. «تحقيق الرياض» يناقش عمل المرأة عن بُعد بين ثلاث دوائر مغلقة يتحملون مسؤولية تفعيل القرار ونجاحه، وهم: «وزارة العمل، ورجال الأعمال، والموظف نفسه»، ويبقى مع ذلك السؤال الأهم: كيف تشكلت الأسباب التي حالت دون تفعيل قرار تشغيل المرأة عن بُعد، من خلال تلك الأطراف الثلاثة؟، وكيف من الممكن أن يطبق عمل المرأة عن بُعد بشكل كامل وجيد بالتعاون مع الجهات التنفيذية؟. المعارضون: المنزل ليس مكاناً للإنتاج واكتساب الخبرة والحفاظ على أسرار الشركات تجربة جديدة "العنود سعود" فتاة حاولت كثيراً أن تطرق الوظائف المختلفة في قطاعات الأعمال الخاصة والأهلية، فقد حرصت أن تدعم قدراتها بشهادتها التي حصلت عليها من دبلوم المحاسبة وبعض الدورات التي التحقت بها، إلاّ أنها وجدت أن الحصول على وظيفة من أكثر الأمور صعوبة، فليس من السهل بمكان أن تظفر بوظيفة في القطاع الحكومي، في حين يحتاج حصولها على فرصة وظيفية في القطاعات الخاصة إلى دعم عن طريق العلاقات الشخصية، ولأنها لم تستطع توفير تلك المسببات لتوظيفها قررت الانطلاق من بيتها بدل التوقف لانتظار فرصة وظيفية لن تأتي، فبدأت تعرض خدماتها في الإنترنت كموظفة تستطيع تنسيق عملية البيع والشراء بالأسهم والدخول في المضاربات فيها بشكل جيد، وقد حققت نجاحاً بسيطاً في ذلك الجانب، حيث حددت لها أربع ساعات يوميا تبدأ منذ الصباح وتنتظر في استقبال مكالمات الراغبات ممن يرغبن في الاستشارات وطلب المساعدة، وقد نجحت في ذلك إلى قدر كبير حتى جاءت موجة خسارة الأسهم التي أثرت كثيراً على عملها ومدى الإقبال عليه، فبدأت تفكر في الالتحاق بشركات للعمل فيها من خلال المنزل وبصعوبة شديدة اقتنعت إحدى الشركات بذلك، ولكن ليس بشكل دائم وبأجر شهري مستمر، بل بنظام القطعة في حالة احتاجت الشركة لخدماتها في إعداد بعض الأوراق والأمور الخاصة بالشركة في أوقات الضغط الكبير، إلاّ أن ذلك العمل لم يكن مجدي بالنسبة "للعنود"، حيث تجد بأن قبول مبدأ القطعة يبخس كثيراً من حقها، خاصة أن التقدير متروك لصاحب العمل وليس لجودة العمل والمدة المستغرقة في إعداده، متمنية أن يكون هناك نظام يحمي الموظفة التي تعمل عن بعد "المنزل" بضوابط صارمة وأن يفعل قرار تشغيلها؛ لأنه سيحل الكثير من إشكالية التوظيف لدى المرأة ليس فقط المرأة العادية، بل كذلك سيسهم في خدمة النساء اللواتي لديهن قدرات عالية من ذوي الاحتياجات الخاصة. المؤيدون: ينمي القدرات ويقلل من التكاليف وتكدس العاملين في بيئة العمل.. وأفضل من البطالة قرار غير منفذ! وتطا لب "هناء الزهير" -المديرة التنفيذية لصندوق الأمير سلطان بن عبدالعزيز لدعم المشروعات الصغيرة للسيدات- بضرورة احترام خصوصية المرأة بتفعيل قرار عمل المرأة عن بُعد، وذلك بفتح المجال أمامها بشكل كبير لخوض فرصة العمل من المنزل، وهو النظام المعمول به في جميع الدول المتقدمة، ففي أمريكا أكثر وظائف المرأة هي تلك الوظائف التي تقوم بها المرأة من المنزل، أو عن بُعد، وهي الدول الأكثر انفتاحاً، ولذلك فنحن أولى كمجتمع عربي من تطبيق هذه الفكرة التي ستكون جيدة وتصب في صالح الكثير من السيدات. إيجابية الفكرة وقالت: إنه من أهم الإيجابيات التي ستتصف بها مؤسسة العمل في حالة تطبيق العمل عن بُعد للمرأة، والتي من أهمها أنها ستريح رأس المال والمستثمر، كما أنها ستقلل من تكدس العمالة الزائدة في بيئة العمل، حيث لا تحتاج إلى توفير مكاتب خاصة للموظف فالمشكلة في حقيقتها لا تتعلق بالقطاعات الخاصة، بل وزارة العمل التي مازالت تتأخر في تطبيق هذا القرار، فلابد أن تتبنى أهمية تفعيل هذا القرار بتطبيقه كتجربة في بيئة عمل للوقوف على أهم النتائج إذا كان سبب التردد هنا عدم تجربة تطبيق هذا القرار، فوزير التجارة أكد بأن تطبيق عمل المرأة عن بُعد مخول لوزارة العمل، وذلك ماينص عليه قرار 120 والذي ينص على تطبيق نظام العمل عن بُعد، والعمل به وتخويل وزارة العمل للبت فيه، فرجال الأعمال وسيدات الأعمال وجميع المستثمرين لايجدون أي عائق من تطبيق نظام عمل المرأة عن بُعد، ولكن الإشكالية لا تبدأ في حقيقتها منهم، بل إنهم لم يطلب أصلاً رأيهم في ذلك وتلك مشكلة لا تتعلق فقط بعمل المرأة عن بعد بل في أمور كثيرة على سبيل المثال استخراج تراخيص العمل من المنزل فهذه التراخيص لم يتخذ فيها إجراء، فهناك سيدات كثر يرغبن في الحصول على ترخيص لفتح مشروع من المنزل، لكنهن لا يستطعن ذلك، لأن الجهة الحكومية المنوط بها القرار لم تتخذه بعد، فهناك الكثير من الأمور التي لايستطيع رجال الأعمال والمستثمرين اتخاذ القرار فيها، لأن القرار فيها من الوزارة فمجلس الوزارء أقر عمل المرأة عن بُعد، وهو ليس موكلا بوضع التفاصيل التي تساعد على تطبيق هذا القرار، فلابد من وضع إجراءات وزارة العمل لتطبيق ذلك القرار، فلماذا تأخير تفعيله، مؤكدة على أن تطبيق نظام عمل المرأة عن بُعد سيساعد في عملية توظيف عدد كبير من السيدات، وسيساعد في تسهيل إجراءات كثيرة لابد أن يعمل بها. العمل من المنزل يثير مخاوف الشركات سلبيات التطبيق ويرى رجل الأعمال وعضو مجلس الشورى "خليفة الدوسري" أنه لابد أن تعرف المرأة، وتحدد الأعمال التي تستطيع أن تعمل وتبدع بها من المنزل قبل أن يتم فرض نوعية تلك الأعمال عليها، وهل هي قادرة حقاً على العمل عن بُعد بشكل جيد أم لا، وبعد أن تقدّم قدراتها من الممكن عرض عليها الأعمال التي تتناسب مع تلك القدرات، مستبعداً أن يكون هناك تفاعل من قبل بعض الشركات في توظيف المرأة عن بُعد في الأعمال التي تتعلق بخصوصية الشركة كالمحاسبة وترتيب بعض المعاملات الخاصة، فالشركة لن تثق في إخراج أسرارها خارج الشركة لتصل لمنزل موظفة، فالاحترافية لابد أن تكون في مؤسسة العمل وليس في المنزل. وقال:"إن الإشكالية أيضاً لن تتعلق فقط بالشركة، بل سينعكس ذلك على الموظفة التي تعمل في المنزل من حيث الوقت والمكان، فهناك من النساء من يناسبها ذلك الوضع في حين قد لا يناسب آخريات، فنجاح عمل المرأة عن بُعد يحدده المرأة ذاتها حينما تحدد قدراتها، خاصة أن قبول هذه الفكرة أمر جديد على بيئة العمل لدينا، فثقافة تشغيل المرأة من بيتها غير موجودة في مجتمعاتنا على الرغم من أنها معمولة بشكل كبير في الدول الغربية، فالشركات وكذلك المجتمع بأكمله لم يعتمد حتى الآن في تعامله على التعامل من المنزل حتى في البيع والشراء وهو أبسط الأمور، فثقافة الشراء والبيع من قبل الإنترنت مازالت في طور القبول والرفض وجميع تلك الأمور تشكل جزءاً من معوقات نجاح المرأة عن بُعد، فمشكلة المرأة الحقيقية أنها تأتي دائماً متأخرة فيما يخص الوظائف، خاصة في ظل التزاحم الكبير على الوظائف وشغلها ليس فقط من قبل النساء، فالشاب لم يعد يجد عملا، فكيف بالمرأة؟، فالمشكلة لا تتعلق بالقطاع الخاص أو القطاعات الحكومية، بل تتعلق في فرص العمل التي لابد أن يبحث عنها بشكل جاد، فالرجل والمرأة على حد سواء إذا رغبا في الحصول على وظيفة لابد أن تكون المرأة على سبيل المثال مبدعة وتتعلم المشاركة، فمن لا يجد فرصة وظيفة عليه أن يفكر في مشروع، ويبحث من يشاركه في ذلك المشروع بدل التوقف لانتظار فرصة وظيفية". ليس حلاً وأضاف أن الالتحاق بقطاع وظيفي براتب قليل لا يحل من قضية البطالة، خاصة حينما ترغب المرأة أن تؤسس لحياتها، وكذلك الشاب، فالقدر القليل من الراتب لن يحل المشكلة، بل لابد من التوجه للتجارة، فرجال الأعمال أنفسهم قد لا يجدون فرصا وظيفية إذا ما بحثوا، فالحل عدم التركيز على الوظائف، بل الانطلاق للتجارة، ومن يعاني من عدم توفر المال عليه أن يصنع فكرة جيدة؛ لأن الأفكار الجيدة والناجحة تشترى من قبل الآخرين، فرجال الأعمال يبحثون عمن يصنع فكرة مختلفة ويشاركه في تلك الفكرة بتوفير رأس المال، فرجل الأعمال لا يريد أن يفكر عن الباحث عن وظيفة، بل يحتاج من يفكر عنه لذلك، فالموظفة والموظف المبدع هو من يكسب رهان العمل. هناء الزهير صعوبة التطبيق وأشار إلى أن فكرة تشغيل المرأة عن بُعد قد تنجح مع بعض السيدات المبدعات، ولكنها فكرة يصعب تطبيقها بشكل جيد، فالمرأة لابد أن تطرح ما تستطيع أن تقدمه، ثم تطالب به وتصر على ذلك، مشدداً على عدم إلقاء مسؤولية توظيف الشباب على رجال الأعمال، فهم متهمون ومظلومون في ذات الوقت، فرجل الأعمال في حالة سعي دائم لتطوير وتحسين وضعه، وقد يكون بدأ من الصفر وحينما كبرت تجارته جاء من يسأله عن مسؤوليته، على الرغم من أن هناك من رجال الأعمال من هم "غارقون في الديوان" وهذه حقيقة، وإذا كان لدى رجل الأعمال مؤسسة يحتاج لتوظيف عشرة فقط من الموظفين لا يجب الضغط عليه لتوظيف أكثر من ذلك لحل أزمة البطالة، مشيراً إلى أن بعض مخرجات التعليم التي أصبحت تخرج شابات وشباب بإمكانيات غير جيدة ممن يتقدمون لطلب الوظيفية كأن لا يحمل مؤهلا جيدا أو خبرته قليلة في الحاسب، وربما زاد على ذلك القصور بتغيبه الدائم وعدم انضباطه في العمل، وذلك ما ينطبق على المرأة أيضاً، على الرغم من أن توظيف السعوديين أفضل من العمالة الأجنبية من حيث التكلفة على رجل الأعمال، إلاّ أن السعوديين لا يرفضون الوظيفة، بل يرفض الراتب، وهناك مشكلة حقيقية موجودة، وهي مشكلة تدريب الموظف، فحينما تقوم الشركة بتدريب الموظفة فبعد فترة تتفاجئ بتركها للعمل إلى وظيفة أخرى وتلك مشكلة يتخوف منها الكثير من قطاعات العمل. خليفة الدوسري الدراسة مستمرة ويقول المدير العام لإدارة العلاقات العامة والإعلام بوزارة العمل والمتحدث الرسمي "حطاب بن صالح العنزي" إنه لا يوجد قرار وزاري يتعلق بتطبيق فكرة العمل عن بُعد، بل هناك قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (120) وتاريخ 12/4/1425ه بشأن زيادة فرص ومجالات عمل المرأة السعودية (الفقرة السادسة)، ثم أكدت عليه إستراتيجية التوظيف السعودية في السياسة الثانية من سياسات المدى القصير وآلية التنفيذ، حيث وردت فقرة "تشجيع العمل عن بُعد"، كما أن هناك مشروع لائحة للعمل عن بُعد وتتم دراسته في الوزارة. وقال: -فيما يخص التنسيق بين وزارة العمل وبين القطاعات الحكومية والخاصة- "بالفعل التنسيق قائم بين وزارة العمل وعدد من الوزارات منها وزارتا الخدمة المدنية، والشؤون الاجتماعية، ومجلس الغرف التجارية الصناعية، ومنشآت القطاع الخاص؛ لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل أسلوب العمل عن بُعد، الذي يعد أحد المجالات الجديدة التي يمكن من خلالها أن تعمل المرأة، وتحقق ما تصبو إليه، مع حفاظها على خصوصيتها"، مشيراً إلى أن الوزارة تسعى أيضاً إلى تطوير العمل الإنتاجي ونشر الثقافة الإنتاجية، فأسلوب العمل عن بُعد هو أسلوب قائم في قطاع الأعمال ولو بشكل جزئي، ومن هنا كان سعي الوزارة إلى إجراء دراسة لوضع لائحة له لوضع الأطر القانونية وتنظيمه بشكل يضمن نجاحه. حطّاب العنزي نجاح غير مضمون! وتوضح "ريم السويد" -رئيسة قسم التوظيف النسائي ببرنامج الأمير محمد بن فهد- أنهم يتعاملون كثيراً في عملية توظيف النساء مع القطاعات الخاصة أكثر من الحكومية؛ بسبب الطريقة المستخدمة في التعاطي مع التوظيف والتي تتصف بها القطاعات الخاصة عن الحكومية، حيث يقوم دورهم على التنسيق بين عدد الرغبات التي تأتي إليهم عن طريق "الرابط الخاص" بهم من قبل المتقدمات من النساء وبين الشركات التي تضمن شروطها، والمواصفات المطلوبة في الموظفة، مشيرة إلى أن هناك بعض الطلبات كانت تدور حول وظائف تقوم بها الموظفة من المنزل، حيث يطلب منها أن تقوم بأعمال مكتبية كإعداد الأوراق الخاصة بالشركة أو أعمال سكرتارية، إلاّ أنها تعتبر قليلة جداً بالنسبة لمجمل الطلبات التي يتم طلبها، حيث لم تتقدم شركة إليهم لطرح هذا النوع من الوظائف التي تعمل فيها المرأة عن بعد إلاّ مرتين فقط.وقالت: "إن الأسباب التي تدفع الشركات لعدم تبني هذا النوع من التوظيف مع النساء والذي يكمن في عدم وجود التفاعل من قبل الموظفة مع الشركة، فوجود الموظفة في الشركة ذاتها يعطي مجالاً أوسع لتكتسب الموظفة الخبرة والدراية بشؤون الشركة من خلال التعافل والنشاط الذي تمارسه، وربما ذلك مايدفع الشركات لعدم الإقبال على هذا النوع من التوظيف على الرغم من أنه قد يعفي الشركة من توفير المكان للموظفة، حيث تعمل من منزلها وربما كان الراتب أقل، متمنية فتح مجالات العمل على مصراعيها للمرأة بدل التفكير في تشغيلها من المنزل؛ فهناك الكثير من الأعمال التي لابد أن تكون من نصيب المرأة فقط دون الرجل كالبيع والشراء في المحلات والأسواق التجارية، خاصة فيما يتعلق ببضائع النساء فتدعيم عمل المرأة عن بُعد قد يحل جزءا من بطالة النساء ولكنه لن يستطيع أن يخدمها كثيراً على مستوى الخبرة والمهارة والتفاعل مع بيئة العمل. واشارت إلى أن نجاح العمل من المنزل يرتبط دائماً بالمشروعات الشخصية والتي تكون للمرأة فقط، مستشهدة بمشروعات تصميم كروت الدعوات، وإعداد أصناف الحلويات، والخياطة، وإعداد الحفلات والتي تنطلق من المنزل؛ فلاقت نجاحا كبيرا للمرأة، لأن الربح هنا عائد لها وليس لطرف آخر.