إن إشكاليات التحيز ومبادئ الحياد ونقطة الحياد وموقف القضاء من الأمان الاجتماعي والتأثير والتأثر في حركة المجتمع كانت من أكثر النقاط سخونة في الأمم والحضارات. وتبقى اشكالية تحديد نقطة الحياد بوصف ثابت منضبط من الاشكاليات المنهجية في السلوك القضائي، بيد أن خطوطها العريضة معروفة لكل كائن حي على وجه البسيطة. ولا نجد أفضل من وصف لنقطة الحياد بأنه هو الحياد العلم المطلق، بأن يشعر الجميع بالأمان بالحصول على العدالة الكاملة من القاضي. إن المجتمعات في تحرك مستمر نحو التجاذبات الفكرية والدينية والعلمية والإثنية والتطور الحضاري وتعيش دوماً إفرازات الصدمات الحضارية والأزمات. وكثير من الحضارات والأمم والدول جعلت شعار عدالتها هي كفتي الميزان متساوية. وكثير من دول العالم تحظر على فئات من المجتمع كالسلك العسكري والقضائي ممارسات معينة كالتصويت والانتخاب والأعمال السياسية والتصريح للصحف فيما يتعلق بأعمال السلك. كل ذلك من أجل إبعاد السلطة القضائية عن الانحياز وصيانة لنزاهة القضاء على الانزلاق في معترك التجاذبات. فالإمام أحمد - رحمه الله - مثلاً عاش دهراً من حياته وأواخرها ظلماً عظيماً في فتنة خلق القرآن متزعم فتنتها قاضي القضاة ابن أبي دؤاد، وابن تيمية - رحمه الله - كأحد مجددي الإسلام عاش حياته بعدم الأمان من المؤسسة القضائية وعاش أياماً عصيبة مع القضاة الأشاعرة. إن القاضي السعودي له تميزه الخاص في التعاطي مع قنعاته ورؤاه وما يدين الله به من نصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم تغلب عليها المصلحة الشرعية العليا في مشاركاته وتأثيره المتأثرة بمركز وثقل المرجع القضائي الذي يمثله. وتحتل الأعراف القضائية والمفاد التجريبي شطراً مهماً في رسم الصورة العامة لموقع القاضي من هذه التجاذبات. فالقضاة كانوا دوماً داعماً مهماً في ترسيخ واستقرار مقومات الأمة والأمن الوطني، وتعاطيهم مع هذه الواجبات والمسئوليات فرضها الواجب الايماني والحكم الشرعي والدلالة المصلحية والاستقرار الوطني بمقاربات تميز القاضي عن غيره من أفراد المجتمع. وعندما تصبح تنقلات هذه المراكز القضائية والشخصيات المحسوبة على المؤسسة القضائية في بؤر الصراعات الفكرية أو القبلية أو الحدود المتأججة من الاستقطابات في المجتمع فإنه بالتأكيد يسحب معه سيلاً ضخماً من الردود المتأججة المناوئة لتمركز القاضي في صف من الصفوف.. فالقاضي ليس موقفه صب الزيت على النار، إنما التسكين وتهدئة الخواطر. لقد تعارف القضاة جميعاً كعرف أدبي ملزم في أخلاقيات الممارسة القضائية والسلوك الواجب امتثاله هو الوقوف على قدر متساو من الجميع، مؤثرين في كثير من المظاهر عدم التصريح بالقناعات والفتاوى العامة بغية تهدئة الخواطر وعدم القدح في نزاهة القضاء أو استقلاليته وحياده. لقد تلقيت قبل سنة رسالة على الجوال تبشرنا بتكوين منتديات خاصة مغلقة بالقضاة وفيها جمعية خاصة بالقضاة تهدف إلى تعارف القضاة، جعلت لها صحيفة ناطقة سميت باسم شبكة القضاة الالكترونية، ولها عدد من الأنشطة من مجموعة بريدية ومواقع على الفيس بوك ومدونات خاصة بالقضاة السعوديين دون غيرهم مراعاة للخصوصية تتحدث باسم القضاة السعوديين. كنت أتوقعه منتدى متخصصا بالبحوث والدراسات القضائية المفيدة ولكنني صدمت بالحجم الهائل من الأفكار التصنيفية والسلوك المتأجج والنشر الرديء الفضائحي، فألفيتها صحيفة تجمع كل ما يشين ويعيب في القضاء والقضاة من مهاترات تنال من رجال الدولة وعلمائنا والقضاء والقضاة والدعاة والشخصيات الوطنية بصورة مخجلة حقاً. فهل نحن أمام مشروع شبكة تتحدث باسمنا كقضاة، وتمارس جلد الذات وتشويه صورة القضاء السعودي؟! وانطلاقاً من الواجب الوطني وصوناً لاستقلالية القضاء ونزاهته بالبعد عن التعدي على الآخرين وتصفية الحسابات عبر هذه الصحف الإعلامية الالكترونية. ناصحت منشئيها بما لنا من حق عليهم فاستمروا في سبيلهم سادرين. وبتصفح أي مسؤول في الوطن لموقع هذه الشبكة سيجد ما يندى له الجبين من «تعار عن بعد» - هه - وعن مستشارية قرب - هه -. وبغض النظر عمن يجادل في أن آدمن دومينها مندوب لجهة حكومية ما لثقة المسئولين فيه، بأنه ليس حقيقة يمارس العمل القضائي، فهو بحل مما في الشبكة من المهاترات السخيفة إلا أنه بالتأكيد مارسها سابقاً وعرف عنه ذلك كله، وهو من الأجدر به إلى امتثال السلوك القويم والأخلاقيات المثلى والبعد عن تنميط مسيء لصورة القاضي السعودي الوقور الذي سيبقى ناصع الجبين. فإذا كان نظام القضاء نص على أنه لا يجوز الجمع بين وظيفة القضاء ومزاولة التجارة أو أي وظيفة أو عمل لا يتفق مع استقلال القضاء وكرامته. ويجوز لمجلس القضاء الأعلى أن يقرر منع القاضي من مباشرة أي عمل يرى أن القيام به يتعارض مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها. أليس من الأولى البعد بشخصية القاضي عن الابتذال بالدخول في معترك التيارات أو الاستقطابات الفكرية المتشنجة بمعرفات الساحات ومقالات الصحف. صيانة لاستقلال القضاء وكرامته. إن علماءنا في هيئة كبار العلماء يلقون من ولاة أمورنا كل احتفاء وكل توقير وكل احترام لفتاويهم. والحقيق بالصحيفة إلى احترام علمائنا وقضاتنا وفتاوى هيئة كبار العلماء ممن شابت لحاهم في خدمة دينهم ووطنهم عن توصيفات إنتاجهم العلمي وجهادهم في الفتوى بالشذوذ والكتم على أنفاس الحرية وإطلاقات وصف الحرورية، والاستهزاء بوظيفة الاحتساب رمز خيرية الأمة، أو نبز العلماء «بالكنافة السورية» و«سياقة السياكل لكونه حصان الشيطان» والإثراء غير المشروع، وجميع ما يصدم المشاعر من أوصاف لا تليق يراد بها تشويه قضائنا بمثل هذه الأعمال. وإني لأظنه مثبوراً.. فأحباس حراس الشريعة مرة الطعم.. وتورث العطب العبث بشفراتها.. وبلا شك ان افتتاح مثل هذه المواقع التي تتحدث باسم القضاة السعوديين بدون إذن من المؤسسة الرسمية وإشراف من مجلس القضاء الأعلى بكونها المرجعية التي تتحدث باسم القضاة يعتبر تعدياً على المؤسسة ككل نترك أمر تقدير هذا التعدي وهذا الإحراج للقيادات العدلية لتقول كلمتها.