يختصر حضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه تاريخاً طويلًا من تقاليد السياسة والدبلوماسية السعودية المتراكمة على مدى العقود الماضية . ولعل أول ما يتبادر للأذهان مع قيامه بجولة الخير التي شملت عدداً من العواصم العربية روح الالتزام والمسؤولية اللتين تتسم بهما السياسة والدبلوماسية السعوديتين تجاه قضايا المنطقة . فهناك رغبة دائمة لدى المملكة في تفويت الفرص على احتمالات التوتر والحروب التي تلوح في فضاءات السياسة العربية . وانطلاقاً من هذا الفهم ، أخذ الجهد الدبلوماسي السعودي ثلاثة اتجاهات ، في تعاطيه مع قضايا المنطقة ، فهو يركز على نزع فتائل مشتعلة ، حتى لا تقع الانفجارات التي تهدد الحاضر والمستقبل ، ويبحث في الوقت ذاته عن حلول لقضايا وأزمات مستعصية مع الحرص على التقليل من تأثير إفرازاتها ، ويعمل بجد لوضع مشاريع الحلول على سكة التنفيذ لكي تصل الى غاياتها . وبفطنته أدرك صانع القرار السعودي منذ وقت مبكر متطلبات التعامل مع تعقيدات اوضاع المنطقة . فقد تميز التفكير السياسي السعودي على الدوام بالعقلانية والاعتدال والهدوء الامر الذي انعكس بشكل تلقائي على الاداء الدبلوماسي . وبقي دور المملكة برصانته المثيرة للاهتمام محط أنظار السياسيين بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم الفكرية والمذهبية حين تتفاقم الأزمات . كما أظهرت الدبلوماسية السعودية جدارتها في بناء المعادلات الدقيقة والمتوازنة بين المواقف المبدئية تجاه قضايا المنطقة والانفتاح على الجميع . واستند الدور السياسي والدبلوماسي السعودي المؤثر الى المكانة الإقليمية والدولية التي تتمتع بها المملكة . ولمكانة المملكة أبعادها المتعددة ، التي تبدأ من دور خادم الحرمين الشريفين ، في رعاية المقدسات الاسلامية ، ولا تقف عند الاستقرار الداخلي ، الذي يتمتع به السعوديون ، وتتفيأ ظلاله جموع الحجيج . كل هذه المعاني والسمات والقيم لخصتها جولة خادم الحرمين الشريفين التي جاءت في مرحلة بالغة الحساسية والدقة . بنى خادم الحرمين خطابه السياسي ، خلال جولته ، على أرضية صلبة، تستند الى مبادرة المصالحة العربية ، التي أطلقها في قمة الكويت الاقتصادية ، لتذيب جليد الفتور والخلاف ، الذي شاب العلاقات بين الاشقاء ، وتفتح القنوات المغلقة . وبروحية القائد المسؤول الذي يصدق أهله ، ورؤيته الثاقبة ، أطلق خادم الحرمين دعوته الكريمة ، لمواجهة الخطر الذي يتهدد قضية العرب الأولى فلسطين ، ودعم مسيرة التوافق اللبناني ، والإسراع في تشكيل الحكومة العراقية ، باعتبارها القضايا الاكثر إلحاحاً وسخونة ، وتأثراً بعامل الزمن كان الملك عبدالله خلال جولته ، كما عهدته شعوب الأمة ، يتلمس همومها بحسّ أبوي، ليبعدها عن دائرة الخطر . فلم تتفاجأ بجولته المفاجئة ، ووجدت في مؤشرات بوصلته ، ما يعين على الاقتراب من أول الطريق ، وتفادي الكوارث قبل وقوعها . * سفير دولة الكويت لدى الأردن