رغم وضوح بعض الحقائق أمام أعيننا إلا أننا قد لا نراها ..!! لماذا لا نراها ..؟؟؟ ربما لأن تلك الحقائق تخالف أحلامنا.. فتغيب العقول مختارة بكامل إرادتها ؛ لاتجبرها سوى العواطف ...أو ربما لأن النفس تحتضن ظمأً مضاعفاً فيرعبها أن لاتجد قطرات الأمل .. أقصد المطر بانتظارها ... حين لا ترى طعنات الحبيب .. عندما تنهض سريعاً عقب كل صدمة وتتنفس من جديد .. فهذا يعني أن الأمل في المستقبل هو السبب ؛ وحين أقول مستقبل فأنا أعني كل فئاته الزمنية المقبلة بما فيها العُشر من الثانية .. إن انشغال مشاعرنا عن الحضور الكامل في اللحظة الراهنة وبقاءنا في ذلك المستقبل أو الماضي (اتفقنا أن المستقبل أو الماضي قد يعني دقائق وثواني ) ذلك الانشغال من وجهة نظري هو السبب الرئيسي في ضعف الوعي .. نعم انه ضعف الوعي .. الوعي المطلوب لحماية النفس والروح من أي صدمات أو نكبات أو سوء اختيار. حين نعي الحقائق كما يجب ، ونرى الأمور بعيداً عن المشاعر التي كثيراً ما تحكمها الأوهام يهبط الإدراك حينها إلى أرض الواقع بعد أن كان محلقاً فوق كوكبنا .. لذلك قالوا: وعين الرضا عن كل عيب كليلة .. هي في الواقع عين مسكينة غائبة هناك في الأعالي ؛ ولو حضرت المكان والزمان الراهن لما أصبحت كليلة ولشاهدت بوضوح كل العيوب .. كل الحقائق. هذا الغياب الذي قد يجد ما يبرره من الحب والأمل ؛ خلفه تكمن كل القرارات المتأخرة والمعاناة المؤجلة ، والمهمات الفاشلة والمشاعر الوهمية القاتلة. وما تلك العيون في رؤوسنا والتي نعتقدها ترى الحقائق أمامنا ؛ ما هي سوى نافذة شفافة لما يختبئ بمهارة داخلنا . باختصار مزعج .. عندما يصدمك الواقع بحبيب خائن ، أو صديق جاحد أو رفيق غادر ، أو حتى ابن عاق .. هذا لايعني أن العنصر الملائكي في ذلك الشخص تحول إلى لهب شيطاني ؛ وأن النهر العذب صار بين ليلة وضحاها ملحاً أجاجاً.. أبداً .. هذا لا يحدث على الصعيد المشاعري مطلقاً ... إنما هي العيون التي لا ترى إلا ما تشاء أن تراه ؛ وهي الأحاسيس التي ترفض أن تعيش إلا ما تحبه وترضاه .. إنه كما هو .. ذلك الشخص الذي يؤلمك تغيره ..صدقني هو لم يتغير.. بل انه تماماً مثلما همس لك حدسك ذات بداية .. فرفضت أنت سماعه وتشبثت بغير الحقيقة مقنعاً ذلك الحدس الذي ينتمي لصوتك الداخلي أن الجمال والأمل وحدهما ماثلان أمامك بل قد تُمزق وتخرس وتتبرأ من همسات حدسك المؤلم.... لماذا ؟؟ لأن المشكلة الحقيقية داخل أنفسنا نحن .. المشكلة الحقيقية هاهنا داخل القلوب التي تعمى (بفتح التاء أو ضمها إن شئتم) أما العيون فهي بريئة من كل أنواعه بما فيها عمى الألوان والأحجام والقرابة والمناصب والآمال . ذلك هو الغباء الاختياري الذي تمليه علينا عواطفنا، أما الطبيعي منه فأصحابه من ذوي الحظوظ العظيمة لأن الحقائق ستبقى غائبة عنهم وبالتالي لا تعنيهم كل تلك المتاعب ولن يصحو يوماً وعيهم لإدراك الفرق الشاسع بين الحقيقة والوهم ..