أوضح مختص في علم السياسة الشرعية أن مصّ لبن الزّوجة لا يؤثّر في المحرمية، وإن كان الأولى ترك ذلك. مبيّناً أن هذا ما ذهب اليه أكثر أهل العلم (كعمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأبى هريرة، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى عائشة)، وكذلك ذهب إليه (الشعبي، وابن شبرمة، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، ورواية عن مالك)، وما ذهبوا اليه أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئاً. مستدلا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحرّم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام". قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أصحاب النبي الكريم وغيرهم؛ أنّ الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكامِلَين فإنّه لا يحرّم شيئاً. والحديث عدا قوله: "وكان قبل الفطام" في سنن ابن ماجة أيضاً، عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما بإسناد صحيح. كما روى مالك في الموطأ (2/603)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لا رضاعة إلا لمن أُرضع في الصغر، ولا رضاعة لكبير"، وإسناده صحيح. وهذا أصل ثابت، في أن الرضاعة لا تكون إلا للصغير قبل الفطام. وأضاف الدكتور سعد بن عبدالقادر القويعي، مجيباً على سؤال "الرياض" الذي نقلناه من أفواه العديد من الزوجات والأزواج بعد اعلان فتوى د. عبدالمحسن العبيكان حول ارضاع الكبير، أن الصحيح من أقوال أهل العلم المعتبرين، أن الرضاع المؤثر بانتقال نفعه من المرضعة إلى الرضيع له شروط، وهي: أن يكون الرضاع في الحولين - عامين -، لقوله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة". وقد روى الشيخان وغيرهما، عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم دخل عليها وعنده رجل، فكأنّه تغيّر وجهه، كأنّه كرِه ذلك، فقالت: "إنّه أخي"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "اُنظُرنَ مَن إخوانُكُنّ، فإنّما الرضاعة من المجاعة". قال الحافظ في الفتح (9/ 148): قوله "من المجاعة"، أي: أن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة، وتحل بها الخلوة، هي حيث يكون الرضيع طفلاً يسد اللبن جوعته، لأنّ معدته ضعيفة يكفيها اللبن، ويُنبِتُ لحمَه فيكون جزءاً من المُرضِعة ا.ه. كما أن من شروط الرضاع المؤثر: أن يكون عدد الرضعات خمس رضعات معلومات، فقد روت عائشة رضي الله عنها قالت: "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن"، رواه مسلم. وذكر د. القويعي، أن هناك جملة آثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على أن مصّ لبن الزوجة لا يؤثر في المحرمية، منها: ما جاء عن أبي عطية الوادعي قال: "جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إنها كانت معي امرأتي فحُصر لبنها في ثديها، فجعلت أمصه، ثم أمجُّه، فأتيت أبا موسى فقال: ما أفتيت هذا؟ فأخبره بالذي أفتاه. فقال ابن مسعود، وأخذ بيد الرجل: أرضيعاً ترى هذا؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحَبْر بين أظهركم". رواه عبدالرزاق في المصنف (7/463 رقم13895). وروى مالك - أيضا - في الموطأ، عن عبدالله بن دينار أنه قال: "جاء رجل إلى عبدالله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير؟ فقال عبدالله بن عمر: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني لي وليدة وكنت أطؤها، فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها، فدخلت عليها فقالت: دونك، فقد والله أرضعتها. فقال عمر: أوْجِعْها وأْتِ جاريتك، فإنما الرضاعة رضاعة الصغير". وبناء على ذلك، يبيّن د. القويعي، أن مصّ لبن الزوجة لا يؤثر في المحرمية، وإن كان الأولى ترك ذلك. قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره (1/283): "هذا إرشاد من الله للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة، وهي سنتان فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك؛ ولهذا قال "لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ". وذهب أكثر الأئمة إلى أنه: لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما لم يحرم. ثم نقل ابن كثير هذا القول عن جمهور أهل العلم، وهم الأئمة الأربعة، والفقهاء السبعة، والأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه. وبهذا يعلم أن رضاع من تجاوز السنتين لا ينشر الحرمة". وقال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني (9/201): "فإن من شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين". وقد سئل سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - عن هذه المسألة، فكان جوابه: "رضاع الكبير لا يؤثّر، لأنّ الرضاع المؤثّر هو ما كان خمس رضعات فأكثر، في الحولين قبل الفطام. وعلى هذا فلو قُدِّر أنّ أحدا رضع من زوجته، أو شرب من لبنها، فإنه لا يكون ابنا لها".