لعبت القروض الاستهلاكية دورا سلبيا في تشجيع أفراد المجتمع على المضي قدما في إنفاق الأموال على سلع كمالية لا تندرج تحت قائمة الاحتياجات الأساسية للفرد، مما وضع الكثير من هؤلاء المقترضين في مشاكل مادية مع الديون والأقساط المتراكمة، الأمر الذي ساهم في نسف كل الجهود الرامية إلى رفع درجات الوعي بالادخار والاستثمار وغرس هذه العادة في نفوس الشباب من كلا الجنسين. ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة ارتفاع نسبة لجوء الأفراد إلى القروض الاستهلاكية في ظل نمو الرغبات بشراء الكماليات وتحمل أعبائها من قبلهم، الأمر الذي يجعل من القروض واللجوء إليها ظاهرة تحل بديلا لثقافة الادخار والاستثمار لدى العموم. وكشف أحدث تقرير لمؤسسة النقد العربي السعودي عن أن مجمل الديون المتراكمة على المواطنين السعوديين والناتجة عن القروض الاستهلاكية وبطاقات الائتمان بلغت 180 مليار ريال بنهاية عام 2009 بنسبة ارتفاع بلغت 6.50 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها من الربع الأخير لعام 2008، الأمر الذي يعني أن الإقبال من قبل أفراد المجتمع السعودي على القروض الاستهلاكية والبطاقات الائتمانية في تزايد مستمر. واعتبر خبراء ماليون ومحللون اقتصاديون أن سهولة الحصول على القروض الاستهلاكية هيأت مناخا مناسبا لتنامي أعداد المقترضين، مما ساهم في إدخالهم في جانب زيادة الاستهلاك وتآكل المدخرات، وربما توصل البعض منهم إلى العجز عن سداد الدين في بعض الأحيان. وفي حين أفصحت أحدث استطلاعات الرأي التي قامت بها «ماستركارد»، عن أن المستهلكين في السعودية وبالأخص الأصغر سناً يقومون بالادخار بنسبة أكبر، حيث زادت نسبة المستهلكين الشباب الأقل من سن الثلاثين والذين يرغبون في زيادة مدخراتهم خلال الفترة المقبلة على نسبة المستهلكين الأكبر سناً في المملكة، إلا أن الخبراء الماليين اتفقوا على أن هذه النسب لا زالت متواضعة عند مقارنتها بنسب الشباب الذي عمدوا الى الاقتراض من أجل الاستهلاك. ورأى عدد من الشباب في المجتمع السعودي في تحقيق موسع أجرته «الرياض»، على أن العقبة الأكبر تكمن في كيفية تنظيم وترتيب أمور الإنفاق المالية الخاصة بهم، وكيفية توفير المال، وأن فكرة تخصيص جزء من الدخل الشهري تعتبر بالنسبة لهم جذابة من الناحية النظرية، لكنهم يجدون صعوبة في تطوير خطط ادخار مسئولة. مصاريف غير متوقعة وهنا أوضح موسى الموسى أنه قام باقتطاع جزء من دخله الشهري لادخاره بشكل منتظم، لقناعته بما للادخار من أهمية في تأمين مستقبله المالي على المدى البعيد، مضيفا بأنه لم يعمل على استثمار ما تم ادخاره بأي شكل من الأشكال. موسى الموسى وأشار إلى أنه نجح في أولى المراحل من عملية الادخار ولكن سرعان ما طرأت لديه مصاريف غير متوقعة أدت إلى فقدان كامل المبلغ المدخر، مضيفا بأنه بحاجة إلى جهة توفر له النصح لكيفية تنمية رأس ماله الذي سيعمل على ادخاره مجددا لكي يتلافى أي ظهور غير متوقع لحالات الصرف الطارئة. الأهداف المالية القصيرة ويرى عليان وليد أنه بحاجة إلى تركيز اهتمامه بالدرجة الأولى على سداد جزء من المستحقات المالية التي صرفت على أهداف قصيرة الأمد والمتمثلة بشراء سيارة بنظام الأقساط، والتي باتت تشكل عبئا شهريا يحول دون ادخار أي مبلغ. وِأشار إلى أنه قام بعملية الادخار لفترة قصيرة، ولكن سرعان ما تم صرف جزء كبير مما تم ادخاره في سبيل توفير الدفعة الأولى لسيارته، مؤكدا وجود قصور من قبله في عملية الاستفادة من المبلغ المدخر وتنميته من خلال الاستثمار. وأضاف بأنه حاليا يبحث عن جهة مالية تعمل على وضع خطط للادخار تلائم الشباب الذين وقعوا في دوائر الأقساط المستمرة لفترات طويلة. الالتزام أساس الادخار بالمقابل قال عبدالرحمن الشهري بأن الأمر لا يلزمه سوى قدر كبير من الالتزام والتضحية من أجل الوصول إلى الأهداف المالية الشخصية، مضيفا بأنه عمل على استثمار مدخراته من خلال الأسواق المالية، مما أدى إلى نمو واضح في رأس المال منذ بداية استثماره قبل 10 سنوات، بالرغم من الانخفاض الذي طرأ على الأسواق في السنوات الماضية. وأكد على أهمية استثمار رؤوس الأموال المدخرة وتنميتها لتأمين مستقبل مالي جيد، موضحا بأن ما تم ادخاره مسبقا ساهم وبشكل كبير على تلبية بعض المتطلبات الأساسية لديه. وعن تجربته قال "مارست الادخار مبكرا، وعملت على تجنيب جزء من دخلي الشهري لادخاره، ثم عملت على استثمار ما تم ادخاره دون التوقف بما يخص الادخار، مما أدى إلى نمو راس المالي وبالتالي نمو العوائد المالية بشكل واضح". سراج المالكي قناعة شخصية ويؤمن سراج المالكي بمدى أهمية الادخار ونتائجه على المستقبل المالي للفرد، وذلك من خلال تجربته الشخصية عبر اقتطاع جزء من دخله الشهري بشكل ثابت، واستثماره على المدى الطويل، والذي القى بحصاده مؤخرا بشراء منزل دون اللجوء إلى أخذ أي قرض. وأضاف بأن خطوته الأولى نحو الادخار كانت عن قناعة شخصية بتأمين مستقبل مالي خالٍ من الديون، لذا كان لابد من الاستغناء عن بعض السلع الكمالية. وأبدى المالكي عدم اقتناعه شخصيا بدور الحملات التوعوية بهذا الشأن، مؤكدا على أن عملية الادخار لابد وأن تكون خطوة نابعة عن قناعة ذاتية للشخص، إذ يلزمها الكثير من قوة التحكم بالإنفاق وهذا ما لن يتوفر إلا من الشخص المدخر نفسه ومدى قناعته بالعمل الذي يقوم به. غياب الادخار والاستثمار رفع أعداد ثقافة المدينين في المجتمع السعودي الوعي المالي للأسرة ويبين معن حجازي بأن الادخار يجب أن يغرس في نفوس الشباب منذ زمن طويل ليكون له أثره الواضح في مستقبل الفرد، مؤكدا بأن ذلك لن يكون إلا في ظل الوعي المالي للأسرة وطريقتها في تربية الأبناء على كيفية التوفير وتقليص حجم المصروفات على الكماليات، وتوضيح فوائد الادخار المبكر لدى الأبناء، الأمر الذي سيساهم بطبيعة الحال إلى التزام الشاب بعملية الادخار بكل سهولة. وأضاف بان الحاجة أصبحت ملحة الآن بالنهوض بالوعي المالي للأسرة والفرد على حد سواء، ومعالجة بعض السلوكيات المالية السلبية التي شبت عليها الأجيال بشكل مبكر، وتكثيف الحملات التوعوية والتي تستهدف الشباب بشكل خاص. استهلاك ترفي أمام ذلك، رأى الدكتور عبدالله الحربي أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أن القروض الاستهلاكية لم تعد وسيلة يلجأ إليها صاحب الحاجة فقط، بل إنها أصبحت قنوات أخرى تساهم في تحميل المواطن مسؤوليات وديونا إضافية، مضيفا أن فوائد القروض التي تفرضها البنوك رفعت من نسب الديون الشخصية في ظل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار. وأكد أن هناك مشكلة كبيرة في ثقافة المجتمع بشأن سوء استخدام بطاقات الائتمان، إذ يحاول الكثير من الأشخاص الحصول على هذه البطاقات من دون معرفة مخاطرها والفائدة المترتبة على استخدامها، بالإضافة إلى الاستخدام السلبي لهذه البطاقات من خلال الإنفاق غير المنتظم على أمور تندرج تحت قائمة الكماليات، وهذا مؤشر خطير نحو توجه المجتمع إلى المضي قدما في تحمل تكاليف مصاريف إضافية ينفقها لمجرد الترف. ودعا مؤسسة النقد للتحرك سريعا نحو اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من مشكلة ارتفاع معدلات الديون حتى لا تؤدي ظاهرة الاستهلاك الترفي بأفراد المجتمع إلى مشاكل وأزمة اقتصادية مستقبلية، لا سيما وأن التوجه الذي تنتهجه البنوك بما يتعلق بالقروض الاستهلاكية، والتي تعد احد الأسباب الرئيسية في رفع حجم الائتمان والديون على كاهل المواطنين السعوديين. واعتبر الحربي أن الحل الأنسب للحد من ظاهرة انتشار القروض الاستهلاكية هو التوجه نحو تعزيز مبادئ الادخار، وتنمية مفاهيمها في المجتمع السعودي عوضا عن تشجيع أفراده بالمضي قدما نحو هاوية القروض الاستهلاكية والتي ستكون هاجسا يخيم على المقترض ويؤثر سلبا على حياته ومستقبله لسنوات عديدة. عليان وليد خطورة القروض الاستهلاكية في المقابل، حذرّ محمد القويز العضو المنتدب والشريك المؤسس في شركة دراية المالية من خطورة القروض الاستهلاكية وتهديدها لمستقبل الشباب، مشيرا إلى نسبة الارتفاع الواردة في تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي، والتي تدعو الى القلق حيال مستقبل الاقتصاد الوطني بشكل عام، لا سيما وان الاقتصاد الفردي يعد أحد أركان لاقتصاد العام. وأضاف القويز أن نسبة 6 في المائة تعتبر خطيرة في ظل تنامي أعداد المدينين وارتفاع نسبة الاقبال من الافراد على القروض الاستهلاكية، والذي سيعمل بطبيعة الحال على تحويل المجتمع إلى مجتمع مستهلك مثقل بالديون. وتابع أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعد من أقل الدول ادخارا وأكثرها اقتراضا على مستوى الفرد، فلا تجد بيتا هناك إلا ويعاني من آثار الاقتراض السلبي، والذي كان أحد الأسباب التي أدت إلى الانهيار الكبير للأسواق بسبب العيش على فقاعة كبيرة من القروض التي ما لبثت أن انهارت. وقال "يجب أن نسعى لحماية الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى من خلال الحد من ظاهرة انتشار القروض السلبية، وتنمية ثقافة الادخار، والتي تمثل الوسيلة المثلى لتكوين كم كبير من المبالغ الفائضة التي يتم تشغيلها لتنشيط لاقتصاد والبنية التحتية والاستثمار بشكل عام". ويرى القويز أهمية توعية الشباب من خطورة اللجوء إلى القروض الاستهلاكية والتي ستفتح عليهم باب الاقتراض الذي غالبا ما يؤدي بصاحبه إلى الضائقة المالية، فيصبح في نهاية المطاف غير قادر على السداد، نظرا للتراكمات المالية التي لحقت به من خلال تلك القروض. الوعي العام وبين القويز أن الوعي العام بثقافة الادخار والاستثمار في تحسن، لكنّ الأفراد يحتاجون إلى المعلومات والمشورة بشأن كيفية القيام بذلك، وهو ما تحاول بعض الشركات المالية بالتعاون مع البنوك بإيصاله من خلال حملات التوعية التي تعمل على استهداف الشريحة الأكبر والأهم وهي الشباب بالدرجة الأولى، دون تجاهل لباقي الفئات العمرية الأخرى. وتابع أن اللافت للنظر أن الكثير من فئة الشباب السعودي من الجنسين لا يولون الادخار أي اهتمام حتى يتقدم بهم العمر قليلاً وتزداد عليهم المسؤوليات، فيبدؤون بالادخار متأخراً، الأمر الذي يقلل من احتمال وصولهم إلى أهدافهم المالية، أو يضطرهم إلى تحمل قدر أكبر من المخاطرة بحثاً عن العوائد العالية ليحاولوا التعويض عن الوقت الفائت بعوائد استثمارية أعلى. وشدد على أنه من الضروري أن يقوم المرء بالتعامل مع الادخار وكأنه التزام شهري ثابت كأن يقوم مثلا بتحديد مبلغ معين كفاتورة من الفواتير التي يلتزم بها شهريا، وبناء على هذا المبدأ يمكن للفرد أن يستهلك الفائض بعد الادخار من الدخل الشهري، أما إذا لم يكن لديه فائض كافٍ لقضاء باقي الشهر فعليه الاقتصاد قدر المستطاع حتى لا يتعرض للمبلغ المدخر. الاقتصاد يبدأ من المنزل وأوصى بوجوب خلق بنية نظامية تشجع الناس وتحفزهم عليه من أهم الأمور التي تشجع على الادخار وتعزيز ثقافته، وذلك من خلال وضع إستراتيجية محددة تتيح الادخار بأسرع وقت، للاستفادة من الوقت المتاح أمام المرء في تنمية رأس ماله المدخر لأطول فترة ممكنة. وتابع أن الأسرة لها الدور الأكبر في توعية أبنائها منذ الصغر على أهمية الادخار المبكر، ومحاولة رسم أهداف واضحة المعالم على المدى البعيد من خلال مساعدتهم على تبني كامل المفاهيم المتعلقة بالادخار والاستثمار.