من الواضح أن فتاوى القتل والتهديد لا تريد أن تنتهي. كل سنة أو سنتين تظهر لنا فتوى تحرض على القتل الجماعي أو الاحتراب الطائفي أو الاصطدام مع القوى الكبرى. لم نعد نواجه موقفا فكريا كما كنا نظن. هذه الفتوى يفترض أن تحرضنا على التفكير بطريقة مختلفة. هذه حالة سيكلوجية. أحلام اليقظة تتحول إلى حقائق عند بعض أصحابها. يغوصون في داخلهم فيخرجون من العالم الواقعي. يتكون أمامهم عالم يحكمونه. يعبرون فيه عن مرارتهم. لو رجعنا إلى سيرة هذه الفتاوى سنجد أن أصحابها قرؤوا التاريخ متكيفا مع أحلامهم. ليس للزمن وجود عند هؤلاء الحالمين. انتهت صلتهم بالواقع. قتل كل من يقول بالاختلاط يعني قتل المجتمع كله. قتل العالم. قتل التاريخ الإسلامي. اعتقد أن جنون أحلام اليقظة عند هذا الرجل وصل إلى مداه. كانت الفتوى والتحريض على الاحتراب موجهة. قتل ملاك القنوات الفضائية أو قتل ابناء طائفة محددة. لكن قتل كل من يبيح الاختلاط يعني إعلان حرب على الدنيا كلها. صاحب هذه الفتوى يحتاج إلى علاج . رغم خطورتها يجب أن تعالج في إطارها المرضي. في أسوأ الأحوال عزلة مع كل من أيده في مصحة. عندما يصبح الإنسان خطرا على نفسه أو على مجتمعه يعزل. من غير المعقول أن يبقى طليقا. بقايا الصحوة مازالت متناثرة هنا وهناك. لم يبرأ المجتمع منها بعد. سيجد من يصدقه بينهم. قرأت رد فعل بعض فلول الصحوة المتمشيخين. لم يبدر منهم أي أدانة لهذه الفتوى. أما امتصاصها او تبريرها. ليس المشكلة فيمن اطلق الفتوى. هؤلاء هم المشكلة. لأنهم في واقع الأمر يؤمنون بمضمونها أو منطلقاتها. عندما يأتي من يقول في معرض نقده للفتوى: هذا الأمر يرد إلى هيئة علمية. هذا الكلام يدل على أن المشكلة في المصدر وليست في المحتوى.سيرحب بها إذا جاءت من هيئة. إذا سألت هؤلاء موقفهم من بن لادن على سبيل المثال لايجيبونك بكلام مستقيم. إذا أدانوه أدانوه بعموميات. لمثل هذه الفتوى فوائد امنية. يفترض أن تحلل ردود أفعال كل رجال الدين المعروفين ويحلل صمتهم أيضا. رجل له دور ديني أما شيخ أو داعية يجب أن يعبر عن رأيه. يفترض أن تصدر قائمة بأسماء من برروا هذه الفتوى بأي طريقة وقائمة بمن سكتوا عن إدانتها. يقارن موقفهم من فتوى القتل هذه بمواقفهم السابقة من قضايا أخرى. عندما يفتي شيخ في قضية خلافية كفوائد البنوك نجد عشرات منهم يتراكضون لتفنيد فتواه. عندما يفتي شيخ آخر بعدم جواز زواج القاصرات ينبرون في الدفاع عن التخلف ولكنهم يصمتون عندما يتعرض المجتمع لتهديد حقيقي كما جاء في هذه الفتوى. يفترض عدم تضييع الوقت في قراءة هذه الفتوى قضيتنا الحقيقية في رد فعل الآخرين أو صمتهم.