على الرغم من مرور نحو 400 عام على تشييد "مسورة العوامية" القديمة التي تقع على بعد نحو 500 متر من "حي الزارة التاريخي"، إلاّ أن بعض كبار السن من قاطني بلدة العوامية حيث توجد المنطقتان التاريخيتان يصرون على البقاء في بيوتها التاريخية التي بُنيت من الحجرالبحري وأشجارالنخيل التي صفت في شكل هندسي يصفه معماريون حديثون ب "الفني الساحر"، خاصة أن بناؤو ذلك الزمان لم يدرس أحد منهم في أي أكاديمية للهندسة. ملهمة الشعراء والكتّاب ويرفض كبار السن مغادرة البيوت، فيما يفضّل أدباء وشعراء الجلوس في أحد المنازل القديمة طمعاً في إلهام قد ينزل على هذا الشاعر أو ذاك، ويقول الشاعر حسين اللباد الذي يرتقب ديوانه "سأعود عند المغفرة" في معرض الكتاب في الرياض: "نجلس في بيت من البيوت القديمة لأنه يجعلنا نعيش في بيئة لم ندركها"، وإن كان اللباد أحد الشعراء الشباب الذين يتوقون للماضي، فإن أم علي المرأة الثمانينية التي تربت وعاشت في المسورة تشدد على عدم تركها كما يرغب أولادها الذين انتقلوا إلى "حي الجميمة" الذي أنشئ قبل نحو 70 عاماً، وتقول: "إن هذه البيوت تمثّل الماضي بكل ذكرياته السعيدة والحزينة، إن عمري سينتهي هنا كما بدأ هنا". وتعتبرمسورة العوامية أحد أهم معالم تشكل البلدة واتساع رقعتها، إذ هاجر الناس جماعيا لها، فشكلوا لهم مساحة سورت بسور، وكانت بداية الهجرة من "حي الزارة" الموغل في التاريخين الجاهلي والإسلامي، ويقول أبو أحمد (89 عاما): "كان للمسورة سور وفي كل زاوية يوجد برج للمراقبة"، مشيراً إلى أن الأجداد كانوا يضطرون للحراسة ليصدوا أي هجوم محتمل يأتي من الخارج، خاصة أن الدولة السعودية لم تقم بعد آنذاك، مشيرا إلى أن توحيد المملكة جعل النزاعات شيئا من الماضي، ما حقق تحولا جذريا في الأمن، إذ تحولت مهام السور من حام إلى سور للزينة والتاريخ . المسورة تواجه الخطر ومع أن المسورة لم يبق منها إلا منازل قليلة في الوقت الراهن، إلاّ أن الباحث في شؤون التراث والتاريخ زكي الصالح يرى بأن من الممكن إنقاذ المنطقة التاريخية وترميم البيوت وبناء ما سقط منها، إذ يقول: "لو تضافرت الجهود الرسمية والشعبية نستطيع أن نحول المنطقة لقرية تراثية حقيقية تزيد من حضورالسياح القادمين من مختلف مناطق الغرب"، مشيراً إلى أن "مسورة العوامية" تعتبر محطة سياحية يأتيها السياح في الوقت الراهن "إذ نستقبل وفوداً سياحية ونشرح لهم أهمية وتاريخ هذه المنطقة". مظاهر الحياة تستمر داخل المسورة ولا يتقصر اهتمام السياح على زيارتها، بل لا بد من التقاط الصورالتذكارية مع كبار السن الذين يصادف وجودهم أثناء زيارة الوفد السياحي للمنطقة التي يتحدث عنها السياح الأمريكيين في بلادهم عن طريق منتديات الشبكة العنكبوتية، وتتشكل المسورة القديمة من نحو 300 منزل بنيت جميعها بطريقة متشابهة لحد كبير، إذ لعبت جذوع النخل الدورالأبرز، خاصة فيما يخص الممرات التي تعلوها المنازل المشكلة من طبقتين، ويقول أبو أحمد: "كانت البيوت قوية جدا، ولهذا صمدت كل هذا الوقت"، مضيفا "إن منزلي ورثته عن أبي، وهو يذكرني بصغري وشبابي"، مشيراً إلى أن كثيراً من أبناء جيله خرجوا من المسورة وانتقلوا إلى أحياء جديدة. وشيدت المسورة في شكل متلاصق، إذ لا يكاد يتسع الطريق لأكثر من 3.5 متر، ويضيف أبو أحمد "قديما كان البناؤون يفكرون بهذه الطريقة في البناء، إذ لم تكن في العالم السيارات كي يحسب حسابها، وكل ما هو موجود الحمير التي يتم التنقل بها داخل المسورة وخارجها". وأضاف "هذه المسورة تعتبر في زمنها استراتيجية تدل على قوة العوامية من الناحية الدفاعية، خاصة أن المعارك قد تقع بسبب الغزو الذي تقوم به بعض القبائل المحيطة آنذاك". وليس بعيداً عن اهتمام بعض السياح بالمسورة في الوقت الراهن، تتذكر أم علي زيارة بعض "الأفندية" كما تسميهم، إذ تقول: "كانوا يأتون ويستقبلهم الرجال ويضيفونهم، وكنت أجلس بقرب أمي وهي تطبخ لهم كما نقلت لي رحمها الله". وتأكيدا لأم علي شهدت قبل نحو 85 عاماً المسورة زيارة علمية وصفت ب"المهمة جدا"، إذ زارها المستشرق "ج.ج. لويمر"، وتحدث عنها ب"أنها القرية التي شيدت من الحجر البحري المدعم بأشجار النخيل التي صفت ببعضها بطريقة هندسية جذابة". ممر يمثل الطرق الداخلية للمسورة فيما يعيش الناس فوقه اهتمام شبابي بالتوثيق وعلى الرغم من عدم استطاعة أبي أحمد توثيق تاريخ المسورة وتخليدها في ذاكرة الزمن، إلاّ أن مصورين فوتغرافيين يقصدون المسورة لغرض توثيق تاريخها الموغل في الزمن، ويقول المصورالفتوغرافي الشاعر محسن الزاهر: "أحرص على التقاط الصور التي تبرز تاريخ المنطقة، خاصة أن بيت والدي في المنطقة، ونحن نرفض أن نبيعه لأنه يمثل جزءا من التاريخ"، مشيراً إلى أهمية الصورة في توثيق المسورة ووضعها في الزمن، ويضيف "أخرج مع مجموعة من المصورين ونلتقط الصور التي احتفظت ببعض المناطق التي أزيلت، ولو لم تصور لما استطاع أولادنا رؤيتها لأنها انتهت إلى الأبد"، متمنياً أن يتم الالتفات للمسورة التي تعد من أهم المناطق التاريخية في محافظة القطيف، إذ إن عمرها ممتد في الزمن، كما أنها تنهار أمام أعين الجميع ولا أحد يحرك ساكنا كي يتم إنقاذ المتبقي في الحد الأدنى. حي الزارة وعلى عكس مسورة العوامية التي ما تزال تحتفظ ببعض الهوية التاريخية، لم يستطع "حي الزارة التاريخي" الحفاظ على موقعيته التاريخية، إلا عبر آثار استخرجها متحف الدمام الإقليمي من الحي المليء بالتاريخ الذي دون على صفحات الكتب، إذ تشير المصادر التاريخية إلى أن "الزارة" كانت عاصمة لبلاد البحرين القديمة، كما أنها كانت معروفة منذ العهد الجاهلي، وعنها يقول المؤرخ محمد سعيد المسلم: "إنها مدينة شهيرة، وهي حاظنة القطيف". وعلى رغم اختلاف كتب التاريخ بشأن موقعها الحالي، إلاّ أن كبار السن من قاطني بلدة العوامية يؤكدون أن موقع الزارة التاريخي يقع جنوب شرق المسورة، فيما يشير باحثون لذلك، خاصة بعد التنقيبات التي تكللت بالنجاح، إذ عثر الفريق على أدلة دامغة مثل الجرار العائدة لعصور مختلفة بما فيها العصر الجاهلي والأموي، والعباسي. وتعود جذور العوامية ونشأتها إلى وجود "حي الزارة" الذي سبق أي تشكل طرأ على الاسم العائد إلى أمير الزارة الحسن بن العوام الذي عاش في القرن الثالث الهجري، فأضيفت "ياء" النسب لتضاف للقب الأمير، فأصبحت المنطقة تسمى العوامية نسبة إليه. وتعتبر "الزارة" أقدم مدن "الخط"؛ حسب علامة الجزيرة حمد الجاسر الذي يقول عنها: "عرفت أبّان ظهور الإسلام وجُهل تاريخها قبل ذلك وكانت مقر والي البحرين من قبل الفرس حين كان نفوذهم ممتداً إلى هذه البلاد في العهد الجاهلي"، ولعبت "الزارة" أدوارا سياسية تاريخية، إذ اعتبرها المؤرخ محمد سعيد المسلم شهيرة، ويضيف "خربها أبو سعيد الجنابي نكاية بأهل القطيف المعارضين لحكمه ومبادئه آنذاك "، فيما يرجع باحثون بروز اسم الزارة إلى ظهور أحداث بارزة في التاريخ الإسلامي ك"حركتي الردة والقرامطة" التي ملأتا كتب التاريخ.