الدعوة التي أطلقها مطلع الشهر الجاري رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون لعقد مؤتمر دولي خاص باليمن تحتضنه العاصمة البريطانية لندن يوم غدٍ الاربعاء 27 يناير الجاري، أثارت الكثير من ردود الأفعال الوطنية والعربية المتباينة والمتخمة مضامينها بالقلق والكثير من عوامل الشك والريبة التي لا تخلو من الموضوعية، لاسيما وأن الدعوة جاءت في خضم الحملة السياسية الإعلامية التي تعرضت لها اليمن عقب المحاولة الإرهابية الفاشلة التي كانت تستهدف تفجير طائرة الركاب المدنية الامريكية فوق (ديترويت) عشية عيد الميلاد، ومتزامنة مع الكثير من التصريحات السياسية وردود الأفعال الرسمية المتشنجة التي تستهدف اليمن بشكل أو بآخر، وما صاحبها من دعوات متطرفة لتحويل اليمن إلى جبهة ثالثة للحرب على الإرهاب بعد العراق وأفغانستان وباكستان. حالات الضغط النفسي والمعنوي التي تعرض لها الوعي الجمعي العربي بشقيه الرسمي والشعبي جراء الحملة الدعائية والتضخيم المتعمد للوقائع والأحداث وتداعياتها السياسية المتسارعة، وكذلك المخزون الهائل المترسب في الذاكرة الوطنية الحية والتاريخية لشعوب المنطقة من التآمرات والتجارب الفاشلة مع الغرب وأساليبه الملتوية في التدخل السافر في شؤون الدول الأخرى وفرض الوصاية عليها واستباحتها وتجاربه الحية في الصومال، والسودان والعراق وأفغانستان والبلقان وبعض دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، إلى جانب ما تعانيه بعض شعوب المنطقة من حالات عدم الثقة بأنظمتها الوطنية وإمكاناتها الذاتية والوطنية، وانهزامها الثقافي أمام الآخر الغربي، جميعها عوامل ومسببات جعلتنا نذهب بعيداً في تشاؤمنا ومخاوفنا من هكذا دعوة، وتتجاوز حدود الواقع والممكن في تصوراتنا وقراءاتنا لها واستشفاف وتأويل أبعادها وأخطارها واحتمالاتها المختلفة؛ فوجدها البعض دعوة لتدويل القضية اليمنية، والبعض الآخر اعتبرها شكلاً من أشكال الوصاية الدولية على هذا البلد، وفسر البعض الآخر ترحيب اليمن الحذر بهذه الدعوة بأنه قبول منها بأن تدار أزماتها وإشكالاتها الداخلية من قبل الخارج والتسليم بسيادة واستقلالية قرارها الوطني، الخ... من هذه التفسيرات والتأويلات التي كان أخطرها اتهام بعض الأطراف والتيارات السياسية الداخلية للقيادة السياسية اليمنية بالتآمر على وطنها وشعبها واعتبرت ان هذه الدعوة جاءت بطلب وإرادة يمنية بهدف استجلاب القوات الأجنبية في المشاركة المباشرة في تحمل أعباء الأمن الداخلي المتدهور والحرب على الإرهاب وفتح البلد على مصراعيه للأساطيل والقواعد والتدخلات العسكرية الأجنبية. الرد على كل هذه التأويلات والتفسيرات المغلوطة والاتهامات الباطلة يتمثل في حقيقة المؤتمر ذاته ودلالاته، وأجندته والنتائج المرجوة منه، فالدعوة البريطانية للمؤتمر الذي يختص باليمن إنما تؤكد مكانة اليمن الدولية المتميزة، وأهميتها الدولية الجيوبوليتيكية والأمنية والاقتصادية، ودليلا واضحا أن هذا البلد قد أضحى محور الاهتمام الدولي وحرصه على المبادرة والإسهام في دعم اليمن تنموياً. الدعوة البريطانية لهذا المؤتمر لا تعني بالضرورة إلغاء دور ومكانة وقناعة اليمن باعتبارها صاحبة الشأن التي من حقها بل من واجبها رفض أيه مبادرات خارج إرادتها أو تتعارض مع مصالحها، وقبول اليمن بمثل هذه المبادرة كان مشروطاً بوجودها ودورها الحاسم في تحديد أوراقه وأجندته العملية وأهدافه والتخطيط والإعداد بالتعاون مع بقية الأطراف شريكة اليمن في هذا المؤتمر وبالذات الدولة المضيفة ومجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة. الإطار العام لجلسات عمل وأجندة هذا العمل محددة بوضوح في تحقيق جملة من التطلعات والأهداف التنموية اليمنية، أبرزها: - تكوّن موقف دولي مساند لبلادنا في التغلب على تحدياتها الاقتصادية، ووضع رؤية عملية واضحة لآلية التعاون والتعامل المشترك فيما يتعلق بموارد الدعم وتعزيز القدرات الوطنية لاستيعاب المشاريع وآلية أكثر فاعلية لتنفيذها. توسيع قاعدة العمل من أجل ضمان تعاون جميع المانحين بما يجعل منها عملية دعم مستدامة، على قاعدة المراجعة الشفافة لكل التعهدات وما تم الاتفاق عليه في مؤتمر المانحين العام 2006م لتطوير آلية التعاون وأداء العمل خلال المرحلة القادمة وتجاوز الصعوبات وسلبيات المرحلة السابقة. - إعطاء زخم كبير لبرنامج الإصلاحات السياسية والاقتصادية في اليمن. - التعاطي مع القضايا الأمنية من منظور ارتباطاتها ومسبباتها ذات الجذور التنموية، والتوجه لدعم برامج التنمية والتخفيف من حدة الفقر والبطالة وإحداث انتعاش اقتصادي واستثماري يساعد في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه، ووضع المنطلقات الاقتصادية والتربوية والتعليمية والفنية لحل المشكلة الأمنية. والمؤتمر مسخر لمواجهة تحديات يمنية معاصرة (اقتصادية، سياسية، وتنموية، وأمنية) ومجمل هذه القضايا ستتناولها رؤية اليمن التحليلية الشاملة لمجمل الإشكالات والتحديات التي تواجهها اليمن، ومن خلال طرح هذه الرؤية ستخضع مجمل القضايا للتحليل والحوار المشترك لتشخيص أسبابها وعواملها الموضوعية والذاتية بما في ذلك أسباب التطرف وعدم الاستقرار والاضطرابات والتمردات والإرهاب القاعدي، بهدف الاتفاق على مدخل شامل ومتكامل لمجمل تلك التحديات التي تستعرضها الرؤية اليمنية الشاملة والحلول والمعالجات المقترحة المتوائمة مع خصوصيات الواقع ولها قابلية عملية للتنفيذ. المؤتمر بالنسبة لليمن فرصة سانحة لحشد موقف دولي داعم لجهودها وخططها في مواجهة تحدياتها المختلفة، والخروج برؤية وآلية عملية للتعاون والتزام المجتمع الدولي بدعم جهودها، وتطلعاتها التنموية، وتعزيز اقتدارها على الإيفاء بالتزاماتها في حماية وتقوية الأمن والاستقرار الإقليمي الدولي ومكافحة الإرهاب القاعدي، والتعاطي مع قضاياها الوطنية وإشكالاتها الداخلية بوسائلها وآلياتها المناسبة ووفق مصالحها الوطنية والإستراتيجية العليا، ولن تقبل اليمن بأي حال من الأحوال مهما كانت الظروف أن تكون سيادتها واستقلالية قرارها وخياراتها الوطنية رهنا للابتزاز أو تحت تصرف استراتيجيات دولية كبرى. توظيف الإرهاب: العاصفة الإعلامية السياسية التي تعرضت لها اليمن في الآونة الأخيرة يبدو أنها لم تحقق الأهداف المرجوة منها في نظر صناعها ومريديها الأمر الذي يوحي باحتمال استمرارها أو تكرارها بشكل آخر، لاسيما وان الآلة الإعلامية الدولية ودورانها المتسارع، ومن خلال الضجيج والتشويش الذي تحدثه، تتكشف بين الوقت والآخر بعض المعلومات والنوايا والأهداف والأجندات التي لم يفصح عنها بعد، وإن تطايرت بعض شررها هنا وهناك وتوحي بوجود أجندة يراد بلوغها في هذا البلد تحت شعار الحرب على الإرهاب القاعدي. حين تحظى مثل هكذا محاولة إرهابية فاشلة ومركبة سيناريوهاتها وشخوصها وأحداثها، بمثل هذا الضجيج والتضخيم الإعلامي المفتعل، وفي الوقت ذاته تغيّب وتشوه فيها المعلومات والحقائق الموضوعية اللازمة لإقناع الرأي العام، وتحدد سلفاً اطرافها وجهاتها المشبوهة، يبرز التساؤل عن مكانة ودور الأجهزة الاستخباراتية النافذة في صناعة الأحداث والأزمات الدولية، ومدى إسهامها في تمرير هذه الأخطار الإرهابية للوصول إلى أهدافها، أو افتعالها وصناعتها، فالتاريخ السري لهذه الأجهزة الاستخباراتية حافل بمثل هذه الوقائع والجرائم التي تكون منطلقاً لصناع القرار في ممارسة الإرهاب الفكري وتوظيف إشاعة الرعب من الإرهاب للتأثير على الرأي العام بالاتجاه الذي يراد له.. إن صناعة الإرهاب وتوظيفه أضحى في التاريخ المعاصر أحد مخرجات صناعة القرارات الإستراتيجية التي لا تجد لها مبررات أخلاقية أو إنسانية أو قانونية، فهو وسيلة من وسائل الابتزاز السياسي، ومبرر لاستهداف الرموز السياسية أو المنظمات الوطنية وسبب لإعلان الحرب ضد أي بلد من البلدان لتدمير قدراته وإمكاناته ونظامه السياسي وإعادته إلى الوراء عدة قرون. والإرهاب يستخدمه دعاة المشاريع الاستعمارية والهيمنة الامبريالية الاقتصادية لغرض سيطرتهم ونفوذهم على مواقع مهمة وحيوية في إستراتيجية الصراع والمنافسة الدولية ، وشعار الحرب على الإرهاب أصبح إحدى الوسائل المعاصرة الممكنة لتنفيذ إستراتيجية العولمة التي تتبناها القوى العظمى ، وتخطي الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي قد تكون حواجز ومعوقات في طريق العولمة، بالاعتماد بدرجة رئيسة على وسائل القوة والتدخل المباشر في الدول والأنظمة التي يعتقد أنها غير متصلة بنظام العولمة الذي تتبناه هذه الدول وتسعى إلى تحقيقه. هذا الشكل من الإرهاب المفتعل أضحى أيضاً إحدى الوسائل الفاعلة في الصراعات السياسية الداخلية،ويتم توظيفه بهدف تغيير الاستراتيجيات السياسية والمواقف والبرامج السياسية للزعامات والأحزاب والإدارات الحاكمة في هذه البلدان، وإعادة صياغتها أو تغييرها باتجاهات مغايرة يسهل استخدامها لصالح أطراف أو قضايا أو مواقف داخلية وخارجية.. وهذا ما يعتمل اليوم داخل الإدارة الأمريكية حيث تسعى بعض الأطراف وجماعة الضغط السياسي إلى تغيير إستراتيجية وخيارات ومواقف الرئيس الأمريكي أوباما إزاء العالم الإسلامي والصراع العربي - الإسرائيلي. القيادة اليمنية وفي تعاطيها من تداعيات الحادثة الإرهابية الفاشلة التي كانت تستهدف الطائرة المدنية الأمريكية عشية عيد الميلاد أخذت بعين الاعتبار مجمل هذه الاحتمالات والافتراضات لإعادة ترتيب أوراقها السياسية الداخلية والإقليمية، والأخذ بالاحتياطات اللازمة التي تمكنها من التعامل الناجح مع أية تطورات محتملة وتجنب أخطارها وتداعياتها السلبية ، وتفويت الفرصة على كل المحاولات والتوجهات الرامية لتحقيق مصالح وأجندة سياسية خارجية أو داخلية تكون على حساب الوطن والشعب اليمني. إن الإرهاب كظاهرة كونية معاصرة، تطال جرائمه مختلف الدول والمجتمعات وبالذات الفقيرة منها التي تشهد أعمالاً إرهابية متواصلة تكلفها خسائر مادية وبشرية كبيرة قد لا تثير اهتمامات الدول الكبرى، التي ما أن تكتشف اقتراب الخطر الإرهابي من حدودها أو مصالحها حتى تنتفض مذعورة لتملأ العالم ضجيجاً ورعباً وتستنفر قواتها معلنة حربها على كل ما تعتبره مصدراً لهذا الخطر الإرهابي، وتجلى ذلك بوضوح في ردود الفعل الأمريكية - البريطانية إزاء المحاولة الإرهابية الفاشلة من قبل المواطن النيجيري (عمر الفاروق)؛ فالحملة الإعلامية والتداعيات السياسية والأمنية المتسارعة التي صاحبتها، تعكس في ظاهرها العام ومضامينها، حقيقة أن القرار السياسي في هذه الدول لا زال محكوماً بردود الفعل الآنية غير المدروسة في التعامل مع مثل هكذا أحداث وأزمات، وتؤكد في الوقت ذاته غياب إستراتيجية واضحة في التعامل الرشيد مع مثل هذه الظواهر الإرهابية، أو أنها إستراتيجية غير واقعية في خياراتها وأدواتها العملية، وتجاهلها لجملة الحقائق التي تؤكد أن مصالح هذه الدول وأمنها والأمن الدولي بشكل عام، أضحى اليوم مرتبطاً عضوياً بأمن واستقرار دول فقيرة والإسهام الفاعل في معالجة إشكالاتها الداخلية، ومكمن الخطر في مثل هكذا إستراتيجية أمنية في التعامل مع الإرهاب باعتمادها خيارات القوة والحرب. القيادة اليمنية في تعاطيها مع هذه التطورات استلهمت دروس وتجارب التاريخ الحديث التي لم يتوقف بعد سيل دمائها ومسلسل دمارها المريع الذي لا زال متواصلاً حتى اللحظة في أكثر من بلد تحت شعار (الحرب على الإرهاب)، وحرصت ان لا تتجاهل هذه الزوبعة الإعلامية وما صاحبها من تصريحات متطرفة تدعو إلى(تحويل اليمن إلى جبهة جديدة للحرب على الإرهاب)، ليقينها أن لهذه الدعوات أنصارها ومريديها، وهي لن تأتي من فراغ بقدر ما تعبر عن إرادة وقناعة ومصالح قوى متنفذة (سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً) وفاعلة في صنع التوجهات والقرارات السياسية في دولها، وهؤلاء ممن اصطلح على تسميتهم بالصقور يتبنون إستراتيجية (الحزم والحسم في التعامل مع الإرهاب باستخدام وسائل القوة والحرب الاستباقية)، في مواجهة هذه الدعوات المتطرفة والتحريض والحشد الإعلامي السياسي باتجاه التصعيد المسلح ، وقد تبنت اليمن رؤية إستراتيجية سياسية عملية لها قابلية كبيرة على التطور والتحور لمواكبة المتغيرات المتسارعة والتعاطي الايجابي معها بوسائل سلمية، واتسمت هذه الإستراتيجية بالواقعية والشفافية والمرونة الدبلوماسية التي تمكنها من الوقوف في وجه العاصفة الهوجاء التي تضرب الوطن من كل الاتجاهات، وبقدرتها الفائقة على امتصاص الصدمات القوية التي قد تتسبب بها هذه العاصفة الإعلامية - السياسية، والتقليل قدر الإمكان من مخاطرها وتداعياتها السلبية المباشرة وغير المباشرة، مع حرصها الكبير على تفهم دوافع وأسباب قلق الآخرين إزاء الوضع الأمني في اليمن، وكان موقف القيادة اليمنية ثابتاً فيما يتعلق بتعاملها مع ملف الإرهاب بوسائلها وأدواتها وأساليبها الوطنية المناسبة، ورفضت كل أشكال الوصاية أو التدخل في شؤونها الداخلية، والاهتمام في الوقت ذاته بتطوير أشكال التعاون مع الأطراف المختلفة في مجال التدريب والتسليح والتمويل وتبادل الخبرات والمعلومات الاستخباراتية التي تعزز من كفاءتها وقدراتها على مكافحة الإرهاب.. لقد كان موقف اليمن واضحاً وجلياً في رفضها جميع الدعوات والمحاولات الرامية إلى تحويل هذه المحاولة الإرهابية إلى مبررات للتدخل المباشر في شؤونها الداخلية وأي شكل من أشكال التواجد الأمني والعسكري الأجنبي على أراضيها. صحيح أن جماعة الإرهاب القاعدي في اليمن قد تشكِّل خطراً مستفحلاً على امن البلد واستقراره وعلى الجيران وبالذات المملكة العربية السعودية لكن هذا ليس مبرراً كافياً لاختزال مصادر وعوامل وأسباب خطر إرهاب تنظيم القاعدة على الأمن الدولي في هذه الجماعة بذاتها كما يراد أن يسوق له حالياً؛ فمثل هذه المخاطر نابعة من كون القاعدة تنظيما إرهابيا دوليا يتواجد في مختلف دول العالم وتعمل خلاياه بشكل تكاملي متناسق، ويمتلك قدرة كبيرة على المناورة والتخفي ، ونقل عناصره وخبراته ومراكز نشاطه من بلد إلى آخر، ويتضاعف خطره وسرعة انتشاره وفعله في أي مجتمع من المجتمعات حين تتقاطع مصالحه وأهدافه مع مصالح وأهداف الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ويزدهر نشاطه في ظل ظروف استثنائية ومرحلية وبيئة تمتلك شروطاً حاضنة لتفقيسه، تتمثل بدرجة رئيسة في شيوع الجهل والفقر والبطالة وحالات عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وقد اكدت وقائع الصراع الدولي مع الإرهاب القاعدي بما لا يدع مجالاً للشك أن القوة والوسائل العسكرية مهما كانت درجة تطورها وذكائها وقوتها التدميرية وحدها لا تكفي للقضاء على الإرهاب في أي قطر من الأقطار، فمثل هذه الوسائل التي تخلف وراءها قدراً هائلاً من القتل والدمار المريع في صفوف الأبرياء تتحول في الكثير من الحالات إلى عوامل تخدم عناصر الإرهاب وتزيد من قوتها وخبراتها واتساع قاعدتها الاجتماعية وشيوع قناعاتها الفكرية والعقائدية خصوصاً عندما تكون أداة هذه الحرب قوى أجنبية حينها تغدو مقاومة الإرهابيين لهذه القوى شكلاً من أشكال المقاومة المشروعة للتصدي للعدوان والغزو الخارجي، وتكون الحرب ضدها حاجة وطنية وواجباً دينياً وشعبياً مقدساً، يستحيل معه على أية قوة دولية هزيمة جماعة إرهابية تستمد حمايتها وقوتها ومشروعيتها من الشعب ومن القضية التي تقاتل في سبيلها. وعلى الصعيد السياسي الرسمي رحبت القيادة اليمنية بكل التصريحات السياسية الرسمية للقيادة الأمريكية والبريطانية والسعودية وغيرها من القيادات العربية والأجنبية، وبالرغم من اختلاف مضامين ودوافع وأسباب وأجندة هذه الاهتمامات والتصريحات باختلاف مصادرها وأصحابها والنوايا والرؤى للأوضاع في اليمن وسبل التعاطي معها، إلا أن اليمن تعاطت معها من منظور مصالحها الوطنية والأمنية واحتياجاتها التنموية والتزاماتها الثنائية والإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار الدولي، وكانت حريصة كل الحرص في توظيف الحملة الإعلامية لصالحها، وعملت على الدفع بتحويل تصريحات هؤلاء القادة واهتماماتهم باليمن إلى خطط تنفيذية وإجراءات عملية تصب في خدمة أجندتها الوطنية وحشد الموقف والدعم الدولي مجدداً باتجاه تمكينها من تجاوز إشكالاتها الاقتصادية التنموية، كمنطلق، رئيس لمعالجة إشكالاتها الداخلية المختلفة وفي الطليعة منها تلك التي يمثل استمرارها تهديداً أو خطراً مباشراً على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. مجمل التصريحات الرسمية التي تناقلتها وسائل الإعلام بدت في ظاهرها العام ذات ألوان براقة ومضامين جذابة تعكس مدى حرص هذه الدول وقياداتها على مساعدة اليمن حكومة وشعباً في حماية أمنه وتجاوز إشكالاته وأزماته المختلفة، إلا أن الشيطان ومخاطره - كما يقال- غالباً ما توجد في فهم وتفسير كل طرف لمفردات ومضامين هذه التصريحات، وفي تفاصيل وآليات ووسائل تنفيذها، وهو الأمر الذي يفسر حذر القيادة اليمنية وبطء خطواتها وإجراءاتها العملية في التجاوب مع هذه التصريحات، وإطلاق حملة دبلوماسية واسعة هدفها استجلاء حقائقها وأبعادها ومترتباتها واستيضاح أهدافها وآلياتها التنفيذية من مصادرها الرسمية، والاتفاق المسبق حول كافة التفاصيل، وتجسد حرص القيادة اليمنية على التعاطي العملي مع هذه المبادرات في أن تكون الطرف الرئيس والشريك الفاعل في تحديد أجندتها وفقاً لما تقتضيه مصالحها الإستراتيجية. ما وصفه البعض بضبابية الموقف اليمني وتردده وعدم تفاعله مع هذه المبادرات بالشكل المطلوب رغم الترحيب الرسمي لها هو في الحقيقة تريث مدروس لابد منه لاستيضاح المسالك القادمة وتحديد الموقع السليم الذي يمكّن اليمن من أن تضع قدمها عليه، وهي تتقدم في هذا الاتجاه.. و(مؤتمر لندن) نموذج. * رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر اليمنية