شهد عام 2009م الذي طوى أشرعته إلى ذاكرة التاريخ أمس الأول أكبر عملية تراجع في المشاريع الطاقوية بسبب الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي وقلبت الموازين في ميزانيات المشاريع البترولية والتي خُطط لها عندما كانت أسعار النفط تحوم في مستويات عالية تعدت 147 دولاراًَ للبرميل ما أثر بصورة جوهرية على هيكلة المشاريع وربحيتها ما أجبر المخططون على ضرورة إعادة النظر في دراسات الجدوى الاقتصادية بما يتوافق ومعطيات المشهد الاقتصادي في ظل الأزمة المالية. وتشير الإحصائيات الأولية التي نشرت مؤخرا إلى أن أكثر من 30 مشروعا نفطيا حول العالم يصل مجموع تكاليفها إلى أكثر من 60 مليار دولار تم تأجيل تنفيذها أو ألغيت نهائيا نتيجة إلى عدم قدرة الشركات على المضي قدما في تنفيذها لأسباب تعود إما إلى عدم وجود ممولين ماليين لهذه الاستثمارات أو لتغييرات جوهرية لواقع المشاريع تخالف ما جاء في الدراسات الاقتصادية وهو ما يجعل تنفيذها شبه مستحيل في ظل الظروف الحالية التي يشهدها الاقتصاد العالمي. وتشمل هذه المشاريع التي تم تأجيلها أو إلغاؤها استثمارات في مجال المنبع "الاستكشاف والإنتاج" مثل تطوير الحقول النفطية في المناطق النائية في أعالي البحار والمحيطات ومد خطوط الأنابيب ومعامل الفرز وصهاريج الخزن، وكذلك في حقل المصب "الصناعات التحويلية" مثل بناء مصافي التكرير وتشييد وحدات لمعالجة الهيدروجين ووقود الديزل والعطريات وكذلك معامل البتروكيماويات ومصانع معالجة الغاز الطبيعي ومشتقاته. ويساور المستهلكون الوجل من احتمال أن ينعكس هذا التراجع في الاستثمارات النفطية سلبا على مستقبل الإمدادات الطاقوية في حالة انتعاش الاقتصاد العالمي وارتفاع الطلب على النفط، حيث إن المشاريع الحالية قد لا تستطيع مواجهة الطلب ما قد يحدث خللا ما بين العرض والطلب، وبالتالي تنامي أسعار النفط إلى مستويات قد تعيق من نمو الاقتصاد العالمي الذي لا يزال يعاني بشدة من تبعات الأزمة المالية التي أنهكته منذ أكثر من عام، ولذلك طالب العديد من خبراء الطاقة بضرورة التوسع في الاستثمارات البترولية وضخ مزيدا من الأموال لتطوير الصناعات النفطية والتركيز على التقنيات التي تساهم في تحسين إنتاجية الحقول البترولية والاستفادة القصوى من المكامن وتوظيف عائدات النفط في دعم التنمية البشرية والمحافظة على البيئة. وعلى صعيد أسعار النفط فقد شهد عام 2009م أكبر عملية تذبذب لأسعار النفط، حيث بلغ هامش التذبذب حوالي 50 دولاراً للبرميل، إذ انخفضت الأسعار حتى بلغت 32.70 دولاراً للبرميل في 20 يناير بينما ارتفعت إلى 82 دولاراً للبرميل في 21 أكتوبر، وهو تذبذب أحدث إرباكا شديدا لمنتجي النفط الذين يحاولون إيجاد توازن بين العرض والطلب لضمان استقرار أسعار النفط بالصورة التي تحافظ على فائدة المنتجين والمستهلكين وتجعل النفط سلعة تدعم نمو الاقتصاد وتعزز من أداء الناتج الوطني لجميع دول العالم. وعلى الرغم من هذا التذبذب الحاد إلا أن دول منظمة الأوبك والتي تزود العالم بحوالي 40% من احتياجاته الطاقوية استطاعت أن تعبر أزمة التذبذب بدبلوماسية ذكية من خلال دراسة السوق بعناية شديدة والتحكم بالإنتاج بما يتفق والاحتياجات الفعلية للسوق وضبط تدفقات الخام وضمان عدم إغراق السوق بما يفضي إلى انهيار الأسعار أو شح يؤدي إلى ارتفاع يضر بالمستهلكين، وهو إجراء ضبط الأسعار في معدل ما بين 68- 79 دولاراً للبرميل في النصف الأخير من العام. ويرجح معظم المراقبين عودة الأسعار إلى التحليق المتدرج خلال العام الحالي 2010م غير أن ذلك يعتمد على تحسن أداء الاقتصاد العالمي بيد أنها لن تصل إلى مستوياتها في عام 2008م، ويتوقع أن تتراوح تحت 100 دولار للبرميل.