فرانسيس جالتون عالم أحياء وفيلسوف إنجليزي تنبأ في القرن التاسع عشر بانخفاض مستوى الذكاء لدى البشر بالتدريج .. واعتمد حينها على معادلة بسيطة مفادها أن الأسر المتعلمة تنجب دائما ذرية أقل من الأسر الفقيرة وغير المتعلمة .. وبمرور الأجيال ستتزايد ذرية الأسر غير المتعلمة وتطغى في النهاية على ذرية الأسر الراقية والمتعلمة التي ستتراجع بالتدريج حتى تختفي تماما !! غير أن فرضية جالتون (الذي توفي عام 1911) لم تصدق على أرض الواقع ولم تظهر نتائجها السلبية هذه الأيام رغم انطلاقها من معطيات صحيحة بخصوص انخفاض نسبة التوالد لدى الأسر المتعلمة .. بل يمكن القول إن العكس هو ما حدث حاليا حيث تثبت اختبارات الذكاء ارتفاعا متواصلا في متوسط ذكاء الشعوب في حين يبدو أطفال اليوم أكثر اطلاعا ومهارة وقدرة على التعامل مع التقنيات من آبائهم وأجدادهم .....!! وكل هذا يعيدنا الى السؤال الذي عنونا به المقال : هل سنصبح اقل ذكاءً أم أكثر عبقرية بمرور الأيام !؟ وهل يعمل نمط الحياة المعاصرة على الرفع او الخفض من مستوى ذكاء الأجيال !؟ .. أصحاب النظرة المتشائمة يضيفون (إلى ارتفاع نسبة التوالد بين الأميين وانخفاضها بين المتعلمين) حقيقة أن الطب الحديث ساهم في إبقاء الخدج والمتخلفين واصحاب العقول الضعيفة على قيد الحياة .. ولكن ؛ في المقابل لا ننسى أن فرضية جالتون سبقت دراسات حديثة أثبتت عدم وجود اى علاقة بين معدل الاخصاب والذكاء أو بين انحطاط السلف وتفوق الخلف .. فكثيرا ما ينجب الأب (غير المتعلم أو ضعيف الذكاء) ابنا أو اثنين يدخلان الجامعة ويحظيان بمراكز علمية راقية، وفي المقابل قد لا يوفق الأب الجامعي في تعليم ابن أو اثنين فتنحدر ذريته وتبقى عالة على المجتمع (وهكذا يعود الطرفان دائما إلى هامش التوازن الفكري والذهني العام).... ... ولكن ؛ بالإجمال ؛ لا أحد ينكر أن البيئة المعاصرة (من تعليم ووسائل اتصال وتداخل بين الحضارات) ساهمت في جعل الاجيال الجديدة اكثر تفتحا واطلاعا و"عالمية" من الاجيال السابقة .. أما وفرة فرص التعليم والاحتكاك والاطلاع فمنحتهم آفاقا جديدة فى الذكاء والابداع (وهو ما أسميه ذكاء مكتسبا) .. اما الحديث عن (الذكاء البيولوجي المجرد) فليس هناك مايثبت ارتفاعه او انخفاضه بشكل جذري خلال العصور السابقة ؛ ومايبدو لي أن الذكاء البشرى ظل يسيرعلى خط مستقيم (قد يتعرج قليلا للأعلى والاسفل) ولكنه بوجه عام متوازن ومتصل منذ ظهور الانسان على وجه الارض .. أما التفاوت الحضاري الذى يحدث بين شعب وآخر فهو فى الواقع تفوق فى نوعية الفرص المتاحة (من تعليم ورعاية وتشجيع) أكثر منه تفوقا فى الذكاء المجرد او طفرة فى مادة الدماغ ذاتها !! ... وبيني وبينك لو كانت فرضية جالتون صحيحة لوصل الجنس البشري (هذه الأيام) إلى حد الانفصال الى مجموعتين رئيسيتين : الأولى: صفوة متعلمة سامية تملك ذكاء نوعيا مركبا .. والأخرى: غبية منبوذة تصل إلى حد التخلف والعته !!