إن تمايز الشعوب حقيقة واقعة لا مجال لإنكارها فلا يمكن أن يدعي باحث منصف بعدم وجود فارق نوعي في الحياة التي يعيشها مثلاً الشعب السويدي أو البريطاني أو الكندي والحياة التي يعيشها الشعب الرواندي أو النيجيري أو السيريلانكي سواء في الفاعلية أو في طريقة التفكير أو في أنواع الاهتمام أو في مجالات النشاط أو في أساليب التعامل أو في مهارات الحياة أو في مستوى المعيشة أو في أي شأن من شؤون الإنسان ولكن هذا الفارق النوعي في مختلف جوانب الشأن الإنساني لا يعود إلى فارق بيولوجي جيني (عرقي) وإنما يعود إلى فارق ثقافي فطاقة أي شعب محكومة بثقافته ومؤسساته وأقرب الأمثلة على ذلك الفرق الشاسع بين أوضاع كوريا الجنوبية وأوضاع كوريا الشمالية وكذلك في السابق الفرق بين ألمانياالشرقية التي كانت مكبلة بقيود النظام الماركسي وألمانياالغربية ذات الثقافة الحرة والنظام الليبرالي فالأمم تتفاوت بتفاوت الثقافات وليس بتفاوت الأعراق أما الفروق الثقافية فلها أسباب كثيرة تاريخية وسياسية وجغرافية ودينية لكن ليس من بينها الاختلاف العرقي!!!... ولكن رغم قيام البراهين العلمية الكافية بل القاطعة على أن الإنسان كائن ثقافي وأن التفاوت بين الأمم يعود إلى الاختلافات الثقافية وليس إلى التفاضل العرقي فإنه بين فترة وأخرى يخرج من يكسر هذا الإجماع العلمي ومن آخر الإثارات العلمية في هذا الشأن ادعاءات العالم الشهير جيمس واطسون قبل عامين وهو عالم أحياء أمريكي حائز على جائزة نوبل (بالاشتراك مع كريك) عن وصف تركيب الحمض النووي وهو من أهم الاكتشافات في علم الأحياء لكن أصالته العلمية التي أهَّلته لجائزة نوبل والتي هي محل اعتراف الجميع لا تبرر ادعاءاته في التفاضل العرقي فمن الواضح انه قد التبس عليه الفرق بين الحتمية الثقافية والتناسل البيولوجي فهو عالم أحياء ثقة في مجاله لكنه قد لا يكون مطلعاً على العلوم الإنسانية التي لها حق الحسم في هذا المجال فالإنسان بالدرجة الأولى كائن ثقافي فالثقافة هي التي تَؤنسن الإنسان لكن كل ثقافة تؤنْسن أفرادها بقوالبها هي فيصبح الفرد إنساناً لكنه بقالب مختلف عن قوالب الثقافات الأخرى فحتى القابليات العظيمة تفسدها الثقافات الاجترارية المنغلقة وبالمقابل فإن القابليات العادية تصير عظيمة بالثقافات النامية المنفتحة فالثقافات هي مصدر الاختلافات ولو وَعَتْ المجتمعاتُ المتخلفة هذه الحقيقة الأساسية لعرفت كيف تنفلت من قبضة التخلف فتصعد نحو آفاق الازدهار ولو أن هذه الحقائق نُشرَتْ بين الناس في كل الأمم وأُشيعت في كل الثقافات فأدركتْ الإنسانية كلُّها أن كل اختلافاتها تعود إلى العوامل الثقافية وليس إلى العوامل الوراثية لزال الكثير من أسباب التفاخر والتوتر والشطط والعدوان.. إن الثقافات جيدها ورديئها هي التي تنقل الفرد من عالم الطبيعة والقابلية والفراغ والإبهام إلى عالم الإنسان العاقل لكنه العقل المشروط المقولَب المبرمَج فتتحدد بثقافة من الثقافات لغته وعاداته ومنظومة قيمه وطريقة تفكيره ومستوى فاعليته ومحط عواطفه وأنواع اهتمامه ومجالات نشاطه ونمط سلوكه فالثقافة هي التي ترتقي به من مجرد القابلية الفارغة إلى كائن إنساني عاقل ولكنه عقل مشروط ومقيد ببيئته وليس عقلاً مطلقاً. ولأن واطسون من علماء الحياة وليس من علماء الانثروبولوجيا فإنه قد اعتقد أن الفروق الهائلة الملحوظة بين الشعوب والأمم والأفراد تعود إلى العامل الوراثي الجيني بينما هي ذات مصدر ثقافي فهو يعيد تخلف افريقيا مثلاً إلى أن ذكاء السود ضعيف لا يُمَكْنهم من التعامل المناسب مع مشكلات الحياة ويرى أن النظر إلى السود الأمريكيين بوصفهم مساوين للبيض لا يتفق مع الواقع وأنه قد أضرَّ بهم وأضرَّ بالمجتمع الأمريكي ويقول: أتمنى لو أن كل الناس متساوون لكن كل من يتعامل مع الموظفين السود الأمريكيين يكتشف الاختلاف الواضح ولكنه هنا يغفل عن فوارق التنشئة بين البيض والسود حتى وإن كانوا كلُّهم أمريكيين فالتفاوت الشاسع يعود إلى اختلاف ظروف النشأة وليس إلى اختلاف الوراثة.. لذلك ثارت ضده موجات من المعارضة والنقد والرفض والاستنكار في بريطانيا وأمريكا وفي كل العالم الغربي وألغتْ جامعات أوروبية وأمريكية ومراكز بحث ومتاحف علمية محاضرات كانت مرتَّبة له فتراجع وأعلن أنه لا يُصدر أحكاماً وإنما يثير تساؤلات فقط وأنه لا يصح الحجر على العلماء بأن يتساءلوا ويناقشوا لأن الحجر على العلماء ومنّع التساؤل يوقف نمو الحضارة ويجمِّد العلوم والفنون وهو مُحقُّ تماماً في هذا القول لأن التساؤل هو حافز العلوم ومنتج الأفكار ومُنشئ الازدهار.. لقد تتبع دانييل كيفلس في كتابه (التاريخ العاصف لعلم وراثة الإنسان) المعارك العلمية والأيديولوجية التي جرت حول التفاضل العرقي في القرنين التاسع عشر والعشرين فما زال بين العلماء من يرون أنه يوجد فوارق واضحة بين الأعراق ليس فقط في المظاهر الجسدية وإنما في القابليات الذهنية ومنهم عدا واطسون: آرثر جينسين الذي كتب يقول: «إن الأهمية المحتملة للعوامل الوراثية في الفروق العرقية والسلوكية قد أُهملتْ كثيراً حتى لتغدو موضوعاً محرماً» ومنهم هانز آيزينك صاحب كتاب (تفاوت البشر) وربما أن من أكثرهم شهرة في هذا المجال إدوارد ويلسون أستاذ علم الحيوان بجامعة هارفارد وهو يرى أن الذين يعارضون فكرة تفاضل الأعراق لا ينطلقون من رؤية علمية وإنما تحركهم مواقف أخلاقية وعواطف إنسانية فيؤكد أنه: «لا يصح أن نخلط بين ما هو كائن وما نُحبُّ أن يكون» ويرى أن التعمق في البحوث الوراثية وعدم الحرج من إعلان النتائج سوف تفيد كل الأعراق لأنها تسمح بتحسين النوع الإنساني بتكريس الموروثات النافعة وتثبيط الموروثات الضارة فهذا التحسين هو في نظره ممكن ومهم للغاية.. ولكن سبعين عالماً من مختلف الحقول العلمية ومن أقطار مختلفة اجتمعوا في اليونسكو وعارضوا ادعاءات التفاضل العرقي ودوَّنوا بياناتهم وبحوثهم في كتاب صدر بعنوان (الدحض العلمي لأسطورة التفوق العرقي) وأعلنوا وحدة الأصل لإنساني وأنه لا يوجد أعراق نقية وإنما اختلطت الأعراق خلال التاريخ وأن الفوارق الموجودة بين الأعراف تشبه الفوارق الموجودة بين الأفراد في العائلة الواحدة وهي من الفروق الفردية الموجودة داخل كل مجتمع.. وليس هذا الجهد الجماعي سوى قطرة من بحر البحوث العلمية التي تضافرت لدحض أوهام التفوق العرقي ففي كتاب (ليس في جيناتنا) قام ثلاثة من العلماء البارزين هم ستيفن روز وليون كارمن وريتشارد ليونتي بتفنيد الدعاوى العرقية تفنيداً شاملاً وقد ترجم الكتاب مصطفى إبراهيم فهمي لكنه تصرف بالعنوان فترجمه بعنوان: (علم الأحياء والأيديولوجيا والطبيعة البشرية) أما اليونسكو فقد تواصلت إصداراتها في هذا المجال ومنها كتاب (العرقية ازاء العلم) لمجموعة من العلماء وكتاب (السلالة والمجتمع) لكينيث ليتل وكتاب (خرافات عن الأجناس) لجوان كوماس وكلهم يؤكدون بأن منشأ التفاوت بين الأمم ثقافي وليس عرقياً.. إن ادعاءات التفاضل العرقي قد رافقت الإنسانية منه وجودها فما من عرق إلا ويرى نفسه متميزاً عرقياً عن الأعراق الأخرى حتى لو كان في واقع حياته يعيش في دَرَكات التخلف بل إنه كلما أوغل المجتمع في الجهل والتخلف والانغلاق تضاعفت أوهام الامتياز لديه وهذا ملحوظ في كل الثقافات بل إنه ملحوظ داخل الثقافة الواحدة فكل عشيرة ترى أنها الأميز وكل أسرة ترى نفسها الأفضل وكل فرد يتوهم أنه أذكى الناس وأحكمهم إن هذه الظاهرة البشرية من أشد الأوهام انتشاراً وأكثرها شيوعا وأدومها بقاء مما جعلها معضلة بشرية عامة فقد صاحبت الإنسان خلال تاريخه كله ليس في ثقافة دون أخرى، ولا عند قدوم دون آخرين ولكنها آفة عامة ووباء بشري شامل فقبل نشأة العلوم الحديثة لم يكن ممكنا أن تكتشف الإنسانية سخف هذا الوهم لكن حقائق علمية كثيرة قد تكشّفت الآن بعد ظهور وتطور العلوم الإنسانية وبات خلاص أي مجتمع من مثل هذه الأوهام الغبية الجاهلة والجائرة مرهوناً بمقدار تمثله للروح العلمية الطارئة على العقل البشري.. إن مزاعم و أوهام التفاضل العرقي كانت سائدة خلال القرون في جميع الثقافات وعند كل الأمم أما في العصر الحديث فقد أصبحت الأحكام تتطلب إثباتاً علمياً لذلك مرت هذه المزاعم بمراحل مختلفة وتأرجحت بين العديد من التقلبات وهذا الالتباس سببه في الغالب ما هو ظاهر من وجود تفاوت ملحوظ بين الناس سواء بين المجتمعات أو بين الأسر داخل المجتمع الواحد وكذلك الفروق الفردية التي لا يمكن إنكارها حتى في الأسرة الواحدة فالأفراد ليسوا متساويين في القابليات ولا في القدرات المتحققة فمنهم من هم في أعلى السُّلم ومنهم من هم في أسفله لكن الغالبية من الأفراد في كل المجتمعات تأتي في الوسط بين تألق وتدفق الذكاء وانطفاء وخمود البلادة.. لكن هذا التفاوت لا يدل على أي تميز عرقي لأنه موجود في كل المجتمعات داخل كل عرف فهو ناتج عن الفروق الفردية وليس عن تفاوت في الأعراق بل إن هذه الفروق تكون ظاهرة حتى بين الأشقاء فهم ينشأون متفاوتين رغم اتحاد الوراثة فكل عرق وكل مجتمع فيه قلة من ذوي الذكاء المضيء وقلة من ذوي الغباء المنطفئ أما الغالبية فهم في الوسط يتطبعون بالامتصاص التلقائي ويجيدون التقليد والإتباع ولكنهم لا يرتقون إلى مستوى الريادة والإبداع وهؤلاء الأكثرية هم الذين توضع لهم مناهج التعليم وبمستواهم تصاغ معايير التحصيل إن هذه المناهج والمعايير أعلى من مستوى الأغبياء وأدنى من مستوى المتميزين إنها موضوعة لتلائم الأغلبية الوسطى... وعلى مر التاريخ يبقى هذا التوازن الإنساني مستمراً فالسلم يبقى كما هو: قلة من المتميزين وقلة من الأغبياء وأكثرية في الوسط فالإنسان العبقري لا يأتي أولاده عباقرة وكذلك الغبي ليس شرطاً أن يكون أولاده بمستوى غبائه وإنما يكونون في الغالب من المستوى المتوسط فبعض أولاد العبقري قد يأتون أغبياء أو متوسطي القابليات وبالمقابل قد يخرج إنسانٌ متميز من أسرة متوسطة الذكاء فالتميز هو نوع من الطفرة الاستثنائية التي لا تتكرر ولا يمكن التخطيط لها.. إن أوهام التفاضل العرقي لم تغب خلال التاريخ عن الواقع الإنساني وكانت سبباً في الكثير من الإجحاف والظلم والعدوان والبؤس والمآسي لكنها في القرن التاسع عشر اتخذت مساراً جديداً حين أرادت أن تتكئ على البحث العلمي فقد تحمّس العالم الإنجليزي فرنسيس جالتون لفكرة التفاضل العرقي وبذل جهوداً مضيئة من أجل إثبات هذا التفاضل علميا لكنه كان يخلط بين تأثير التنشئة وتأثير الوراثة ويعتمد على التمايزات الفردية لأن براهينه تشهد للأثر الحاسم للتنشئة كما تؤكد الفروق الفردية داخل العرق الواحد وهي ظاهرة موجودة في كل الأعراق ولا تقيم حجة على التفاوت العرقي ومع ذلك اتخذ منها دليلاً على التفاضل بين الأعراق وضمّن نظرياته في كتابه (العبقرية الوراثية) وسعى من أجل ذلك إلى تأسيس علم تحسين النسل وكان يرى أن تتدخل الدول في التزاوج والتناسل وأن تحد من تكاثر الأغبياء وأن تشجع الأذكياء على زيادة النسل وأن تخصّهم بالرعاية والاهتمام والدعم لكن كل النتائج التي توصّل إليها تؤكد مفصلية التنشئة كما تؤكد الفروق الفردية داخل العرق الواحد وهذه حقيقة ثابتة لا خلاف عليها لأنها فروق موجودة بوضوح عند كل الأعراق ولكنها لا تقيم أي برهان على التفاضل العرقي بين الأعراق فلا يوجد عرق يملك جينات متميزة وإنما يوجد ثقافات تحرك العقول وثقافات تجمدها.. إن أوضاع المجتمعات محكومة بنظمها السياسية وبمؤسساتها الاجتماعية وبموروثها الثقافي وليست محكومة بانتمائها العرقي فالتفاوت الشديد القائم بين المجتمعات هو نتاج الحتمية الثقافية وليس نتاج التناسل البيولوجي لكن هذه الحتمية الثقافية لم تكن معروفة خلال القرون وظل أغلب الناس في كل الأمم غير قادرين على فهم فكرة التناسل الثقافي الذي لا يقل ثباتاً واستمراراً عن التناسل البيولوجي بخلاف ظاهر الفروق الفردية التي هي شديدة الوضوح مما جعلها تتسبب في خلق أوهام التفاضل العرقي فالعالم الإنجليزي جالتون لم يكن وحده في محاولة الإثبات العلمي لتفاضل الأعراق وإنما وجد من يتحمسون لأفكاره فقد جاء معه وبعده أتباع وتلاميذ حاولوا نشر أفكاره من أمثال: (كارل بيرسون) وهو عالم إحصاء وكان يسمى: (قدّيس! علم تحسين النسل) وقد اجتهد في عمل إحصاءات زعم أنها تؤيد الامتياز العرقي لكن الذي يراجعها يجدها تشهد للتفاضل الثقافي وليس للتفاضل العرقي كما أنها تؤكد الفروق الفردية التي هي ظاهرة بشرية عامة ولا أحد ينكرها.. إن فرانسيس جالتون معاصر لداروين وهو ابن عمته وتأثّر كل منهما بالآخر وقد ولد عام 1822م وعاش حتى عام 1911م وكان من أتباعه فيكتوريا وودهل التي أصدرت كتاباً تدعو فيه إلى استيلاد المتميزين ومنع تكاثر الأغبياء، وكذلك فعل الكاتب الشهير برناردشو في كتابه (الإنسان السوبرمان) أما العلماء الذين عارضوه واستنكروا نظريته فهم لا يُحصون ومنهم عالم الأحياء الإنجليزي الشهير جوليان هكسلي الذي كان أول مدير عام لليونسكو وهالدين - أستاذ علم الوراثة ولانسلوت هوجين أستاذ البيولوجيا الاجتماعية وهيربرت جيننجز أستاذ علم الحيوان وآخرون كثيرون من رجال العلم والفكر والأدب.. أما في فرنسا فقد كان أشهر القائلين بالتفاضل العرقي (آرثر غوبينو) وهو عالم فرنسي ولد عام 1816م وتوفي عام 1882م أي أنه معاصر لجالتون وقد حاول هو الآخر التأصيلي العلمي لهذا الاتجاه في كتابه (بحث في اللامساواة بين الأعراق البشرية) كان (غوبينو) استقراطيا معادياً للثورة الفرنسية ولكل ما نتج عنها من آثار اجتماعية إنه يكره الديمقراطية ويحتقر الدهماء، ويعوّل على النخبة المتميزة ويعتقد أن الجنس البشري قد انقسم نهائياً إلى أعراق متمايزة وغير متساوية ويرى أن لكل عرق خصائص دائمة تتوارثها الأجيال وكان يعتقد أن سبب انحطاط الحضارات وسقوطها هو اختلاط الأعراق ففي اعتقاده أن الأعراق التي كانت متميزة ومسيطرة قد ذابت في الأعراق الأدنى مما أدى الى التدهور والسقوط إنه لا ينطلق من موقف عنصري وإنما يدعي أنه مجرد عالم وأنه يدوّن ما يراه حقاً فهو يزعم أنه لا يضمر احتقاراً ولا كرها لأي عرق وإنما هو باحث علمي.. لكن المسحة العلمية لبحث غوبينو فتحت المجال للإفراط في دعاوى العرقية فقد اعتنق هتلر فكرة الامتياز العرقي فأصدرت ألمانيا في عهده عام 1933 (قانون التعقيم لتحسين النسل) إن التطرف النازي المغالي في العنصرية قد حفز الغرب إلى المزيد من البحث والتثبت والموضوعية فتحققت تطورات واكتشافات مهمة ومتنوعة في مجالات علمية متعددة أدّت كلها إلى حدوث تحول جارف في الثقافة الغربية ضد العرقية فصارت ادعاءات التفوق العرقي من المحرمات التي لا يجوز الحديث عنها ولا إثارة الأسئلة حولها ومقاطعة كل من يحاول إعادة طرحها لأنهم يعتبرونها ادعاءات عنصرية وليست حقائق علمية لذلك قاطع جيمس واطسون خلال العامين الماضيين مقاطعة شديدة وحوصر بل نُبذ فرفضته جامعات الغرب ومنتدياتها العلمية رغم اعتراف الجميع بمكانته العلمية الفائقة لقد صارت العرقية عقدة الغرب مثل اللاسامية!!! فالغرب في هاتين القضيتين غير عقلاني وغير علمي لأنه يحرِّم مجرد التساؤل!! وهو موقفٌ غريب ونشاز في الثقافة الغربية لأن ازدهارهم قام على صراع الأفكار وفتح كل الأبواب للتساؤل والنقاش لكنهم في مسألة التفاضل العرقي واللاسامية أقفلوا باب التساؤل وأوقفوا النقاش فَهُما في نظرهم من القضايا المحسومة علمياً!!! مع أن المبدأ العام في فلسفة العلم وفي الثقافة الغربية عموماً أنه لا يوجد مسألة محسومة علمياً وإنما هم يؤكدون دائماً أن أبواب المراجعة يجب أن تظل مفتوحة وأن عمليات التصحيح يجب أن تبقى مستمرة فادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة بات من المهازل البشرية التي تستحق السخرية والرفض وبهذه الآلية التي تكفل المراجعة الدائمة والارتقاء المستمر استطاع الغرب أن يحقق ازدهاره المذهل لكنه في رفض البحث في مسألة اللاسامية والعرقية يناقض مسلَّماته الأساسية الفلسفية والعلمية التي قامت عليها ثقافته وأدت إلى ازدهاره وهذا ناتج عن إفراط الغرب في الاهتمام في الجانب الإنساني وتأكيده الدائم على وجوب احترام الآخر: عرقاً وتاريخاً وواقعاً وثقافة لقد صارت الثقافة الغربية لا تجيز أي قول أو تصرف يُشَمُّ منه ادعاء الامتياز أو انتقاص الآخرين...