جيل اليوم أكثر عالمية واطلاعا من أجدادهم وأسلافهم - بل وحتى من آبائهم الحاضرين - .. ففي الماضي كان السفر «مشقة» وكانت الرحلة «فراقاً» وكانت تحركات الإنسان لاتتجاوز دائرة الخمسمائة متر . أما المعارف المتداولة فلم تتجاوز دائرة القرية ومحيط الجماعة - أو عبر البريد بعد شهرين أو ثلاثة - ! أما اليوم فأصبحنا نذهب لأقصى الدول بساعات قليلة، ونرى أخبار العالم فور وقوعها، ونراسل أبعد الناس - ونخاطبهم عبر الشات - بطريقة مباشرة ولحظية ... هذا الانفتاح العالمي يعد بلا شك «عولمة» للذهن نفسه وبوتقة لتمازج الأفكار والثقافات المختلفة . وهذه الميزة التي يحظى بها أبناء اليوم ساهمت في رفع متوسط ذكائهم مقارنة بأقرانهم في الأجيال الماضية (... ليس بسبب تغير مادة الدماغ ذاتها بل بسبب توسع المدارك وتراكم المعارف الجديدة ) .. فمن الملاحظ أن مستويات الذكاء ارتفعت باطراد من جيل لآخر خلال القرن العشرين . وهذه الظاهرة لوحظت في دول عديدة مثل بريطانيا التي سجل فيها ذكاء الأطفال ارتفاعًا قدره 27 نقطة منذ عام 1942 وفي أمريكا 24 نقطة منذ عام 1918 والأرجنتين وأوروبا واليابان وكندا والصين وأستراليا ونيوزيلندا (بمتوسط 20 نقطة) منذ عام 1950 وهذه الظاهرة الغريبة (وغير المسبوقة في تاريخ الانسان) تم التأكد منها بفضل أبحاث البروفيسور جيمس فلاين من جامعة أوتاجو في نيوزلندا . ففي عام 1987 اختبر معدلات الذكاء لدى الاطفال في 14 بلدا ثم قارنها بالنتائج المتوفرة منذ عام 1950 فوجد طفرة حقيقية في المتوسط العام . كما راجع سجلات الجيش في هولندا وبلجيكا والدنمرك (حيث يخضع المجندون الجدد لاختبارات الذكاء) فوجد ان متوسط الذكاء ارتفع لدى الجيل الجديد بمعدل 25 نقطة !! أيضا درس هذه الظاهرة البروفيسور روبرت هوارد (من جامعة نيوساوث ويلز في استراليا) وتوصل لنتائج مشابهة . وقد جمع أدلته من خلال امتحانات الذكاء، والألعاب الذهنية (كالشطرنج والبريج) وقدرة الأطفال على الاستنباط والتحليل ؛ وأتت النتائج ايجابية وحقق الأطفال من كل الدول مستويات أعلى من آبائهم وأجدادهم .... وارتفاع ذكاء الأطفال أصبح اليوم واضحا لدرجة أن الطفل الذي يتمتع بذكاء معتدل حاليا يضاهي عبقرية الفرد في بداية القرن العشرين .. كما يتضح ذكاء الأطفال (على مستوى كل عائلة) من خلال تفوق الأبناء على آبائهم في استعمال الكمبيوتر وألعاب الفيديو وتعلم القيادة واتقان اللغات الأجنبية بسرعة واضحة .. ومن الأمور التي قد تفسر هذه الظاهرة (بالإضافة للعولمة وثورة المعرفة) توفر الكمبيوترات وألعاب الفيديو وبرامج الترفيه التي تدرب الأدمغة على التحليل والتفسير ومرونة التصرف (وهي العوامل التي يقاس الذكاء من خلالها) . أضف لهذا أن العائلات نفسها أصبحت حاليا أكثر تعليما وأقل عددا مما يعني رعاية أكبر وتعليما أفضل ( بعكس العائلات في الماضي ؛ حيث يرعى والدان أميان درزن أطفال) ... أيضا هناك قضية مهمة قد تساعد على تفسير تفوق «الأطفال» في الذكاء وسرعة التعلم ؛ فإلانسان كلما تقدمت به السن قلت قدرته على تعلم مهارات جديدة بسبب مايعرف ب«التحجر اللغوي». فمن الملاحظ أن كبار السن يعجزون عن التعامل مع الكمبيوتر أو تعلم لغات أجنبية أو إتقان مهارات تقنية متقدمة ؛ وفي المقابل يتقن الأطفال هذه المهارات بسرعة كبيرة لأن القسم الذي يسيطر على القدرات المنطقية (في الدماغ الأيسر) لا يتوقف عن النمو إلا بعد سن الرابعة عشرة!! ... أنا شخصيا أرى أن كل انفتاح جديد واكتشاف غير مسبوق يترافق مع قفزة في الرؤى والتفكير يتبناها أطفالنا الجدد .. المهم - بالنسبة إلينا كآباء - أن لا ينظروا إلينا كأغبياء نعجز عن تحريك «الفارة» !