لقد لعبت المصادفة وحدها في أن يتوافق يوم انعقاد ورشة "الاستخدام الآمن للمبيدات" التي نظمتها الغرفة التجارية الصناعية بالرياض مع نفس اليوم الذي وصل فيه وفد رجال الأعمال القيرغيزي إلى العاصمة قادماً من جدة. فهذان الحدثان اللذان يبدوان للوهلة الأولى كما لو أن لا علاقة لأحدهما بالآخر، هما في واقع الأمر على درجة كبيرة من الترابط. فهذا الوفد الذي قدم إلينا قد جاء بهدف التعريف على الفرص الاستثمارية المتاحة لديهم وفي مقدمتها الاستثمار في المجال الزراعي الخالي من استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية. وهكذا فنحن في حيرة. فمن جهة يعتبر الإنتاج الزراعي لدينا مكلفاً بحكم الجغرافيا والمناخ وقلة المياه. من جهة أخرى نرغب في تشجيع الإنتاج الزراعي المحلي لعدة اعتبارات لعل أهمها الأمن الغذائي وتنويع القاعدة الاقتصادية وتشجيع المنافسة بين المنتج المحلي والأجنبي المستورد، وذلك حتى لا يحتكر أين منهما السوق ويرفع الأسعار. ولكن هذه الرغبة يتم استغلالها أحياناً من قبل بعض المنتجين الزراعيين لتحقيق مصالحهم الأنانية على حساب صحة المواطنين. وذلك من خلال استخدامهم المبيدات الزراعية في رش الخضروات والفواكه دون مراعاة لفترة التحريم قبل حصادها وتسويقها. حيث تشير إحصائيات مختبر سوق الجملة بالرياض للخضار والفواكه عام 2008 إلى أن نسبة العينات غير الصالحة للاستخدام الآدمي نتيجة لاحتوائها على متبقيات مبيدات أعلى من المسموح بها محلياً ودولياً قد وصلت العام الماضي 2008 إلى 15% من إجمالي العينات العشوائية التي تم فحصها. فإذا أضفنا إليها العينات التي توجد بها متبقيات للمبيدات ضمن الحدود المسموح بها فإن النسبة السابقة ترتفع إلى 26%. إذاً فإن أمامنا امتحاناً. فنحن لا نرغب في الاعتماد على المنتجات الزراعية الأجنبية وحدها للأسباب التي تمت الإشارة إلى بعضها. من ناحية أخرى فإن المنتجين الأجانب، مثل وفد رجال الأعمال القيرغيزستاني الذي زارنا منذ وقت قريب، يمنوننا بمحاصيلهم العضوية عالية الجودة والخالية من المبيدات الكيماوية. وهكذا نبدو للوهلة الأولى كما لو أننا أمام خيارين: الصحة أو الاقتصاد. وهذا غير صحيح. فالتوفيق بين الصحة العامة من ناحية وتنويع الهيكل الإنتاجي والأمن الغذائي من ناحية أخرى أمر ممكن بل ومرغوب فيه. فالجهود التي تضطلع بها وزارة الزراعة وهيئة الدواء والغذاء غير قليلة. سواء في مجال مراقبة عملية الاتجار بالمبيدات بالمملكة أو من خلال الحملات المنتظمة على محلات بيع المبيدات لضبط المخالفين أو عبر حملات التوعية. بيد أن محاربة آفة الغش الزراعي، التي يدخل ضمنها استخدام المبيدات غير الآمنة، تحتاج إلى دعم أكبر. فالجهود المشكورة التي تبذلها الجهتان المشار إليهما لم تتمكن، حتى الآن، من احتواء الخطر وقطع دابر المتلاعبين بصحة المواطنين. فمتوسط العينات من الخضار والفواكه الراسبة- أي غير الصالحة للاستخدام الآدمي- خلال الفترة 2007- 2008 قد أرتفع، وأن بنسبة طفيفة، من 14,67% إلى 15,1%. ولهذا فإن الأمر، كما يبدو لي، يحتاج إلى مضاعفة الجهود وزيادة الميزانية المخصصة للرقابة على المنتجات الزراعية. فبدون ذلك فإن أحداً لا يمكنه أن يضمن سلامة الإنتاج الزراعي المعروض في السوق سواء المنتج منه محلياً أو المستورد. وتأتي مخبرات الفحص الزراعية على رأس قائمة المعدات المطلوب توفيرها، كماً ونوعاً، لتشديد الرقابة على المنتجات الزارعية. وأن لا ننسى في هذا المجال المنافذ الحدودية للكشف على المنتجات الزراعية المستوردة غير الصالحة واستباق الأمر قبل دخولها إلى الأسواق. وجملة القول إننا قد نكون في حاجة إلى وضع منظومة من الإجراءات لضمان حصولنا على إنتاج زراعي سليم. فالمزارع التي تقدم لنا المحاصيل الطيبة المفيدة للصحة يفترض أن تكافأ. ولذا فحبذا لو تتخصص جائزة سنوية على مستوى المملكة للمزارع المتقدمة في هذا المجال. وأن تدعم الجائزة ببرنامج أخر للتسهيلات الائتمانية يتم بموجبه حصول المزارع المتميزة، المتفوقة في مجال المحافظة على الصحة والبيئة، على قروض ميسرة- سواء من صندوق التنمية الزراعية أو من البنوك التجارية. أما المزارع المخالفة للأنظمة والقوانين فيفترض أن يوضع لها نظام آخر يتدرج من الإنذار في المرحلة الأولى إلى الغرامة المالية وحتى إغلاق المزارع المتمادية.