تنثال الكلمات ألقاً، في فضاء شعري، ومشهد كرنفالي، بحثاً عن المعاني، حين يخرج الإنسان، والمكان، والزمان من القصيدة، وتأتلف الأوزان والقوافي لصياغة مشهد يجدد دوماً قدرته على الإبهار. ففي الرياض، حيث حللت بين أهلي وبلدي وعشيرتي، وما يحث الحواس على التهيؤ، لالتقاط شيء ما، يحار المرء للوهلة الأولى بماهيته، وسرعان ما يكتشف وقوعه في أسر لوحة خطوطها البلاد وأهلها. ولعل أول ما يشد الزائر فور نزوله من المطار ذلك البعد الروحي الذي يربط المسلم أينما حل بأطهر المقدسات وأكنافها. في حضرة هذا الانشداد تطل حفاوة واستقبال يقل نظيرهما، لكن المنتمي للمكان روحاً وعقلاً لا يحار في ما يجده بين هؤلاء الناس، الذين جبلوا على العيش قرب أقدس المقدسات على وجه البسيطة، فأخذوا من الأحداث التي جرت فيه على مر الأزمنة عبراً، ومن الأخيار الذين انتصروا لقيم غيرت وجه التاريخ قدوة. ذلك التماثل بين الإنسان وطبيعة المكان، يتجسد في الرياض سلوكاً يومياً غير مفتعل، وتصرفات عفوية، تعود إلى أصالة عربية، يمنحها الإسلام فيضاً من نوره، فتضيء طريق الهداية. وللبصمات التي وضعها الإنسان على المكان، لتكون شاهداً على الرفاه، والتواصل مع روح العصر، قصة أخرى تستحق أن تروى. ففي النظر إلى الجسور والفنادق والشوارع متعة للعين لا تخلو من إيحاءات بتعاطي المواطن والزائر والمقيم مع مدينة استوعبت عناصر معادلة التمدن وتمثلتها. ولا غرابة في استيعاب صانع القرار السعودي لتعقيدات هذه المعادلة، فهو الذي استطاع مواصلة الدور التاريخي للمملكة، في منطقة كان التأزم على الدوام إحدى سماتها. فالتأثير السياسي الذي تحظى به المملكة يعد الامتداد الطبيعي لذلك الدور الذي ساهم على الدوام مساهمة فعالة في تشكيل الملامح السياسية للمنطقة. وفي غمرة إيحاءات تثيرها تفاصيل ملحمة الإنسان والمكان التي لم تتوقف فصولها منذ ثلاثينيات القرن الماضي - حين وضع الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه حجر الأساس لتاريخ جديد للمنطقة بتوحيد الجزيرة العربية وقيام المملكة - يكتسي حديث السعوديين عن انجازات جلالة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التحديثية فخراً واعتزازاً بقصص نجاح على جميع الأصعدة والميادين فلا يملك المستمع إلا أن يبادل محدثه الاعتزاز والفخر باعتزاز وفخر مماثلين. فالانجازات التي تحرزها القيادة السعودية تطال جميع البشر في كل أنحاء المعمورة ولم تكن يوماً حكراً على السعوديين. ويمتزج الفخر والاعتزاز بشعور الامتنان والعرفان بحسن الاستقبال والضيافة الذي أحاطني به الأخوة في الرياض خلال الزيارة التي جاءت لتبية واجبات اجتماعية تجاه أعزاء لهم في القلب مكانتهم الخاصة. فالواجب الذي قام به سمو الأمير سلطان بن محمد آل سعود، والشيخ حمد الجابر العلي الصباح وأركان سفارة دولة الكويت، والشيخ خالد الإبراهيم، وصاحب الدعوة الكريمة الشيخ زيد بن ناصر المليحي، والشيخ أحمد النايف الفيصل الجربا، والشيخ فيصل بن فياض آل الغبين يستحق الكثير من الشكر والثناء، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله. ولا يغيب عنا كل من ساهم في نجاح الزيارة الأمر غير المستغرب على بلد الكرم والجود والضيافة والشعب الكريم صاحب الأيادي البيضاء والمرابع الخضراء. وفي الختام دعوانا الصادقة إلى العلي القدير بأن يمن على سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز بالشفاء العاجل والعودة لمواصلة مسيرة الخير والعطاء في أقدس بقاع الأرض.