كشف تحليل اقتصادي شمل 75 شركة سعودية، عن أنّ شركات سعودية عدة أساءت إدارة رأس مالها العامل، وتمادت في زيادة الأصول الثابتة، وأنها تعاني حالياً من سوء إدارة التزاماتها القصيرة المدى، خاصة مع النقص الحالي في السيولة الذي يساهم في تفاقم الوضع. ورأى التحليل الذي حصلت "الرياض" على تفاصيل نتائجه، أن النمو الاقتصادي القوي خلال السنوات الخمس الماضية أدّى إلى نمو غير ملائم في شركات سعودية عدة، بعد أن سعت هذه الشركات وراء تحسين المبيعات بأي ثمن، متجاهلة الجوانب الدقيقة في إدارة التدفقات النقدية وقائمة المركز المالي، ومستمرة في زيادة الدين من عدة مصادر. ووفقاً للتحليل الذي قامت بها شركة «بوز اند كومباني» العالمية، فقد تفاقمت مشاكل السيولة خلال مرحلة الازدهار الاقتصادي، غير أنها لم تظهر إلاّ مع بدء مرحلة الركود، مطالباً الشركات السعودية بأن تأخذ فوراً تدابير تكتيكية لرفع الضوابط عن السيولة، مع التحضير لتعزيز السيولة بشكل مستدام على المدى الطويل. وقال التحليل الاقتصادي الموسع :" يتوجب على الشركات السعودية أن تعزّز بيئة من التعاون، مع نظرة جديدة إلى كيفية تبادل المعلومات واتخاذ القرارات داخل الشركة ، معتبراً أن الشركات التي تستفيد من الأزمة الاقتصادية كأداة لتحسين إدارة أعمالها ستحقق ميزة تنافسية أكثر متانة على المدى الطويل". وتابع :" قبل الأزمة الاقتصادية، كانت الشركات السعودية تعتبر أنّ الخطر الأكبر عليها هو عدم قدرتها على مجاراة وتيرة التوسّع الاقتصادي السريع، وعندما ارتفع الطلب على السلع والخدمات بشكل مفاجئ وشهد سوق الأسهم نمواً مفرطاً، توجه المستثمرون نحو الاكتتاب العام، فيما تنافس المقرضون على حصة أكبر من سوق قروض الشركات. ونتيجة ذلك بحسب التحليل، فقد اعتمدت الشركات السعودية سياسات توسّع جريئة لضمان حصتها، فيما تغاضت البنوك عن بعض الشروط لتمويل هذه الخطط الجريئة، في الوقت الذي توقع فيه المساهمون عائدات سريعة، وبمعدلات عالية، وأرباح موزعة دائمة على أسهمهم، لكن مع الأزمة الاقتصادية، أصبح واضحاً أن هذه الممارسات غير قابلة للاستمرار. وقال تحليل بوز أند كومباني، أن أزمة الائتمان أتت لتعيد تسليط الضوء على هذه المشاكل، فأصبحت القطاعات السعودية تواجه تحديات في ثلاث مجالات رئيسة: إدارة رأس المال العامل، واستخدام الأصول، واستخدام رأس المال. واعتبر التحليل الاقتصادي، أن الشركات السعودية لم تعتد التركيز على الاستحصال على السيولة من عمليات البيع. ولذلك، تمكنت من الحفاظ على مستويات عالية من المخزون والمستحقات كما هي الحال في المقارنات القياسية الدولية، وأنه على الرغم من أن هذه المسألة بنيوية بطبيعتها نظراً إلى قطاعات التوريد في المملكة، فإن فرص التحسين لا تزال موجودة. وهنا، قال أحمد يوسف، مدير أول في بوز أند كومباني: " في نهاية السنة المالية 2008، بلغت قيمة المخزون والمستحقات في الشركات التي شملها تحليلنا 40 مليار ريال سعودي، وعلى الرغم من أنّ المستويات العالية للخصوم المتداولة قد أخمدت التأثير المالي السلبي للمستويات العالية في المخزون والمستحقات، بقي رأس المال العامل للشركات مرتفعاً بحسب المقارنات القياسية في غالبية القطاعات، وقد تؤمن إعادة رأس المال العامل إلى المعدلات الطبيعية سيولة بقيمة 10 إلى 15 مليار ريال سعودي سنوياً. وذكر أنه بين العامين 2004 و2008، زادت الشركات السعودية التي شملها تحليلنا أصولها ثلاث مرات، لبلوغ قيمة إجمالية تفوق 250 مليار ريال سعودي في نهاية العام 2008، وقد تميز نمو الأصول الثابتة بسرعة تخطت سرعة نمو إجمالي الناتج المحلي، حيث كان الهدف من الأصول أن تدرّ مبيعات إضافية تتماشى مع توقعات النمو الدائم. وأضاف: "الآن وقد اعتدل النمو وهبطت مستوياته، من الواضح أن هذه الشركات قد تجاوزت أهداف الطلب، وستحتاج الأصول الثابتة الجديدة إلى المزيد من الوقت لتردّ تكلفتها". إلى ذلك، لفتت نتائج التحليل، إلى أن متوسط معدل الدين مقابل حقوق المساهمين في الشركات السعودية المعنية، والذي يبلغ حوالي 50%، قد يبدو مقبولاً، غير أنّ التدفقات النقدية الناتجة عن العمليات والنشاطات الاستثمارية كانت سلبية في أكثر من نصف الشركات التي شملها التحليل (53%)، فقبل الأزمة، كانت تلك الشركات تحصل بسهولة على السيولة من المصارف لتعالج هذه الثغرات، ومع غياب سوق متطوّر للدين، عادت الشركات إلى القروض القصيرة المدى والتي يسهل الحصول عليها لتمويل نموها - بما في ذلك تمويل الاستثمارات في الأصول القصيرة المدى. وقال التحليل الاقتصادي العالمي الذي ركز على الشركات السعودية، أن الشركات السعودية تتمتع بنسبة غير سليمة من الخصوم القصيرة المدى مقارنة مع الأصول الطويلة المدى، حيث أن 60% من الشركات التي شملها التحليل تعاني من عدم تطابق بين الأصول الحالية والطويلة المدى من جهة، والخصوم الحالية والطويلة المدى من جهة أخرى، وقد تتعرض الشركات إلى الخطر في حال مارست عليها المصارف المزيد من الضغط لتسديد الديون قصيرة المدى. وأظهر التحليل لمعدلات السيولة في هذه الشركات أن نسبة السيولة في أكثر من 20% من هذه الشركات لم تتعد 0.1% منذ نهاية السنة المالية 2008، ما يجعل منها أكثر عرضة للخطر. وبالإضافة إلى ذلك، زادت الشركات من حدّة أزمة السيولة عبر تسديد الأرباح الموزعة على المساهمين رغم الوضع السائد، فتوجّب عليها بالتالي زيادة مستوى ديونها. ولمواجهة هذه التحديات، أوصى التحليل الشركات السعودية بضرورة البدء في تحسين المستحقات، والإدارة الشاملة للمخزون، رفع مستوى المحاسبة على التدفقات النقدية، تحسين استخدام الأصول، ترشيد مجموعة الاستثمار، تعليق الأرباح أو تخفيضها، تخفيف عبء الدين، الرؤية الطويلة المدى. كما طالب التحليل الشركات السعودية بضرورة التركيز على تحسين الإنتاجية واعتماد المحفزات المناسبة للإدارة من أجل الحفاظ على مستوى مرتفع من الإنتاجية، وأن ألاّ تتردّد في إدخال تغييرات مهمة على النموذج التشغيلي الذي تعتمده لضمان تغيير جذري ومستدام في هيكلية التكاليف، الأمر الذي من شأنه أن يساعد هذه الشركات على الخروج من هذه الأزمة بهيكل تكاليف أكثر استدامة وتنافسية مقارنة مع الشركات المنافسة الأخرى.