يلعب القاضي الباكستاني افتخار محمد شودري دورا بارزا وفعالا في تحريك السياسة الباكستانية، حيث إنه لم يعد يشغل الشارع الباكستاني اليوم أمرا أكبر من إعادة هذا القاضي إلى منصبه بعد إزاحته مرتين عن منصبه. ويرى المراقبون السياسيون في باكستان بأن تمسك افتخار شودري بأمانة مهنته وإخلاصه لها وعدم رضوخه للضغوط السياسية أعطته مكانة خاصة بين الأوساط الشعبية ليتحول إلى رمز للإنصاف والقضاء تحيط به جميع شرائح المجتمع بما فيهم العلمانيون والإسلاميون ووسائل الإعلام ونقابة المحامين وأن يطالبوا بالإجماع بإعادته إلى منصبه للمرة الثانية باعتبار أنه الرجل المثالي والكفؤ لمنصب رئاسة المحكمة العليا الاتحادية الباكستانية، ويمكن التعرف على الجهود التي بذلها القاضي شودري خلال فترة خدمته والتي جعلته يكتسب مكانة مرموقة في المجتمع الباكستاني. تم تعيين القاضي افتخار محمد شودري على منصب رئيس المحكمة العليا الاتحادية الباكستانية لأول مرة في مايو من عام 2005م بموجب قرار رئاسي اعتمده الرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشرف، وفي الثامن من مارس 2007م استدعاه مشرف إلى منزله وطلب منه تقديم الاستقالة عن منصبه باعتبار أنه شخصية غير مرغوبة في الأوساط الحكومية لقيامه بفرض القانون الباكستاني على السياسيين ورجال الحكومة وإيقاف الصفقات الحكومية الخاصة بخصخصة ممتلكات الدولة باستخدام صلاحيات المحكمة العليا وفي إطار القانون الباكستاني. كما عرض عليه مشرف منصبا حكوميا مرموقا في الحكومة الباكستانية مقابل الاستقالة. إلا أن القاضي شودري رفض العروض التي قدمها إليه الرئيس مشرف وواصل مهام عمله على الرغم من المخاوف التي كانت تدور حوله، وذلك للحفاظ على سيادة الدستور. وأدى ذلك إلى قيام الرئيس مشرف بإقالته عن منصبه على الفور وفي نفس اليوم تم تعيين قاضٍ آخر في مكانه، الأمر الذي فجر الصراع بين الرئاسة والقضاء إذ رفض شودري التنحي عن منصبه وأصر مشرف على ذلك وخرج الخلاف بينهما إلى الشوارع العامة وخرجت مسيرات للمحامين في نفس العام، و بعد أربعة أشهر من المسيرات المتواصلة والضغوط الشعبية اضطر الرئيس مشرف إلى إعادته إلى منصبه في 20 يوليو من عام 2007م، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً إذ عاد الرئيس مشرف في الثالث من نوفمبر 2007م إلى إعلان حالة الطوارئ في باكستان وأبعد القاضي شودري عن منصبه للمرة الثانية، إلى جانب ذلك تم إحالة 60 قاضياً موالياً لشودري إلى الإقامة الجبرية في منازلهم بعد عزلهم عن مناصبهم، وقام بتعيين قضاة جدد في المحكمة العليا موالين للحكومة، وضل القضاة المعزولين قيد الإقامة الجبرية لمدة أربعة أشهر. وبعد إجراء الانتخابات العامة في باكستان في 18 من فبراير عام 2008م نادت الأحزاب السياسية التي فازت في الانتخابات بإعادة القضاة المعزولين إلى مناصبهم، حيث تم إلغاء قيود الإقامة الجبرية عن شودري وزملائه القضاة. وبعد تعهدات خطية تم توقيعها بين زعيم حزب الرابطة الإسلامية نواز شريف ونظيره قائد حزب الشعب الباكستاني آصف علي زداري الذي ورث الحزب بعد رحيل زوجته بينظير بوتو، حدثت انقسامات في رأي الحزبين الحاكمين حول إعادة القضاة وخصوصاً بعد أن وصل الرئيس زرداري إلى منصب الرئاسة، مما أدى إلى انفصال نواز شريف عن الحزب الحاكم ولجوئه إلى مقاعد المعارضة في البرلمان الاتحادي الباكستاني ليطالب الحكومة بإعادة القضاة والإيفاء بالمعاهدة، إذ كان بإمكان التحالف الحكومي إعادة القضاة بسهولة وبموجب قرار برلماني سهل. وكانت أهم أسباب إقالة افتخار شودري عن منصبه هي وقوفه أمام الرئيس السابق برويز مشرف ومطالبته بالتوضيح حول قضايا انتهاك حقوق الإنسان وقضية خصخصة مصانع الحديد والصلب . دفع ذلك مشرف ورفاقه لاتخاذ قرار عزل رئيس القضاء وهذا ما جعل عامة الناس يتعاطفون مع شودري الذي يعتبر اليوم المتحدث باسم الطبقة الفقيرة وأسر المفقودين خلال فترة حكم الرئيس مشرف. وهذه النظرة هي التي حملت جميع شرائح المجتمع الباكستاني ليتضامنوا معه و يخرجوا في مسيرات عفوية لتأييده ومساندته على الشوارع والأرصفة، مما أدى إلى صدور قرار حكومي وللمرة الثانية لإعادته إلى منصبه ليضمن تطبيق الدستور الباكستاني المعتمد في عام 1973م، وأن يضمن تطبيق القوانين على الطبقة الفقيرة والغنية والسياسيين على حد سواء ودون استثناءات. وهذا ما دفع بمختلف الهيئات والمنظمات الدولية المحافظة لحقوق الإنسان بمنحه أوسمة تقديرية لوقوفه إلى جانب سيادة القانون والمغامرة بحياته من أجل ذلك. هذا وسيتم إعادة القاضي أخيراً إلى منصبه في 21 من مارس الجاري حسب إعلان الحكومة الباكستانية والذي جاء بسبب مسيرة المحامين الضخمة التي خرجت من مدينة لاهور بقيادة نواز شريف وتحولت إلى مناسبة فرح بعد موافقة الحكومة على إعادته القضاة إلى مناصبهم.