منتصف هذا الشهر تُعلن حالة الطوارئ في الأسواق والبيوت في حمى المشتريات والمبيعات كمقدمة لشهر رمضان المبارك حتى إننا أدخلنا تقاليد جاءت بعقلية المستهلك الشره على عكس ماضينا القريب عندما كانت روحانية رمضان أجلى في صورها لأنها بسيطة وتلقائية.. فمحطات الفضاء تتسابق بإعلاناتها عن مفاجآت المسلسلات والأفلام والمسابقات التي تقدم الملايين والسيارات وحتى الفلل، والعدوى أخذتها الأسواق المركزية وما دونها عن التخفيضات والجوائز، وحوافز التوفير، لكن ما يخفى رفع الأسعار الأخرى بمعنى أن شهوة المتوسط الدخل يأتي لشراء احتياجات مسجلة، ويفاجأ بمغريات تسحب منه أرقام التخفيضات في السلع المتصاعدة الأسعار، والساحرة بالاندفاع لشرائها.. أصحاب الملابس والعطور والأحذية، والمطاعم التي تعلن عن أطعمة بنكهات عالمية ومحلية، يروننا وكأننا عالم من البطون لا العقول، أو مجرد مبذرين، وما يحير أكثر أن هناك بيوتاً تغير أثاث صالوناتها ومطابخها، وتعيد ترتيب الحديقة وتجديد السيارات، وكأننا في حفل زفاف يمتد شهراً كاملاً، في الوقت الذي يتعارض المعنى الروحي مع كل هذه السلوكيات وأصحابها، ومع المعنى الزخرفي المتفاخر بهذه المظاهر.. هذه الشريحة من المجتمع لا تتجانس، أو تتطابق مع أخرى تكثر همومها في الجانب المادي، وليس الروحي عندما تتضاعف مصاريفها وتواجه مأزق السير بركاب الفئات الأعلى منها، لتتراكم الديون وتدور بنفس الحلقة من العجز المادي.. في المشهد الآخر هناك المعتمرون من أصحاب الخمسة نجوم، فنادق فاخرة جداً، تسبقها سياراتها الفارهة بحقائبها العائدة مع عواصم الموضة الأوروبية من عطور وملابس وأدوات زينة، وعباءات مذهبة ومفصصة، المجلوبة بعد العطلة وتسبق هذه العناصر مع السائقين والخدم والطباخين ليستقبلوا معتمري العشر الأواخر أو كل الشهر الكريم بمظاهر بعيدة عن كل بساطة الإسلام ومشاعره وقيمه الروحية وتكافله الاجتماعي.. يعاكس هذه الطبقة نوعيات أخرى جمعت القرش قبل الريال لتذهب للحرمين الشريفين وفق السنن والواجبات بنقاء روحي وتجليات لا تضللها المظاهر، منذرة نفسها لتقواها وقبول المغفرة من الخالق العظيم.. هذه المظاهر لا تستطيع النظم، ولا قوانين الدولة منعها، طالما هي خيار حر وتبقى الروادع والالتزام بمبدأ العبادات قضية تتعلق بالإنسان، غير أن هذه الحالات قليلاً من نراه يفندها في جوانبها السلبية، ليذهب إلى أن رمضان المبارك والعمرة، والصدقات على الفقراء هي فضيلة في هذا الشهر الكريم، ولكنها دائمة في توقيت حسناتها بفعل الخير، وأن نظرة بين فوارق الغنى والفقر، والمرض والصحة، والإيمان السلبي والآخر الحقيقي، يجب أن ترتفع عن ثقافة الاستهلاك والمجاهرة بالمظاهر المادية، ولعلنا ونحن مقبلون على شهر كريم ندرك معاني الإيمان كبيرة لا يغالبها الغنى عن الفقر، وإنما صفاء الروح والتوجه للخالق خالصاً بالإيمان والعقيدة..